موسكو– حظيت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو، ولقاؤه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، باهتمام بالغ من قبل المراقبين الروس، وذهبت بعض وسائل الإعلام الروسية إلى وصفها بالأكثر أهمية وبراغماتية حتى الآن، مع وصول مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق.
وبدا واضحا -في تعليقات المحللين السياسيين الروس على الزيارة- تركيزهم على أن وقوع البلدين تحت ضغط العقوبات الغربية يشكل بحد ذاته أهم شرط لدفع التعاون الاقتصادي والتجاري والعسكري إلى مستويات أكثر تقدما.
وراء الأبواب المغلقة
وركزت مباحثات رئيسي وبوتين، التي استمرت لأكثر من 5 ساعات، وتم الجزء الرئيسي منها بشكل مغلق، على تعزيز العلاقات الثنائية وتنسيق المواقف حيال التطورات الإقليمية والدولية، والعزم على تنفيذ مشاريع مشتركة في المجال التجاري والاقتصادي.
وبحث الجانبان تفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والوضع الإنساني في قطاع غزة، حيث شدد الرئيس الروسي على أن الأحداث في القطاع لا تمثل مشكلة لدول الشرق الأوسط فحسب، بل للإنسانية جمعاء، بينما وصف الزعيم الإيراني ما يحدث هناك بأنه إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.
واللافت أن زيارة رئيسي إلى موسكو جاءت بعد يوم واحد من زيارة خاطفة أجراها بوتين إلى كل من السعودية والإمارات، مما دفع بعض المراقبين إلى ربط توقيت اللقاءات الثلاثة بتطورات حساسة قد تشهدها المنطقة على ضوء تدهور الأوضاع في غزة واحتمال خروجها عن قواعد الاشتباك القائمة حاليا.
بين ضفتي الخليج
ويربط محلل الشؤون الإستراتيجية رولاند بيجاموف بين زيارة رئيسي إلى موسكو وزيارة بوتين إلى أبو ظبي والرياض من زاوية تعاظم الاهتمام بتوسيع إطار “بريكس” وكذلك إظهار بوتين للعالم الإمكانات الضخمة التي تملكها روسيا في التقريب بين بلدان الخليج العربي وإيران، من خلال البوابتين الاقتصادية والسياسية.
ويوضح بيجاموف -في حديث للجزيرة نت- بأن العلاقات الروسية الإيرانية باتت تملك 3 أبعاد، عالمية وإقليمية وثنائية، كما يظهر في التنسيق -على سبيل المثال- في إطار “أوبك بلس” وكذلك المستوى الجيوسياسي الذي تقدم من خلاله موسكو نفسها على أنها ليست وحيدة، بل تسير بخطوات تدريجية نحو تحقيق عالم متعدد الأقطاب. فضلا عن البعد الإقليمي، حيث تم بحث ملف الحرب في غزة والتسوية الشرق أوسطية في اللقاءات مع قادة إيران والسعودية والإمارات.
وبالنسبة إلى إيران، يؤكد بيجاموف أن موسكو وطهران أصبحتا أكثر قربا من أي وقت مضى، لا سيما أنهما تتعرضان للعقوبات الغربية، خلافا لما هو الحال مع السعودية والإمارات.
من هنا، يشكل هذا المعطى حافزا إضافيا لتوقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، إلى جانب رفع منسوب التبادل التجاري الذي يعتبر متواضعا، إذ بالكاد يبلغ 5 مليارات دولار، وذلك نتيجة لالتزام روسيا الطوعي بسياسة الأمم المتحدة بخصوص البرنامج النووي الإيراني، لكن هذه القيود لم تعد قائمة بالنسبة إلى روسيا حاليا، حسب تقدير بيجاموف.
وبرأي بيجاموف، فإن إحدى المشكلات المهمة التي تهم الجانبين الآن هي إمكانات مشروع ممر النقل بين الشمال والجنوب. ومع الأخذ في الاعتبار مشروع “طريق الحرير” الجديد الذي اقترحه الصينيون، سيكون من الضروري إعادة تقييم البنية التحتية بأكملها التي ستعمل وتخدم المشروع بين الشمال والجنوب.
ويلفت إلى أنه من الأحكام الخاطئة التي يعبر عنها في كثير من الأحيان هو الاعتماد المزعوم لأحد الطرفين على الآخر، عندما يوافق أحد الشريكين (روسيا أو إيران) قسرا على مقترحات الطرف الآخر. وهذا لم يحدث قط، خاصة الآن، حيث يتم بناء العلاقات وفقا للنموذج الذي يرضي الطرفين.
معضلة باب المندب
الباحث في الدراسات العربية والإسلامية بوريس دولغوف، يقول إن الاستعداد لمواجهة تداعيات دخول مضيق باب المندب في قواعد الاشتباك بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وما يمكن أن ينجم عن مواصلة جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثي) منع السفن الإسرائيلية من المرور من خلاله، فهو التطور الجديد الذي استدعى لقاء مباشرا بين بوتين ورئيسي، ومن خلف الأبواب المغلقة.
ووفق رأيه، فإن هذا التطور واحتمال توسع رقعة الحرب وفتح جبهات جديدة يستدعي أن يكون البلدان على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا الاحتمال، نظرا إلى العلاقات التي تربطهما مع أطراف النزاع، وإن كانت بوتائر مختلفة، إلى جانب التداعيات الأخرى الاقتصادية والأمنية.
ويشير الخبير الروسي إلى أنه في كل الأحوال، وأيا كانت طبيعة التطورات اللاحقة في المنطقة، فإن الحضور الروسي بمنطقة الشرق الأوسط يؤدي دورا هاما لموسكو، ويمثل اتجاها إستراتيجيا للسياسة الخارجية لروسيا الحديثة.
إلى جانب ذلك، فإن هذه الزيارات والمفاوضات -حسب دولغوف- تؤكد توجه الكرملين نحو توسيع التعاون مع هذه الدول، وزيادة نفوذه وثقله في المنطقة، وتثبيت صورة روسيا كقوة عظمى.
ويدعم رأيه بأنه لا الحرب في أوكرانيا ولا العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا لا تؤثر في علاقة موسكو مع دول المنطقة، بل على العكس من ذلك، أسهمت في تعزيزها.
ويشير بهذا السياق إلى عدم اكتراث إيران بالانتقادات واسعة النطاق التي طالتها لإرسالها مئات الطائرات المسيرة إلى روسيا لاستخدامها في حرب أوكرانيا، مما جعل التعاون العسكري بين البلدين أكثر علنية.