الرباط- لم يكن يدور في خلد المغربي لحسن مازوز أن يقود حب السفر شقيقه يوسف (27 سنة) إلى مصير غامض ومجهول في بقعة قصية عن بلده وموطنه. وتعيش أسرة مازوز لحظات عصيبة بعدما اكتشفت أن يوسف وقع ضحية إحدى عصابات الاتجار بالبشر بعد سفره إلى تايلند للعمل في مجال التجارة الإلكترونية.
يقول لحسن للجزيرة نت إن شقيقه سافر للسياحة إلى تركيا وفيها التقى شخصا عرض عليه العمل لحسابه وسهل له الإجراءات ووفر له مصاريف السفر إلى دبي ثم ماليزيا وصولا إلى تايلند، حيث انقطعت أخباره عن العائلة.
ويضيف أنهم علموا بعد مدة أن شخصا التقى يوسف عند وصوله بانكوك ونقله إلى مكان العمل المنتظر ليجد نفسه محتجزا في بناية رفقة أشخاص آخرين من جنسيات مختلفة، مرغمين على العمل في مجال الاحتيال الإلكتروني والقرصنة في ظروف قاسية وممنوعين من المغادرة.
طلب المساعدة
استطاع يوسف التواصل مع شقيقته عبر واتساب ليخبرها بوضعه ويحثها على طلب المساعدة من السلطات المغربية لإنقاذه من الشبكة التي تحتجزه. وبحسب لحسن، فإن هذه الشبكة خيرت شقيقه بين الاستمرار في العمل في ظروف وصفها بالعبودية، أو تقديم فدية قدرها 10 آلاف دولار مقابل حريته.
قدمت العائلة شكاية لدى الشرطة القضائية بإقليم أزيلال، وهناك -يقول لحسن- تم تحديد موقع أخيه في بورما، ثم قدموا شكاية أخرى لدى وزارة الخارجية بالرباط يلتمسون فيها التدخل لإنقاذ يوسف من براثن تلك الشبكة الإجرامية.
ويوضح لحسن أنهم اكتشفوا أنه تم تسجيل 140 شكاية قبلهم لدى الوزارة من عائلات شباب آخرين تعرضوا للمأساة نفسها، وأن أخاه “ليس المغربي الوحيد المستعبد لدى هذه العصابات”.
وسلطت الصحافة المغربية الضوء على قضية استدراج شباب مغاربة تتراوح أعمارهم بين 19 و27 سنة تحت ستار التجارة الإلكترونية لإرغامهم على القيام بأعمال إجرامية إلكترونية وطلب فدية من العائلات مقابل إطلاق سراحهم.
وطلبت النائبة البرلمانية عن فدرالية اليسار فاطمة التامني من وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، توضيحات عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ الشباب المغاربة.
وأفادت النائبة بأن هؤلاء الشباب استلموا عروض عمل قانونية وغادروا البلاد بطريقة شرعية ثم انقطعت أخبارهم، ليتبين أنهم محتجزون في مبان مغلقة مرغمين على العمل ضمن شبكات للاحتيال الإلكتروني في ظروف قاسية دون الحق في الراحة الكافية أو الخروج أو التواصل مع عائلاتهم.
وأضافت للجزيرة نت أن هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في فخ عصابات إجرامية تتاجر في البشر في مناطق في جنوب شرق آسيا.
ووفق البرلمانية، فإن وزارة الخارجية باعتبارها مسؤولة عن شؤون المغاربة المقيمين بالخارج، معنية بالتفاعل مع هذا الموضوع باستعجال لأن فيه تهديدا لسلامة هؤلاء الشباب. ولفتت إلى أنها تعمل على التواصل مع عدد من أسر الضحايا التي تجد صعوبة في الحصول على معلومات كافية عن أبنائها.
توضيح
بدوره، وجه رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة الشعبية بمجلس النواب إدريس السنتيسي سؤالا كتابيا إلى وزير الخارجية بخصوص اختطاف واحتجاز هؤلاء الشباب على الحدود بين تايلند وميانمار. وساءل الوزير عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لإنقاذهم.
ووجهت الجزيرة نت استفسارا للسفارة التايلندية بالرباط حول ملابسات الاحتجاز المزعوم لمواطنين مغاربة من قبل شبكات الاتّجار بالبشر في تايلند وما إذا كانت قد استقبلت بعض أسر الضحايا.
وقالت السفارة في جوابها إنها توصلت بخبر سقوط مواطنين مغاربة ضحايا لعصابات الجريمة الإلكترونية الدولية من السفارة المغربية في بانكوك والتي اتصلت بها عائلات الضحايا وطلبت المساعدة من السلطات التايلندية.
وأوضحت السفارة أنها لا تتوفر على معلومات عن مكان وجود هؤلاء المواطنين المغاربة وليس لديها أي تفاصيل حول كيفية احتجازهم أو تهريبهم عبر الحدود التايلندية إلى ميانمار أو أي دولة أخرى، كما أنها لا يمكنها تأكيد احتجاز هؤلاء المغاربة لأنها لا تشارك في التحقيق في هذه الحالات.
لكنها أكدت أنه لم يتم تهريبهم من المغرب إلى تايلند مباشرة بل إنهم تقدموا بطلب الحصول على تأشيرة لدخول البلاد لدى السفارات التايلندية في أماكن مختلفة مثل دول الشرق الأوسط أو جنوب شرق آسيا حيث دخلوا إلى تايلند بمحض إرادتهم وغالبا ما أكدوا أن هدف السفر هو السياحة.
وأشارت إلى أن مثل هذه الشبكات الإجرامية الدولية تستهدف العديد من المواطنين الأفارقة وليس فقط المغاربة، وتعمل في مرافق سرية غير قانونية في ميانمار وكمبوديا حيث تشترك تايلند معهما في حدود برية تبلغ عدة آلاف من الكيلومترات، لافتة إلى أن أنشطة الاتّجار غير المشروع أو التهريب تشكل تحديا كبيرا يواجه الجهات المخولة بإنفاذ القانون في هذه الدول.
وعلمت الجزيرة نت أن وزارة الشؤون الخارجية المغربية تجري بحثا بتنسيق مع جهات أخرى للتحقق من المعطيات الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بخصوص ظروف وملابسات احتجاز شباب مغاربة، وأنها بمجرد اتضاح الصورة ستتفاعل رسميا مع هذا الملف بالشكل الذي تراه مناسبا.
تحذيرات
ونشطت في السنوات الأخيرة ظاهرة استدراج شبكات الاتجار بالبشر بدول جنوب شرق آسيا للشباب الباحثين عن فرص عمل واستغلالهم في الجرائم الإلكترونية. ويرى الطيب مضماض عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مثل هذه الشبكات تستعمل وسائل غير قانونية وغير إنسانية للوصول إلى أهدافها.
وصرح للجزيرة نت بأن الضحايا المغاربة الذين وقعوا في فخ هذه الشبكة هم من الفئات الهشة، وكانوا يبحثون عن فرص عمل بأجور تتناسب مع مؤهلاتهم “وهي الفرص التي لم يجدوها في بلادهم”.
ولفت إلى أن الدولة التايلندية اعترفت عبر سفارتها في الرباط بالظاهرة ومن واجبها العمل على تحرير المواطنين المغاربة وغيرهم من قبضة هذه الشبكات. وأكد مضماض مسؤولية السلطات المغربية في حماية مواطنيها داخل البلاد وخارجها.
وكان تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان العام الماضي، قد نبه إلى أن مئات الآلاف من ضحايا العصابات الإجرامية المنظمة يُجبَرون بالقوة على ارتكاب الجرائم عبر الإنترنت في جنوب شرق آسيا، وتتراوح الجرائم بين عمليات الاحتيال في العملات المشفرة والمقامرة غير القانونية، وفي “الاستثمار الرومانسي” ، وفق تعبير المفوضية الأممية.
ونقل التقرير شهادات الضحايا الذين نجوا من هذه الشبكات، وصرحوا بتجنيدهم بطريقة مخادعة حيث كانوا يعتقدون أنهم سيعملون في وظائف مشروعة، وقال الكثيرون إنهم شاهدوا إعلان العمل على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، أو مواقع عمل مشروعة. وتتضمن الشروط المقدمة في الإعلانات الاحتيالية وعودا برواتب مرتفعة ومكافآت منتظمة وإقامة مجانية وطعاما.
في المقابل، رجح التقرير أن بعض الضحايا كانوا على علم بأنهم سيشاركون في عمليات احتيال عبر الإنترنت ولكن تم خداعهم فيما يتعلق بالظروف، حيث لم يكونوا على علم بأنهم سيُحتجزون في المجمعات، أو يتقاضون أجورا زهيدة أو بدون أجر، وأنهم سيتعرضون للضرب وغيره من ضروب المعاملة القاسية وأشكال العنف، أو الإجبار على دفع فدية من أجل الرحيل.
ونقل التقرير ذاته عن مصادر موثوقة أن ما لا يقل عن 120 ألف شخص في جميع أنحاء ميانمار قد يكونون محتجزين في ظروف يضطرون فيها إلى تنفيذ عمليات احتيال عبر الإنترنت، مع تقديرات مماثلة في كمبوديا تبلغ 100 ألف شخص تقريبا، إلى جانب الفلبين وتايلند، باعتبارها بلدان المقصد أو العبور الأساسية لما لا يقل عن عشرات الآلاف من الأشخاص.
وأوضح التقرير أن العديد من الضحايا من المتعلمين والمثقفين، ومنهم من يأتي من وظائف مهنية أو يحمل شهادات عليا أو حتى شهادات ما بعد التعليم العالي، وهم متعددو اللغات ويُجيدون استخدام الحاسوب. كما يأتون من جميع أنحاء رابطة أمم جنوب شرق آسيا ومن الصين وهونغ كونغ وتايوان وجنوب آسيا، ومن أفريقيا وأميركا اللاتينية.