تشديد الحصار والتجويع ..أطفال غزة من ينجو من القصف يقضي جوعا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

غزة– لثلاثة أيام بقيت الطفلة جنى قديح تنازع الموت، وتتشبث بالحياة بشرب الماء فقط، في حين تهاوى جسدها الضئيل بسبب الجوع، قبل أن تستشهد في مركز للإيواء داخل مدرسة طيبة الحكومية في بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس، حيث كانت أسرتها قد نزحت على إثر إنذارات إسرائيلية وغارات جوية عنيفة.

استشهدت جنى (14 عاماً)، أمس الجمعة، نتيجة الجوع الشديد، ولم تجد قبرا يؤوي جسدها الضئيل، واضطرت أسرتها إلى دفنها في ساحة المدرسة، المحاصرة بالدبابات والمستهدفة من مقاتلات حربية إسرائيلية بغارات جوية عنيفة في محيطها، تزامنا مع مساعي التوغل برا من المحور الشرقي نحو عمق مدينة خان يونس.

وما جنى إلا واحدة من عدة حالات وفاة رصدها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، لأطفال فقدوا حياتهم نتيجة الجوع الشديد داخل مراكز إيواء، جلها في مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مناطق جنوب قطاع غزة.

الطفلة جنى قديح استشهدت بعد 3 أيام عاشت فيها على المياه في مركز إيواء شرق مدينة خان يونس (الجزيرة)

شهداء الجوع

تعاني جنى من الشلل الدماغي، ولا تقوى على الجوع، ولم تجد أسرتها ما يُقيتها لـ3 أيام متتالية. في إفادتها للجزيرة نت قالت نسرين قديح عمة الطفلة الشهيدة “خلال هذه الأيام لم تتناول جنى سوى المياه، وليتها مياه صالحة للشرب، وإنما ما يتوفر من مياه في المدرسة التي تحاصرها الدبابات”.

وظلت أسرة جنى طوال هذه الأيام تناشد المنظمات الحقوقية والدولية لإنقاذها من “براثن القصف والحصار والجوع”، لكن “لم يستجب أحد لصرخات ندى وأسرتها وآلاف النازحين في المدرسة” بحسب تأكيد نسرين.

نسرين نفسها نازحة مع أسرتها وأبنائها الأربعة في مدرسة تقع غرب مدينة خان يونس، وتقول إن الخشية تكاد تقتلها من أن ينال الجوع منهم، ويكون مصيرهم الموت جوعا مثل جنى.

والتقت نسرين ابنة شقيقها جنى لآخر مرة، في أحد أيام الهدنة المؤقتة، التي توصلت إليها حركة حماس وإسرائيل برعاية قطرية، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقالت إن كلمتين لوالد جنى لا يزال يتردد صداهما في أذنيها “البنت بتموت”.

ونزحت جنى، وهي الكبرى بين أشقائها لأسرة مكونة من 7 أفراد، من منزلهم في بلدة عبسان الكبيرة، إحدى بلدات شرق خان يونس، التي شملها الإنذار الإسرائيلي لسكانها بالإخلاء والنزوح نحو مدينة رفح، مع بدء العمليات العسكرية البرية لجيش الاحتلال في جنوب القطاع.

وقالت نسرين “اضطر شقيقي لمغادرة شقة سكنية نزح إليها بأسرته، واللجوء إلى مركز الإيواء بمدرسة طيبة قبل نحو 3 أسابيع، بعدما احتاج مالك الشقة إلى شقته، إثر قصف إسرائيلي دمر منزله في مدينة خان يونس”.

تغلق إسرائيل معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد ضمن الحصار المطبق بالتزامن مع الحرب وتمنع كل الامدادات الإنسانية -رائد موسى-رفح-الجزيرة نت
إسرائيل أغلقت معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد ضمن الحصار المطبق بالتزامن مع الحرب وتمنع كل الإمدادات الإنسانية (الجزيرة)

قبر في المدرسة

ورغم أن المقبرة لا تبعد أكثر من 800 متر عن المدرسة، وجد والد جنى نفسه مضطرا إلى دفنها في “قبر مؤقت” في ساحة المدرسة، وتقول شقيقته نسرين “القصف الجوي والمدفعي لا يتوقف عن محيط المدرسة، وجيش الاحتلال يمنع الحركة في المنطقة، والخروج من المدرسة مخاطرة كبيرة”.

وخلال هذه الحرب التي يصفها الغزيون بأنها “الأشد عنفا” من بين 5 حروب وجولات تصعيد عديدة، يضطر النازحون في مرات كثيرة إلى دفن الشهداء في ساحات المدارس والمستشفيات، بعدما تعذر وصولهم إلى المقابر، لصعوبة الحركة ميدانيا، سواء بفعل التوغل البري لدبابات الاحتلال، أو لشدة الغارات الجوية والقصف المدفعي.

وبكثير من الحزن والأسى، تقول نسرين “عاشت جنى معاقة، وماتت بالجوع، ولم تجد لها قبرا تدفن فيه”، وصمتت قليلا قبل أن تستكمل حديثها “أطفالنا يموتون قصفا وجوعا، ولا أحد يحرك ساكنا، وكأن العالم كله يتفرج على فيلم سينمائي”.

وتقول نسرين إن الأوضاع المعيشية في تدهور مستمر، وآلاف النازحين في مراكز الإيواء في مدينة خان يونس وبلدات المنطقة الشرقية، بلا مياه أو طعام، بعد انقطاع إمدادات الأونروا، وتتساءل “اليوم نتقاسم التمر مع بعضنا بعضا، ونؤثر أطفالنا على أنفسنا، فنحن الكبار نحتمل الجوع، ولكن إلى متى يمكننا الصمود؟”.

اونروا المساعدات عبر معبر رفح البري مع مصر تمثل 5_ فقط من احتياجات سكان قطاع غزة -رائد موسى-رفح-الجزيرة نت
مساعدات الأونروا عبر معبر رفح البري مع مصر تمثل 5% فقط من احتياجات سكان قطاع غزة (الجزيرة)

قتل بسلاح التجويع

يبدو واقع الحال في المنطقة الوسطى من القطاع ومدينة غزة وشمالها أشد سوءا، بسبب العزلة المفروضة على هذه المناطق، سواء بفعل كثافة النيران، أو الوجود الفعلي لدبابات الاحتلال وآلياته على المحاور والطرق الرئيسية، ومنعها الحركة وتدفق الإمدادات والمساعدات رغم قلتها.

ويقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن المساعدات المحدودة التي تدخل القطاع يتم توزيعها منذ عدة أيام على مدينة رفح فقط، بسبب التوتر الميداني في مدينة خان يونس، وعزل الجيش الإسرائيلي المنطقة الوسطى ومدينة غزة وشمالها.

ويحذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من مخاطر اتساع دائرة حرب التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في القطاع، بغرض تعميق الإبادة الجماعية التي تمارسها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال رئيس المرصد الدكتور رامي عبده للجزيرة نت إنهم تلقوا “إفادات بتسجيل حالات وفاة الأطفال جوعا داخل مدارس تابعة للأونروا في مناطق جنوب قطاع غزة، بعد معاناتهم من مضاعفات صحية نتيجة سوء التغذية”، آخر هذه الحالات هي الطفلة جنى، التي استشهدت بفعل الجوع ونقص الأكسجين اللازم لحالتها.

ويشكك هذا الناشط الحقوقي في جدية أونروا والمنظمات الدولية ومدى بذلها الجهود اللازمة لمجابهة سياسة التجويع الإسرائيلية، وقال “ينبغي لوكالات الأمم المتحدة عدم التواطؤ في حرب التجويع الحاصلة في ظل التراجع الحاد لإدخال المساعدات الإنسانية في الأيام الأخيرة والاكتفاء بتوزيع إمدادات محدودة على مناطق أقصى جنوب قطاع غزة”.

وبحسب رئيس المرصد الأورومتوسطي، فإنه “لا يمكن قبول الذرائع الأمنية التي تسوقها هذه الوكالات والمنظمات الدولية، لتبرير ترك المدنيين في القطاع يواجهون الموت جوعا”، مشددا على أن الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطالبون بتحمل مسؤولياتهم المباشرة عن تصاعد حرب التجويع الإسرائيلية.

وتشير بيانات رسمية لأونروا إلى أن متوسط المساعدات الإنسانية الواردة عبر معبر رفح البري بين القطاع ومصر، يقدر بـ55 شاحنة يوميا، تمثل 5% فقط من الاحتياجات الأساسية لأكثر من 2.2 مليون فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير، في حين كانت المتوسط خلال أيام الهدنة المؤقتة 170 شاحنة يوميا.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *