جاكرتا- تعد الانتخابات في إندونيسيا، من أطول مواسم الانتخابات في العالم، إذ تمتد نحو 7 أشهر، كما تبدأ الاستعدادات لها سياسيا وقانونيا وماليا على مستوى الأحزاب قبل أكثر من عام. وبعد 35 يوما من العد والفرز اليدوي والإلكتروني الذي شابه الكثير من الجدل، عقب الانتخابات الأخيرة، أعلنت مفوضية الانتخابات الإندونيسية فوز وزير الدفاع الحالي الجنرال المتقاعد برابوو سوبيانتو في الانتخابات الرئاسية.
وبحسب المفوضية، فقد حصل سوبيانتو على 96 مليونا و214 ألفا و691 صوتا أو ما نسبته 58.58% من الأصوات، ولن يتسلم الرئاسة على الفور، بل سيكون وصوله إلى القصر الرئاسي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل حسب الجدول الانتخابي الطويل لإندونيسيا.
ويؤكد برابوو سوبيانتو في كلماته مرارا شكره للرئيس الحالي جوكو ويدودو وامتنانه لتأثير دعمه له رغم أن الرجلين تنافسا مرتين في انتخابات عام 2014 و2019، ولكنهما تحالفا بعد انتخابات 2019، وتوافقا وتسلم برابوو وزارة الدفاع في حكومة خصمه وتجاوزا بذلك في حينه خلافا حول نتائج الانتخابات وصل إلى قاعة المحكمة الدستورية وتحول إلى تظاهرات في شوارع جاكرتا.
تراجع متدرج
وجاء تحالف الرجلين في هذه الانتخابات مشفوعا بترشيح جوكو ويدودو نجله مع الجنرال المتقاعد برابوو، كمرشح لنائب الرئيس وهو والي مدينة صولو غيبران راكا بومينغ راكا (36 عاما) رغم كل ما شاب ذلك الترشيح من جدل قانوني بسبب تعديل قضائي لمادة في قانون الانتخابات سهّلت ترشح نجل الرئيس قبيل التقدم بأوراق الترشيح أواخر العام الماضي.
ولا يغيب دعم 10 أحزاب مهمة لبرابوو سهّلت فوزه في الرئاسيات بنسبه 58% رغم أن حزبه حركة إندونيسيا العظمى الذي أسسه ويتزعمه حصل فقط على 13.22% من الأصوات بصعود طفيف عن انتخابات عام 2019 التي حصل فيها على 12.57%، خلافا لبعض التقديرات والاستطلاعات التي كانت قد توقعت صعودا قويا لحزبه إلى المرتبة الأولى.
ويلاحظ أن النسبة التي حصل عليها برابوو هذه المرة وهي ثالث مرة يخوض فيها المعركة الرئاسية تجاوزت النسب التي حصل عليها في المرات الماضية خلال 15 عاما.
ففي عام 2009 عندما كان مرشحا لنائب الرئيس مع المرشحة الرئاسية في حينه ميغاواتي سوكارنو بوتري حصلا معا على 26% فقط مقابل فوز كاسح بنسبة 60.80% لسوسيلو بامبانغ يوديونو، المتحالف معه هذه المرة في مفارقة أخرى تجعل تحالف الخصوم السابقين سمة مميزة له.
وفي عام 2014 حصل برابوو سوبيانتو في الانتخابات الرئاسية على 46.85% من الأصوات في مواجهة أولى مع الرئيس الحالي جوكو ويدودو، وفي المواجهة الثانية بين جوكو ويدودو وبرابوو في عام 2019 حصل برابوو على 44.68%.
داعمو باسويدان يستفيدون
أما مرشح تحالف التغيير أنيس باسويدان الشخصية السياسية والأكاديمية الصاعدة في السنوات الماضية، والذي كان وزيرا للتعليم لفترة وجيزة ثم حاكما للعاصمة جاكرتا، فرغم أنه ليس رئيسا لحزب وليس عضوا في أي حزب فإنه حصل على 40 مليونا و971 ألفا و906 أصوات.
وقد تعهد باسويدان برفع طعون لدى المحكمة الدستورية بشأن مخالفات وانحرافات عن المسار الديمقراطي حسب قوله، وبناء على تحقيقات فريقه القانوني، وقعت قبل الانتخابات وفي يوم الاقتراع وبعده، وفي ذلك كما يرى وفاء لتفويض عشرات الملايين من الناخبين له وجزءا من التقدير لأصواتهم.
واللافت أن الأحزاب المرشحة لأنيس باسويدان -ذي الأصول الحضرمية- كسبت من ترشحه ارتفاعا طفيفا في أصواتها وفي مقاعدها، مستفيدة من شعبيته بشكل واضح، مقارنة بما حصلت عليه عام 2019.
فحزب العدالة والرفاه الإسلامي زادت أصواته بفارق تجاوز المليون إلى نسبة 8.42% مقارنة بالانتخابات الماضية، وكذلك حزب نهضة الوطن -المرتبط بجمعية نهضة العلماء- الذي رشح رئيسه عبد المهيمن إسكندر لمنصب نائب الرئيس مع باسويدان، حيث ارتفعت أصواته بفارق نحو 2.5 مليون صوت إلى نسبة 10.61%، فيما زاد عدد المصوتين للحزب القومي الديمقراطي العلماني التوجه بزعامة السياسي المخضرم سوريا بالوه بفارق مليوني صوت إلى نسبة 9.65%.
الحزب المتصدر
ومن مفارقات الانتخابات الإندونيسية هذا العام، أن حزب النضال من أجل الديمقراطية وهو الحزب الذي يقود التحالف الحاكم الحالي والذي رشح الرئيس الحالي جوكو ويدودو في انتخابات 2014 و2019 كان في مواجهة انتخابية معه، فالرئيس جوكو ويدودو اختار مناورة سياسية مختلفة ودعم وزير دفاعه الجنرال برابوو ورشح معه ابنه بل وسلم ابنه الثاني رئاسة حزب شبابي علماني آخر.
وكان حزب النضال بزعامة ميغاواتي سوكارنو بوتري قد استبق ذلك بترشيح حاكم إقليم جاوا الوسطى الأسبق غانجار برانوو للرئاسة فجاء في المرتبة الثالثة حيث حصل على 27 مليونا و40 ألفا و878 صوتا وهو ما نسبته 16.47%.
واللافت هنا أنها نسبة مقاربة لما حصل عليه الحزب في الانتخابات التشريعية وكأن الحزب لم يستطع كسب أكثر من مليوني صوت خارج دائرة مؤيديه التقليديين حيث حصل الحزب بالبرلمان على ما نسبته 16.72% من الأصوات، محافظا بذلك على مكانته كأكبر الأحزاب البرلمانية للمرة الثالثة على التوالي، رغم أنه يسجل تراجعا مطردا.
لكن وجود نجل الرئيس جوكو ويدودو كنائب للرئيس برابوو، وما شاب العلاقة خلال عام مضى بينه وبين حزبه الذي رفعه من منصب والي مدينة صولو إلى حكم العاصمة إلى الرئاسة، في مفارقة لافتة في الممارسة السياسية، قد يعيق في نظر محللين احتمال انضمام حزب النضال إلى التحالف العريض والقوي تشريعيا للرئيس المنتخب، حيث يرى قادة الحزب أن الرئيس الحالي جوكو ويدودو قد انقلب عليهم عندما اتخذ قرارات انتخابية مختلفة عنهم.