تدمير الرموز والبنى التحتية.. أهداف عملياتية ومعنوية لإسرائيل في جنين

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

جنين- فجر أمس الجمعة، كان أهالي جنين شمال الضفة الغربية، يتفقدون آثار الدمار والخراب الكبير الذي أحدثته جرافات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها المدينة ومخيم اللاجئين فيها لساعات. وفي الشوارع المدمرة كان عدد من الأهالي يحاول الوصول إلى منطقة دوار العودة، المعروف في محافظات فلسطين بشكل عام، وليس في المخيم فقط.

فالأخبار الواردة كانت تفيد بتدمير الجرافة العسكرية الإسرائيلية للدوار، المعروف برمزيته والمبني على شكل خريطة فلسطين، ويقع بالقرب من مقبرة الشهداء داخل المخيم.

ودمرت إسرائيل دوار العودة الذي شيّده أهالي المخيم، وكتبوا عليه أسماء المدن والبلدات التي هُجّروا منها في نكبة  1948، ووضعوا في أعلاه خريطة فلسطين التاريخية. كما دمرت أكثر من صرح لشهداء قضوا خلال مواجهات سابقة مع قوات الاحتلال في أزقة المخيم، وتقع بالقرب من دوار العودة.

وخلال جنازة الشهداء الذين قتلهم الاحتلال بالرصاص، أو بقصف من طائرة مسيّرة فجر أمس الجمعة، كان المشيّعون يمشون في طريق وعرة مدمرة مليئة بالركام. وقال بعض المشيعين، “حتى الشهداء لم تسمح لهم إسرائيل بالسير في طرقات معبدة للوصول إلى قبورهم”.

بقايا مجسم خريطة فلسطين بعد تدمير دوار العودة في مخيم جنين (الجزيرة)

اقتحام بقوات خاصة

“الاقتحام أصبح عادة للجيش الإسرائيلي، وبيوت العزاء أصبحت لا تغلق في المخيم، فكل يومين يدخل الجيش الإسرائيلي، يقتل 3 أو 4 شبان، ويرحلون، بعد أن تجرف آلياته شوارع المخيم”، يقول أبو إياد، وهو مواطن من مخيم جنين، وأحد المقربين من مقاتلي كتيبة جنين.

ويصف أبو إياد الاقتحام الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من 5 ساعات قائلا، “بدأ بدخول سيارة تقلّ قوات خاصة إلى حي الهدف، استطاع شباب المخيم رصدها وتمييزها، وبعد التأكد منها أطلق المقاومون النار باتجاهها، فاضطر أفرادها إلى النزول منها، والاشتباك مع المقاومة”.

وبعد أقل من نصف ساعة، يقول أبو إياد، “وصل الإمداد العسكري إلى المدينة وأطراف المخيم، وفيه الجرافات التي بدأت مباشرة بتجريف الشوارع في المدينة، وتخريب أملاك المواطنين، وهدم الدواوير”.

ويرى أهالي المخيم أن تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي هدم وتجريف رموز المخيم والمدينة للضغط عليهم، وإشعارهم بحجم الخسارة المادية التي يتعرضون لها، بسبب وجود المقاومة بينهم.

و”كأنهم يقولون لأهل المخيم: طالما ظلت المقاومة بينكم لن يكون لكم بيوت، ولا شوارع، ولا محال تجارية، ولا ممتلكات، ولن يستطيع المخيم أن يقف على قدميه، كل خطوة تخطونها للأمام سنعيدكم بجرافاتنا وطائراتنا خطوات للوراء، حتى تنتهي المقاومة”، يقول أبو إياد.

وكانت طائرة استطلاع إسرائيلية قد ألقت منشورات في سماء مخيم جنين، كُتب عليها “أن نشاط جيش الدفاع في مخيم جنين كان بسبب أعمال حركة حماس الإرهابية والتنظيمات الأخرى، لا تتعاونوا معهم”. وقد أحرق الأهالي عددا من هذه المنشورات، وقالوا، إنها لا تمثل لهم أي تهديد.

للوصول للمقاومين

وحسب المقاومين في المخيم، فإن قوات الاحتلال تعتمد أسلوبا جديدا في اقتحاماتها الأخيرة للمخيم، وهو عدم الدخول إلى حارات وأزقة المخيم؛ لتجنب الاشتباك المباشر مع المقاومين، بل جرّهم لأراضٍ مفتوحة على أطراف المخيم.

يقول أبو إياد، “الأسلوب المتبع في الاقتحامات الأخيرة هو استدراج المقاومين مجموعات لمساحات مكشوفة خارج المخيم بالطبع، لذا يحاولون البدء بالتجريف على أطرافه، وتتمركز الآليات العسكرية في هذه المناطق بانتظار خروج المقاومين من أماكن تمركزهم، ليُقصفوا بالطائرات المسيّرة”.

ويضيف، “ليلة الجمعة كانت الاشتباكات عنيفة جدا على أطراف المخيم، وفي حي الهدف وشارع نابلس بمدينة جنين أيضا، قيل: إن المقاومين تمكنوا من تحقيق إصابات مباشرة في الجنود، لكن في الوقت ذاته كانت الجرافات تخرب وتدمّر كل شيء تمر به، مساحات واسعة من الشوارع في محيط حي الهدف في جنين دُمرت بالكامل”.

ودمر الاحتلال -كذلك- أهم دوار وسط المدينة، وهو “دوار البطيخة”، الذي يرمز إلى تقدير مزارعي المحافظة التي تعتمد على الزراعة إلى حد بعيد في اقتصادها، وتشتهر بزراعة البطيخ.

ودمّرت كذلك قبل انسحابها من مدينة جنين “دوار الداخلية”، ويقع أمام العديد من الوزارات الفلسطينية؛ أهمها: وزارة الداخلية التي يحمل اسمها، والمحكمة القضائية، وبعض الدوائر الحكومية الأخرى في المدينة.

تقول المواطنة داليا كميل (23 عاما)، “خربوا المدينة كلها، ولم تعُد جنين التي نعرفها، يحاولون تدمير كل شيء ذي قيمة لنا في جنين والمخيم، والمعروف أن جنين تشتهر بكثرة الدواوير فيها، وهذا الأمر كان مميزا فيها بين كل مدن الضفة الغربية، فكل دوار ذي قيمة ورمزية معينة”.

وتضيف، “نشعر بالحزن لكل هذا الدمار في مدينتنا ومخيمنا، هدم البيوت، وتدمير البنية التحتية وتقطيع شبكات الكهرباء والمياه، إسرائيل لا تكتفي من الدمار، ولا تشبع أبدا”.

منشورات ألقاها جيش الاحتلال من طائرات مسيرة لأهالي مخيم جنين (مواقع التواصل)

طمس الهوية الفلسطينية

وبالنسبة لأهالي جنين ومخيمها، فإن إسرائيل تحاول تدمير معالم المدينة والمخيم لإخفاء الهُوية الفلسطينية، بشكل عام، وإشغال الناس في تعويض الدمار لإبعادهم عن المقاومة. ويقول الأهالي، إن كل هذه الرموز احتاجت إلى سنوات لبنائها وتطويرها منذ انتفاضة الأقصى، وحتى اليوم، وإسرائيل دمرتها في ساعات فقط.

يقول أبو إياد، “يريدون إخفاء الهوية الفلسطينية من كل المدن لتسهيل طردنا والسيطرة على أراضينا، مخططاتهم واضحة، إضافة إلى محاولة إجبار الأهالي لرفض وجود المقاومين بينهم، لكن ذلك مستحيل، يقتلون مقاوما فيخرج 5 آخرون، ألا يرون ذلك، عدد المقاومين في المخيم يزداد بفضل الله، رغم عدم توقف القتل والاغتيالات اليومية، حتى إن المقاومين يأتون من القرى المجاورة، وينضمون إلى مقاتلي المخيم”.

ويضيف، “منذ 15 يوما لم تنته بيوت العزاء في المخيم، ولم يقفل باب نادي مخيم جنين، الذي يستضيف بيوت عزاء الشهداء، ينتهي عزاء شهيد ويبدأ آخر، لكننا خلف المقاومة. البيوت يُعاد بناؤها والشوارع تعمر، والصروح والرموز تُرمم، وتبقى المقاومة هي الأساس”.

واستشهد في الاقتحام الإسرائيلي الأخير فجر أمس الجمعة، الذي استمر لساعات، 5 فلسطينيين؛ 3 منهم استشهدوا بعد إصابتهم بالرصاص الحي، واثنان قضيا بقصف من طائرة استطلاع إسرائيلية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *