هناك في خزنة سرية بالبيت الأبيض تتكدس أوراق صيغت على مدى عقود من الزمن على أمل ألا يستخدمها أحد على الإطلاق، وهي مستندات تحدد الصلاحيات الاستثنائية التي قد يُسمح للرئيس باستخدامها في حالة وقوع هجوم نووي أو كارثة هائلة أخرى.
وتُعرف هذه الصفحات -بين القلة المختارة التي مُنحت حق الاطلاع على أكثر أسرار البلاد السرية- باسم “وثائق العمل الرئاسي الطارئ” أو “بي إي إيه دي إس” (PEADs) ويطلق عليها البعض ببساطة “كتاب يوم القيامة”.
ويقول براين بينيت (مراسل مجلة تايم الأميركية من البيت الأبيض) إن الجمهور لا يعرف نطاق تلك الصلاحيات أو الحالات التي قد يطلب فيها الرئيس التفويض له باستخدامها.
ووفق مقاله بالمجلة، يفيد المراسل أن الإدارات المتعاقبة رفضت السماح للكونغرس بالاطلاع على الوثائق، بحجة أنها مشورة قانونية سرية للرئيس. وعندما كان الرئيس السابق دونالد ترامب بالمكتب البيضاوي، عمل أعضاء من طاقم الأمن القومي التابعين له بجدية لمنعه من الاطلاع على التفاصيل الكاملة التي توضح الصلاحيات الرئاسية، خشية أن يسيء استخدامها.
ويشير بينيت إلى أن بعض مستشاري ترامب السابقين يحذرون من خطر اطلاعه على “كتاب يوم القيامة” في حال فوزه بفترة رئاسية ثانية. ويخشى هؤلاء -ومن بينهم مارك هارفي الذي أشرف على هذا الكتاب أثناء عمله بمجلس الأمن القومي لترامب، ومايلز تايلور رئيس سابق لموظفي وزارة الأمن الداخلي بعهد الرئيس السابق- من أن يستخدم ترامب هذه الصلاحيات في حالات لا ترقى إلى مستوى الأزمات التي صيغت من أجل معالجتها.
ويحذر كاتب المقال من أن لدى ترامب تاريخا في اختبار حدود الصلاحيات الرئاسية، وفي فترة رئاسته الثانية سيكون متحرراً من العديد من الحواجز التي قيدت ولايته الأولى. وقد قضت المحكمة العليا في يوليو/تموز بأن الرؤساء يتمتعون بحصانة جزئية فيما يتعلق بالإجراءات الرسمية.
وينبه إلى أن لدى كبار مستشاري ترامب خطة لتطهير الخدمة الفدرالية من الأشخاص الذين قد يمتنعون عن تنفيذ أوامره.
ولكن لاستخدام هذه الصلاحيات، من المتوقع أن تكون هناك حالة طوارئ حقيقية تبرر لأي رئيس استخدامها، كما يقول محاميان سابقان في البيت الأبيض على دراية بمسودة الوثائق.
وإذا بالغ الرئيس في تقدير الأزمة، يمكن للقضاء إلغاء الأمر. ويقول شخص مطلع على الوثائق -لم يذكر مراسل المجلة اسمه- إن آخر مرة روجع فيها الكتاب كانت في عهد إدارة باراك أوباما، وتقوم إدارة الرئيس جو بايدن حاليا بمراجعته.
ووفقا للمقال، هناك مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تضغط للحصول على مزيد من التفاصيل حول ما تتضمنه مسودة الأوامر، ومتى يمكن استخدامها، وما الفرضيات القانونية التي تبرره.
وينقل الكاتب -عن مسؤولين اتحاديين سابقين على دراية بتخزين مثل هذه الوثائق- أن مسودات الأوامر الرئاسية محفوظة بمنشأة المعلومات المجزأة الحساسة، وهي منطقة مغلقة داخل مبنى تُستخدم لمعالجة أنواع المعلومات المجزأة الحساسة من المعلومات السرية.
وفي هذا تقول إليزابيث غويتين الخبيرة في قانون الأمن القومي بمركز برينان للعدالة “منذ الحرب العالمية الثانية، دأب الرؤساء من كلا الحزبين على المطالبة بشكل متزايد بمخزون هائل من سلطات الطوارئ الدستورية الكامنة” مضيفة أن كل شيء يتعلق بهذه الوثائق محاط بالسرية التامة “لذا لا توجد رقابة عليها”.
وتخشى غويتين من أن يتصرف الرئيس بأساليب لا تتسق ولا يمكن التوفيق بينها وبين الحريات الفردية التي يكفلها الدستور فحسب، بل والديمقراطية نفسها.
وبحسب مقال تايم، فإنه رغم كل الخطابات الرصينة أو غيرها مما قيل خلال الحملة الانتخابية حول تحول ترامب إلى دكتاتور، فإن “يوم القيامة” يحتوي على قائمة فعلية من الخيارات الواقعية لكيفية توسيع صلاحيات الرئيس بشكل كبير، استنادا إلى عقود من التفسير القانوني من قبل محامين في إدارات متعددة.
يلفت بينيت إلى أن ترامب أظهر -خلال فترة ولايته الأولى، مرارا وتكرارا- استعداده لتجاوز حدود السلطات الرئاسية، وغالبا ما كان ذلك لمصلحته السياسية الخاصة. فقد حوّل مبالغ مخصصة للمؤسسة العسكرية لبناء أجزاء من الجدار الحدودي مع المكسيك. وحاول احتجاز مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الأمنية للضغط على أوكرانيا للتحقيق مع خصومه السياسيين. كما أنه طالما ضغط على وزارة العدل لملاحقة من اعتبرهم أعداءً له.
ويزعم المراسل أن الدائرة المقربة من ترامب ظلت تشكو لسنوات من عدم وجود عدد كافٍ من الموالين له في المناصب الرئيسية لتنفيذ أوامره.
وينسب إلى مسؤول كبير بالبيت الأبيض -عمل عن كثب مع ترامب- إلى أنه سيكون من الصعب على الرئيس السابق استخدام مجلس الأمن القومي في الحرب السياسية وإساءة استخدام السلطة.
كما ينقل عن السيناتور الجمهوري راند بول اعتقاده بأنه عندما يعود مجلس الشيوخ إلى واشنطن بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، فإن ترامب سيمارس ضغوطا من أجل إدراج أحكام تشريعه في مشروع قانون الإنفاق الذي يجب أن يتم تمريره بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول.
وإذا ما فاز ترامب بالانتخابات، فقد يجد المزيد من الديمقراطيين يصطفون خلفه، حسب ما يرى بينيت في ختام مقاله.