الدار البيضاء- لخصت سلمى قصة زواج بدأته قبل أن تبلغ 16 عاما من عمرها بقولها “أصبحت مقتنعة بأن كل عمر أدنى من 20 عاما غير مناسب للزواج”، بعدما كانت مقتنعة بقرار اتخذته وهي طفلة قاصر، غير مدركة لما ستؤول إليه الأوضاع بعد بضع سنوات.
“ليست تجربة سهلة، إنه قرار يحدد مصير حياة كاملة حتى وإن دام شهرا فقط”، تقول سلمى التي بدأت في عمر مبكر تأسيس أسرة كانت نهايتها الطلاق، مع طفل أنجبته قبل بلوغ السن القانونية للزواج (18 عاما)، مشددة -مع عدم التعميم- على أن “عقل الفتاة قبل سن العشرين ليس هو نفسه بعدها، القرار يحتاج إلى نضج”.
وبعد أن وجه الملك المغربي محمد السادس الثلاثاء 26 سبتمبر/أيلول الماضي رسالة إلى رئيس الحكومة تتعلق بـ”إعادة النظر” في مدونة (قانون) الأسرة ورفع التوصيات إليه خلال 6 أشهر تصدرت النقاش قضية “زواج القاصرات”، حيث تطالب الهيئات الحقوقية بمنعه رغم أن المدونة الحالية تحدد سن الزواج في 18 سنة.
وفي هذا الصدد، تشير المحامية السعدية الضريس في حديثها للجزيرة نت إلى وجود استثناء ضمن مدونة الأسرة يمكّن القاضي عبر المادة 20 من إعطاء الإذن بالزواج دون سن الأهلية، شريطة تعليل المصلحة من القرار والأسباب المبررة له بعد الاستماع إلى القاصر والأبوين، ومع الاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي.
“لكن هذه الطلبات يجري البت فيها دون الرجوع إلى الوسائل التي وضعها المشرع” تضيف الضريس، حيث إن القاضي يكتفي بمجرد شهادة خطية يدلي بها الطرفان.
اختلالات في المدونة
يقول مراقبون إن قانون الأسرة الذي دعا الملك إلى إصلاحه في أكثر من مناسبة تشوبه ثغرات عدة أخرى، حيث شدد على ضرورة “تجاوز الاختلالات التي كشفت عنها التجربة، ومراجعة بنود تم الانحراف عن أهدافها”.
وترى نزهة الصقلي الوزيرة السابقة للأسرة والتنمية الاجتماعية ورئيسة جمعية أوال للحريات في حديث مع الجزيرة نت أنه “منذ إقرار مدونة الأسرة في 2004 لا بد من أن يكون قد حدث تحول مجتمعي”.
وتشير الصقلي إلى أن الإصلاحات السابقة “لم يتم تجسيدها بشكل منصف على أرض الواقع”، موضحة “في ما يتعلق بالمادة الرابعة مثلا تنص المدونة على أنه يجري إنشاء الأسرة برعاية الزوجين معا، لكن مفهومها ما زال يعتمد على كون الرجل هو صاحب الولاية على الأطفال”.
بدورها، لفتت المحامية الضريس إلى أن الخلل بالنسبة إليها يكمن في “شروط التنزيل” معددة بنودا، من بينها “المادة المذكورة، والمادة 16 التي نصت على ضرورة التقدم بطلب توثيق الزواج خلال مدة معينة، قبل أن يصاحب تطبيقها انحرافات أسهمت في إضفاء الشرعية على علاقات ليست كذلك”.
كما أضافت المادة 45 المتعلقة بطلبات التعدد والتي تنص على إحالة القاضي الملف بصفة تلقائية إلى قضية “طلاق الشقاق” بعد رفض المرأة “وهذا مخالف لمقتضيات المسطرة المدنية، لأن الزوجة لم تعبر عن رغبتها في الطلاق”، وأيضا المادة 49 المرتبطة باقتسام الأموال المكتسبة “إذ يتعذر على الكثير من النساء إثبات طبيعة مساهمتهن في تنمية الممتلكات”.
وجهات نظر
وتقول الصقلي إنه ينبغي “إعادة النظر” في قانون الأسرة على مستوى فلسفتها عبر تعديل مبني على قيم الحداثة والالتزامات الدستورية للبلاد “مع إزالة عدد من المفاهيم القديمة” حسب تعبيرها، إضافة إلى مراجعة القوانين الجنائية المرتبطة بالأسرة، مثل “تجريم الإجهاض، والعلاقات الرضائية، ومسألة النسب”.
أما البرلماني السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية (معارض) عبد العزيز أفتاتي فيرى أنه لا بد من تعديل “أساسه الطابع الديني الفقهي في المغرب”، مع عدم التقليل من شأن التوجهات المدنية المرتبطة بمقتضيات الأسرة، مشددا على رفض استنساخ مقاربات غربية “تخالف خصوصية المجتمع المغربي”.
ويقول أفتاتي للجزيرة نت إن “الذي يهم في شروطنا للحفاظ على التماسك الاجتماعي والبناء الأسري هو التشجيع على الزواج والحيلولة دون إضعافه، إضافة إلى العمل على إنصاف المرأة، لأنها الحلقة الأضعف عندما يتعلق الأمر بالمشاكل التي تعترض الأسر”.
ويكاد المتحدثون يتفقون على ضرورة تعديل مجموعة من المواد في مدونة الأسرة، كتلك المرتبطة بقضايا سن الزواج والحضانة وتقسيم الممتلكات والنسب، لكنهم يختلفون في أخرى مثل مسألة الإرث التي تدعو الصقلي إلى مراجعتها، فيما يؤكد أفتاتي أنها “مسألة محسومة لا يمكن مقاربتها إلا في إطار الشريعة”.
“لن أحل ما حرم الله”
جاء في رسالة الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة بشأن “إعادة النظر” في مدونة الأسرة قوله “بصفتنا أمير المؤمنين لا يمكننا أن نحل ما حرم الله”، كما حرص في قوله على “أن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي”.
في مقابل ذلك، دافع عبد اللطيف وهبي وزير العدل الحالي والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عن تعزيز الحريات الفردية في المغرب، وهو ما أثار مخاوف بين فئات من المجتمع، ليُطرَح السؤال بعد رسالة الملك: هل يمكن أن يحدث التوافق بين التوجهات المحافظة ونظيراتها الحداثية؟
يقول البرلماني السابق أفتاتي إن تعديل مدونة الأسرة شأن في غاية الحساسية، “لذلك سيكون مؤطرا بخيارات الدولة الكبرى التي تعود إلى أمة قائمة على المرجعية الإسلامية، بما تقتضيه من مقاصدية وكليات أساسية وعدل وإنصاف واجتهاد في صيانة أسس الاجتماع”.
وترى البرلمانية السابقة في حزب الأصالة والمعاصرة ابتسام عزاوي أن “المغرب بلد متشبث بأصالته، لكنه في الوقت نفسه منفتح”، مشيرة في حديثها للجزيرة نت إلى أن الملك “كان واضحا عندما دعا إلى المراجعة وفق مقاربة تستحضر مقاصد الشريعة، لكنها أيضا منفتحة على التوجهات الحداثية غير المخالفة لقيم الأسرة المغربية”.
أما الصقلي -وهي برلمانية سابقة عن حزب التقدم والاشتراكية (معارض)- فتشدد على ضرورة “خلق نقاش بناء أولا”، مضيفة “لا يمكن أن يحدث تناقض بين القيم الدينية والكونية، لأنها كلها قيم إنسانية لا تنكرها الأديان”، وتطالب في الوقت نفسه بمراجعة “المفاهيم التقليدية بالمدونة”.
بدورها، تقول المحامية الضريس إن “مخاوف الرأي العام مشروعة جدا”، على اعتبار أنه يجري نقاش مسائل “تمس بهوية المجتمع التي لا يجدر تجاوزها”، لافتة إلى أنه “يمكن أن يحدث تكامل بشأن المقتضيات الإيجابية في الحريات الفردية، خاصة التي لا تتعارض مع مقاصد الشريعة”.