تحول لون الجثث إلى الأسود.. أهالي ضحايا الكلور السوريين يتحدثون أخيرا

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

نشرت صحيفة غارديان تقريرا عن ضحايا غاز الكلور في بلدة دوما بريفي دمشق في السابع من أبريل/نيسان 2018 ونقلت ذكريات بعض الضحايا، قائلة إنهم أخيرا تمكنوا من التحدث عن الأهوال التي عانوها تلك الليلة.

وقالت الكاتبة بيثان ماكيرنان، التي أعدت تقريرا من دوما، إن الطائرات السورية والروسية أو الطائرات المروحية الحربية كانت تحلق لسنوات في سماء البلدة وترمي البراميل المتفجرة وغاز السارين، لكن في السابع من أبريل/نيسان 2018 أسقطت إحدى المروحيات التابعة للقوات الجوية أسطوانتين صفراوين في هجوم كيميائي أسفر عن مقتل 43 شخصا.

تحطمت الأسطوانتان، اللتان تحتويان على غاز الكلور، في الطابق العلوي من مبنى سكني، وهبطتا على شرفة أخرى، وكان الضجيج الذي حدث ضئيلا مقارنة بانفجارات البراميل والغارات الجوية، لكن فتك غاز الكلور بالناس كان قويا.

كانوا يلجؤون للأقبية

في الغارات الجوية خلال حصار المدينة الذي دام 5 سنوات، كان سكان دوما يلجؤون عادة إلى الأقبية، ولأن الكلور أثقل من الهواء، فقد هبط إلى الطوابق السفلية والشبكات على مستوى الشارع. واختنق ما لا يقل عن 43 شخصا حتى الموت، وكان لون جثثهم المتقرحة أزرق وأسود عندما حمل عمال الدفاع المدني الجثث إلى الشارع.

وتقول الكاتبة إنه بعد عقود من القمع في واحدة من أكثر الدول البوليسية قمعا في العالم، أصبح السوريون أخيرا أحرارا في سرد قصصهم، ولم يعد من الممكن تجاهل استخدام الأسد المتكرر للحرب الكيميائية ضد شعبه أو التستر عليه أو إنكاره.

كان يحمل شقيقه الرضيع

حمد شكري (16 عاما) كان عمره 10 عندما سنوات وقع الهجوم على بعد شارع واحد من منزله. في الصور التي التقطت في ذلك الوقت، يمكن رؤيته وهو يحتضن شقيقه الرضيع المتعثر، ويحمل قناع أكسجين على وجه الرضيع في مستشفى مؤقت عالج نحو 100 ناج لا يزالون يكافحون من أجل التنفس.

يقول شكري: “أتذكر ذلك جيدا، لأنه لم يكن هناك انفجار، فقط الغاز. كان الكبار يرمون الماء على الجميع لمحاولة غسل المادة الكيميائية. لم أفهم ما كان يحدث. كنت أعرف فقط أن الناس قد ماتوا”.

وفقد توفيق دياب (79 عاما) زوجته حنان وأطفاله الأربعة -محمد وعلي وقمر وجودي- الذين كانت تتراوح أعمارهم بين الثامنة و12 عاما في هجوم الكلور، وبالكاد نجا هو. لم يكن يعلم أن عائلته-مع شقيقه وأخته وأطفالهما السبعة، وعمه، و30 من الجيران قد قتلوا، حتى استعاد وعيه في المستشفى بعد 10 أيام. وحتى يومنا هذا، لا يزال غير متأكد من أين أخذت قوات النظام جثثهم.

هددوهم بقطع اللسان

وقال: “بعد أن كنت مستيقظا، بدأت في طرح الأسئلة، لكن الشرطة جاءت وأخبرتني: لا تسأل عنهم. وتم اعتقالي وقضيت أسبوعا في مركز الشرطة. وقالوا لي إنهم سيقطعون لساني إذا تكلمت. لقد تم إسكاتنا ضد إرادتنا. الآن يمكننا التحدث”.

عبد الهادي سارييل (64 عاما) كان يعيش على الجانب الآخر من الشارع الذي هبطت به أسطوانتا الكلور، وقال إن عائلته نجت لأنها بقيت في طابق أعلى. وقال إن إحدى بناته لا تزال تعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي نتيجة للهجوم.

ويستمر سارييل ليقول: “يمكننا الهروب من الرصاص والدبابات، لكن المواد الكيميائية تنتقل عبر الهواء. كنا خائفين، كان الأطفال خائفين”.

الستائر كدليل

وعندما سمحت الحكومة السورية لمحققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بزيارة دوما بعد بضعة أسابيع، قال دياب وسارييل وعديد من الناجين الآخرين إنه تم تحذيرهم من إخبار الزوار بالحقيقة وأمروهم أن يخبروهم بأن الناس ماتوا بسبب استنشاق الدخان والغبار، وليس المواد الكيميائية، وهددوهم بالقتل إذا قالوا عكس ذلك. وقال سارييل: “لكنني احتفظت دائما بالستائر لتكون دليلا على حقيقة ما جرى”.

وأوضحت الكاتبة أن سوريا تحولت إلى حرب مدمرة بعد أن قام النظام بقمع احتجاجات الربيع العربي السلمية المؤيدة للديمقراطية، مما أدى إلى أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وقتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص، وفقد نحو 100 منذ عام 2011 يُعتقد أن معظمهم اختفوا في نظام السجون سيئ السمعة للنظام.

نفت الحكومة السورية استخدام الأسلحة الكيميائية على الإطلاق، مدعية أن الهجمات لم تحدث أبدا أو أن الجماعات المسلحة قد شنتها. وأدت حملات التضليل التي تقودها روسيا ونظريات المؤامرة إلى إهانة الضحايا وعرقلت السعي لتحقيق العدالة، إذ استخدمت موسكو مرارا وتكرارا حق النقض (فيتو) بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي لتأخير التحقيقات أو منعها أو عرقلة إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة لسوريا.

مجرد واحدة من الفظائع

وكانت الأسلحة الكيميائية مجرد واحدة من الفظائع التي ارتكبها الأسد ضد شعبه. وتم تحويل جزء كبير من الغوطة إلى أنقاض بسبب الغارات الجوية والبراميل المتفجرة، وبعد سنوات من الحصار، فر معظم المدنيين إلى الشمال الغربي، الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة، حيث سقطت أحياؤهم واحدا تلو الآخر.

وقال التقرير إن دوما شهدت بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وضع الكراسي في الشارع غير الممهد، حيث كان راقصو الزفاف التقليديون يستعدون لاحتفالات بالمساء. وقال دياب: “واصلنا حياتنا يوما بعد يوم، إلى أن عانقنا الحرية اليوم”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *