الرباط– أخفقت مكونات المعارضة بالمغرب في الوصول إلى توافق بشأن رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، مما عرقل عمل المجلس.
وبموجب النظام الداخلي لمجلس النواب، تخصص لفرق المعارضة رئاسة هذه اللجنة إلى جانب لجنة مراقبة المالية العامة.
وتمسك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأحقيته برئاسة اللجنة بدعوى توفره على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية وسط الأحزاب المعارضة، بينما رفض حزب الحركة الشعبية، الذي يترأس اللجنة منذ بدء الولاية التشريعية، التخلي عنها.
وأدى هذا الخلاف إلى تعطيل تجديد هياكل مجلس النواب وتوقف عمله، وهو ما ظهر من خلال إلغاء جلسة الأسئلة الشفوية الأولى وتأجيل عقد جلسة دستورية كان رئيس الحكومة سيقدم فيها حصيلة حكومته المرحلية.
وليس هذا الخلاف الوحيد وسط مكونات المعارضة، بل سبقه آخر يتعلق بعدم توصل أحزاب المعارضة إلى اتفاق يخص تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة (إجراء يعطي لمجلس النواب صلاحيات لإسقاط الحكومة).
وكان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد دعا إلى تقديم الملتمس، لكن باقي مكونات المعارضة تحفّظت، وأعلن حزب العدالة والتنمية في بيان لأمانته العامة عدم المشاركة في ملتمس الرقابة، وقال إن أحد أحزاب المعارضة اقترحه بطريقة انفرادية وصاحبه بالترويج لمجموعة من التفاهمات المزعومة وغير الصحيحة.
من جهته، أبدى حزب التقدم والاشتراكية أسفه لعدم التوصل إلى صيغة توفيقية قابلة للتنفيذ حالا فيما يتعلق بملتمس الرقابة، مؤكدا في بيان أصدره عقب اجتماع مكتبه السياسي، عزمه مواصلة مساعيه من أجل تجاوز اعتبارات وصفها بأنها “ثانوية”.
معارضة غير منسجمة
وبحسب نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2021، فإن المعارضة تتكون من 9 أحزاب تملك 125 مقعدا برلمانيا من أصل 395، وهي: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وله 34 مقعدا، وحزب الحركة الشعبية 28، حزب التقدم والاشتراكية 22، حزب الاتحاد الدستوري 18، وحزب العدالة والتنمية 13، وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية 5، وحزب جبهة القوى الشعبية 3.
ويحظى كل من الحزب الاشتراكي الموحد وتحالف فدرالية اليسار بمقعد واحد لكل منهما. وتمثل الأحزاب التسعة تيارات يسارية وليبرالية وإسلامية.
ومباشرة بعد نتائج الانتخابات، أعلنت المعارضة التنسيق فيما بين مكوناتها لمواجهة الأغلبية الحكومية، واتفقت على تعيين ناطق باسمها، وعقدت عدة اجتماعات بين رؤساء الفرق البرلمانية. بيد أن هذا التنسيق سرعان ما انهار بعد انسحاب الفريق الاشتراكي منه، بسبب الخلافات بين الأحزاب.
وأظهرت المناوشات بين بعض زعماء المعارضة والخلافات حول ملتمس الرقابة ورئاسة لجان البرلمان أن المعارضة تشتغل بشكل فردي خصوصا مع تسرب خلافاتها إلى وسائل الإعلام.
خلافات طبيعية
يرى رئيس فريق الحركة الشعبية في البرلمان إدريس السنتيسي أنهم يفضلون التوافق لإنهاء الخلاف بينهم وبين حزب الاتحاد الاشتراكي حول رئاسة لجنة العدل والتشريع، لكن في حال عدم حصوله لا يرون حرجا في اللجوء إلى التصويت باعتباره آلية ديمقراطية.
وأوضح السنتيسي للجزيرة نت أن النظام الداخلي للمجلس يمنح رئاسة اللجنة للمعارضة، لكنه لا يحدد أحقية فريق برلماني معين بها، مشيرا إلى أن حزبه سيقدم طلبا لتعديل هذا النظام لتكون رئاسة اللجنة بتوافق بين كل مكونات المعارضة أو بالتصويت من طرف نواب المعارضة فقط دون تدخل الأغلبية.
واستبعد المتحدث أن يكون لهذا الخلاف تأثير على أداء المعارضة وعملها في البرلمان، مشيرا إلى أن مكوناتها ليست ملزمة بالتنسيق التام فيما بينها، بل تفعل ذلك في بعض القضايا وتعمل بشكل مستقل ووفق رؤيتها الخاصة في قضايا أخرى.
وقال إن المعارضة تقوم بدورها الكامل في البرلمان، وإذا لم تتفق على رئاسة لجنة أو ملتمس رقابة فلا يعني ذلك تشتتها، بل يعني أن لكل فريق برلماني مبادراته الفردية في ممارسة دوره الرقابي.
واتفق رئيس فريق التقدم والاشتراكية في البرلمان رشيد حموني، مع هذه الفكرة. وأوضح للجزيرة نت أن فرق المعارضة تشتغل وفق رؤاها الخاصة، وقد تتفق أحيانا في بعض القوانين والقضايا، وقد تختلف في أخرى.
وبخصوص الخلاف بين حزبي الاتحاد والحركة حول رئاسة لجنة العدل والتشريع، قال حموني إن لكل فريق التزامات وحسابات سياسية.
وتمسك حزب الاتحاد الاشتراكي بمبدأ النسبية للمطالبة بحقه في رئاسة اللجنة على اعتبار أن أولوية ترؤس اللجان حسب العرف للفريق الأكثر عددا، في حين اعتبر فريق الحركة الشعبية أن ترؤسه اللجنة منذ بداية الولاية، حقا مكتسبا.
وقال رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب عبد الرحيم شهيد، في تصريحات إعلامية، إن حزبه يريد تطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب والتقاليد المعمول بها في انتخاب رؤساء اللجان والتي تتم عن طريق التوافق ووفق مبدأ النسبية العددية.
وأشار حموني إلى أن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية قام بوساطة بين الحزبين لتقريب وجهات النظر بينهما وهو ما أسفر عن تنازل فريق الحركة عن رغبته في الاستمرار في ترؤس اللجنة لصالح فريق الاتحاد.
وقال إن هذه الخلافات مسألة طبيعية ولا تأثير لها على أداء المعارضة، وأضاف “سنستمر في التنسيق في الأمور التي تجمعنا”.
وأكد أن المرحلة الثانية من الولاية التشريعية تستدعي من الحكومة احترام حقوق المعارضة والتفاعل معها واحترام الدستور.
وأوضح أن فرق المعارضة تقوم بأدوارها التي حددها القانون، لكن عدم التوازن بين الأغلبية والمعارضة في البرلمان يحرم هذه الأخيرة من آليات رقابية أخرى مثل تشكيل لجان تقصي الحقائق وغيرها من وسائل الضغط بقوة على الحكومة.
متوقع وقائم
ويرى إسماعيل حمودي أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس أن الخلاف والصراع بين فرق المعارضة في البرلمان وأحزابها متوقع وقائم. مشيرا إلى أن هذا الانقسام ظهر منذ بداية الولاية التشريعية، خصوصا بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية لأسباب متعددة منها العلاقة السيئة بين زعيمي الحزبين.
وأوضح حمودي للجزيرة نت، أن الخلاف حول ملتمس الرقابة أمر طبيعي، لأن الحزب الذي قدمه يعرف مسبقا أنه لن يمر لعدم استيفائه شروط القبول وأولها الضعف العددي لمكونات المعارضة.
وقال المتحدث إن حزب الاتحاد أراد تقديم نفسه كزعيم للمعارضة، ولم ينجح في ذلك، حيث تحفظت الفرق الأخرى أو رفضت المبادرة واعتبرتها “قنبلة فارغة” لأنها تعرف أنها لا تتوفر على الشروط الدستورية والقانونية لتحقيق نتائج سياسية.
وأوضح المتحدث أن الصراع على لجنة العدل والتشريع يرجع إلى أسباب داخلية تهم الفرق المعنية بهذا الصراع، وأسباب موضوعية سياسية تتعلق بالرغبة في تحقيق مكاسب سياسية في النصف الثاني من الولاية.
وقال حمودي “ستحال إلى لجنة العدل والتشريع خلال النصف الثاني من الولاية التشريعية قوانين حيوية مثل مدونة الأسرة والمسطرة المدنية، وربما قانون المسطرة الجنائية، وهذه قوانين ستكون موضوعا رئيسيا في النقاش السياسي في المرحلة المقبلة، لذلك فمن سيترأس لجنة العدل والتشريع سيكون له موقع تفاوضي مهم، وسيؤثر في الأجندة التشريعية، وسيكون له حضور مهم في الإعلام”.
وسيستثمر هذا الحضور، بحسب حمودي، الحزب الذي سيترأس اللجنة سياسيا وإعلاميا استعدادا للانتخابات المقبلة.
ولفت المتحدث إلى أن أحزاب المعارضة وفرقها البرلمانية ستعمل في النصف الثاني من الولاية بشكل مستقل، وستفكر في الأدوات والقنوات والآليات التي ستمكنها من الحضور أكثر في المشهد السياسي والإعلامي، مبرزا أن المواقف من ملتمس الرقابة ورئاسة لجنة العدل والتشريع تظهر أن فرق المعارضة باتت تستعد من الآن لانتخابات 2026، وتفكر على هذا الأساس.