باريس- قوبل تنصيب وزير التعليم الفرنسي السابق غابرييل أتال كونه أصغر رئيس وزراء باهتمام كبير في وسائل الإعلام المحلية، إلا إنه لم يحظ بالضجة نفسها عند فئة الشباب، خاصة بعد تأكيده -بفخر- قراره حظر ارتداء العباءة في المدارس الفرنسية.
وامتدت انتقادات هذا القرار إلى خارج حدود البلاد لتصل إلى الأمم المتحدة حيث اعتبر مقررون خاصون أنه إجراء “يفتح الباب أمام التعسف والمضايقة والتمييز” ويمكن أن يؤدي إلى “ضوابط ذاتية وتنميط عنصري”.
ودعا المقررون الأمميون، في رسالة موجهة إلى الحكومة الفرنسية في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى تقديم معلومات عن التدابير المتخذة لضمان أن هذا الحظر “لا ينتهك حقوق المسلمين في حرية الدين دون تمييز وألا يؤدي إلى زيادة التهميش الاجتماعي”.
انتقادات لاذعة
وفي هذه الرسالة المكونة من 13 صفحة، حصلت الجزيرة نت على نسخة منها، انتقد 6 مقررين معنيين بالحق في التعليم والحقوق الثقافية وقضايا الأقليات وحرية الدين والعنف ضد النساء والفتيات، هذا الإجراء الوزاري محذرين من عواقبه التمييزية.
وأعربوا عن قلقهم من أن التدابير المتخذة لضمان مبدأ العلمانية ـالتي تهدف الدولة الفرنسية من خلاله إلى ضمان حرية الدين والمعتقد للجميع- قد “قوضت في الواقع حرية المرأة المسلمة في إظهار دينها”، مشددين على رفضهم أي شكل من أشكال “الإكراه” الذي “يستهدف بشكل غير متناسب النساء المسلمات ويفرض قيودا على حقوقهن في التعبير عن الرأي أو الدين والمعتقد”.
ودعت الرسالة الحكومة إلى تقديم معلومات في كيفية فهم وتعريف حياد الدولة تجاه جميع الطلاب والالتزام باحترام الحقوق الأساسية للطفل والوصول إلى التعليم، مع التركيز على الأقليات الدينية.
في السياق، أكد المقررون اطلاعهم على القرارات الإدارية التي نفذتها الحكومة الفرنسية والهيئات الرياضية لمنع النساء والفتيات من ارتداء الملابس التي تُبين -ظاهريا- انتماءهن الديني في مجالي التعليم والرياضة.
واستندوا في ذلك إلى تصريحات وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا التي أعلنت منع اللاعبات ارتداء الحجاب في أولمبياد باريس 2024، فضلا عن تطبيق الاتحاد الفرنسي لكرة القدم وكرة السلة الأمر ذاته.
وتعتبر اللجنة التابعة للأمم المتحدة ـ ومقرها جنيف ـ أن حظر ارتداء الملابس الفضفاضة يمكن أن يشكل “تمييزا وعقابا ضد الفتيات اللاتي يرفضن الحكم عليهن من خلال مظهرهن وأجسادهن”.
ويرى أمين عام اتحاد الجمعيات الإسلامية في باريس محمد هميش، أن هناك رغبة واضحة في إثارة موضوع حظر العباءة لمنع تسليط الضوء على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها نظام التعليم “ولو كان هذا الأمر يهم أتال حقا لكان احتفظ بالوزارة للتعامل مع هذه المشكلة”.
وقال للجزيرة نت إن حظر العباءة في المدارس “ليس من الأولويات العشر للفرنسيين، وفي قطاع التعليم هناك مشاكل محورية كالساعات غير مدفوعة الأجر وارتفاع حالات التحرش والانتحار، والجدل الدائر حول وزيرة التعليم الجديدة التي نقلت أولادها من مدرسة حكومية إلى أخرى خاصة”.
شهادات
وقالت اللجنة الأممية إنها تلقت شهادات تفيد بأن الطالبات مُنعن من الدراسة بسبب ارتدائهن “الكيمونو” أو ملابس اعتُبرت “مغطاة أو فضفاضة جدا” وشعرن بالإهانة، فيما أعرب أولياء الأمور عن حيرتهم بشأن تعريف العباءة.
وأشارت شهادات أخرى إلى عمليات استجواب وتحيزات جنسية وعنصرية، إلى جانب ادعاءات تتعلق بالانتماء الديني للطلاب من قبل موظفي المدارس، حيث لا يصاحب هذا النوع من الحوارات أو التعليقات -التي تهدف إلى اقتحام خصوصياتهم أو ترهيبهم- أي ممثل قانوني يحمي الفتيات الصغيرات بما يتناسب مع حقوقهن، وفق المصدر نفسه.
وفي ردها الذي أرسلته في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي ونشرته في 9 يناير/كانون الثاني الحالي، أيدت وزارة التربية والتعليم حظر العباءة، معتبرة أنه يندرج ضمن “تطبيق القانون الفرنسي”.
وأكدت الوزارة أن مذكرة التعليمات “دقيقة وصريحة بما يكفي لتجنب أي صعوبة في تطبيق الحظر على الملابس التقليدية لتحديدها بوضوح من قبل الموظفين العموميين، وخاصة رؤساء المؤسسات”.
ويعد هميش رسالة الوزارة “أمرا ملفقا”، مشيرا إلى منع اللاعبات من ارتداء الحجاب خلال الألعاب الأولمبية المقبلة رغم أن ارتداءه مرخص من قبل اللجنة الأولمبية الدولية.
وأثناء تسلم أتال مفاتيح السلطة من رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن، 9 يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن أنه ملتزم بالحرية “عبر اتخاذ قرارات قوية بشأن العباءات والعلمانية”.
دين أم سياسة؟
ومع تطبيق هذا الحظر منذ بداية العام الدراسي في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، قاد رئيس الوزراء غابرييل أتال (وزير التعليم آنذاك) هجوما معاديا يستهدف الفتيات المسلمات في المدارس الثانوية. ولم يكتف بذلك فقط، بل أرسل مراقبين وأمر إدارات المدارس بمنع دخول الطالبات اللاتي يرتدين العباءات.
وبحسب الأرقام التي أعلنتها الوزارة، فقد حاولت 298 طالبة -على الأقل- ارتداء العباءة أو ملابس مماثلة للالتحاق بالمدرسة، وعند رفض 67 فتاة الامتثال تم إعادتهن إلى المنزل، فيما سُمح للأخريات بحضور الفصول المدرسية بعد موافقتهن على خلع العباءة.
وقد استنكر أعضاء مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان تفاصيل التعميم الصادر عن وزير التعليم السابق الذي لا يعطي أي تعريف للعباءة “لأنها لا تُعتبر لباسا دينيا، بل ثقافيا أو تقليديا بالنسبة لبعض الهيئات الدينية”.
ويقول محمد هميش إن الحكومة تريد “اختفاء المسلمين” لأنها لا تريد أن تراهم أو تسمعهم، وهذا ما يفسر التشدد في الحجاب والعباءة لأنها مظاهر تعبر عن الدين الإسلامي، على حد قوله.
وتابع “مع حل الجمعيات الإسلامية ومنع جلب الأئمة من الخارج وإغلاق الثانوية الإسلامية في مدينة ليل ـوغيرها من الأمثلةـ نخلص إلى أن الحكومة مصممة على إزالة كل ما يدل على الإسلام في المجال العام”.
ويعتقد هميش أن الأمر مرتبط بالتوجه السياسي الذي تتبعه الدولة، خاصة مع صعود اليمين المتطرف، مما يعني تطبيق إجراءات أكثر صرامة تجاه المسلمين والرموز الإسلامية.
وأضاف أن “المسلمين فقدوا الحرية الدينية والحرية بشكل عام خلال فترتي ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون. لا يريدون اليوم رؤية المسلمين وسيكونون سعداء إذا اختفوا أو مارسوا ديانتهم سرا”.