بعد مجزرة المعمداني وزيارة بايدن.. هل يتصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

بيروت – بالتزامن مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تل أبيب عقب المجزرة الدامية التي ارتكبتها إسرائيل بقصف المستشفى المعمداني في قطاع غزة، تتجه الأنظار نحو الجبهة الحدودية جنوبي لبنان، التي تشهد منذ الأحد الماضي تصعيدا ساخنا واستثنائيا بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبعدما منح بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دعما مطلقا في حربه على غزة، وبعد تبنيه الرواية الإسرائيلية للتنصل من قصف المستشفى المعمداني، يثار السؤال حول انعكاسات التصعيد الإسرائيلي الأميركي ضد المقاومة الفلسطينية على الحدود الشمالية مع لبنان، والأفعال المحتملة لسياسة “وحدة الساحات” لدى “محور المقاومة”.

يأتي ذلك وسط حراك سياسي ودبلوماسي واسع في المنطقة، من مثل زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى بيروت ولاحقا نظيرها التركي هاكان فيدان، لكن الأبرز كان زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبيروت، حيث قال “تحديد ساعة الصفر بيد المقاومة في لبنان، وهي من تحدد فتح جبهات جديدة في حال تلكؤ المجتمع الدولي واستمرار دعم العدوان على غزة”.

وزير الخارجية التركي صرح بأن بلاده تسعى لعدم توسع الاشتباكات وعدم تمدد الحرب من غزة إلى لبنان وبلدان أخرى (الجزيرة)

الهجمات المتبادلة مستمرة

ميدانيا، تتصاعد هجمات حزب الله العسكرية مع استمرار إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية من جنوبي لبنان، مقابل رد إسرائيل ضمن مساحات العمليات عينها، وفي القرى الحدودية على طول الخط الأزرق.

ويلاحظ مراقبون تكريس حزب الله دوره بإشغال الجيش الإسرائيلي وتشتيته، كما ثبّت الحزب -حتى الآن- مواجهة ندية مع إسرائيل حتى في الخسائر، مدفوعا بهامش أوسع في المناورة ضد جيش الاحتلال.

ونعى حزب الله 5 شهداء آخرين أمس الثلاثاء لترتفع حصيلة قتلاه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 10 شهداء، إضافة إلى 5 شهداء للمقاومة الفلسطينية، في حين سقط لجيش الاحتلال على الحدود مع لبنان أكثر من 12 قتيلا بينهم ضباط.

وأعلن حزب الله اليوم الأربعاء عن استهداف دبابة إسرائيلية بموقع الراهب شمال إسرائيل، وقال إن الدبابة من نوع ميركافا، وقد تعرضت لإصابة مباشرة، مما أدى ‫لمقتل وجرح فريقها، بالمقابل قصفت إسرائيل بالمدفعية أطراف بلدتي علما الشعب والضهيرة جنوبي لبنان.

كما استهدف حزب الله مجموعة من الجنود الإسرائيليين بموقع بياض بليدا، تخللها استخدام للصواريخ الموجهة وتحطيم لكاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار، واستهدف موقع “جل العلام” الإسرائيلي مقابل علما الشعب بالقطاع الغربي جنوب لبنان عصر اليوم الأربعاء، وردت إسرائيل بالأسلحة الرشاشة الثقيلة مع تحليق للطائرات الحربية والاستطلاعية.

سيناريوهات التصعيد

وأمام الإيقاع المتسارع للعمليات العسكرية لحزب الله، يصف الخبير العسكري والعميد المتقاعد إلياس فرحات ما يحدث بـ”حرب جبهة” بين الحزب وجيش الاحتلال، وتمتد الجبهة من الناقورة وعلما الشعب غربا، إلى تلال كفرشوبا بمسافة نحو 100 كيلومتر.

ويتوقع الخبير فرحات، في حديثه للجزيرة نت، استمرار المسار التصاعدي للمواجهة الحالية بين الحزب وإسرائيل “بوتيرة أكبر قد تدفع لاستعمال أسلحة أكثر تطورا وفتكا”، خصوصا مع الاستخدام الواضح للقنابل الفوسفورية من قبل إسرائيل.

ومع ربط احتمال التدهور بقرار إسرائيل التصعيد عند حدودها مع لبنان، يرجح فرحات أيضا أن يبادر حزب الله إلى التصعيد بدخول الحرب على نطاق أوسع، موضحا أن دخول القوات الإسرائيلية برا إلى غزة سيؤدي إلى اتساع مسرح العمليات بالمنطقة كاملة، وربما إلى إدخال الأساطيل الأميركية الراسية قرب إسرائيل في الحرب.

الأضرار الناجمة عن الضربات الإسرائيلية للمنازل في جنوب لبنان
جانب من الأضرار الناجمة عن الضربات الإسرائيلية للمنازل في جنوبي لبنان (الجزيرة)

انقلاب قواعد الاشتباك

منذ العام 2006 وعقب العدوان الإسرائيلي على لبنان، أرسى قرار مجلس الأمن الدولي 1701 قواعد الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل، والذي أدى لنشر قوات “اليونيفيل” تزامنا مع الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الأزرق، واستحداث منطقة خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.

هذا الأمر جعل الجبهة الجنوبية منقسمة إلى قسمين، قسم مشمول بقرار 1701، وقسم غير مشمول به وهو مزارع شبعا، وهنا يقول إلياس فرحات “في الوقت الراهن، لم يعد هناك قواعد اشتباك، لأن الوضع أشبه بحرب تمتد على جبهة، ويمكن أن تتطور بالعمق الإسرائيلي واللبناني أيضا”.

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حزب الله وسيم بزي إن عملية طوفان الأقصى، وبمرور 12 يوما من انطلاقها، فرضت مسارا متوازنا في الضربات المتبادلة جنوب لبنان، وكان للمقاومة الفلسطينية بصمتها فيها، مما أدى لإرساء قواعد اشتباك جديدة، يمكن تسميتها بقواعد “ما بعد 7 أكتوبر”. ويضيف وسيم بزي أن هذه القواعد فتحت مسرحا لعمليات يومية، يصطاد من خلالها حزب الله المواقع الإسرائيلية من الناقورة لجبل الشيخ، حيث تم ضرب كاميرات المراقبة وأجهزة التنصت لجيش الاحتلال.

ويقول بزي للجزيرة نت “الحزب لم يستعمل الهاون، وإنما الصواريخ الموجهة كأداة لحصد أهداف عسكرية محددة، وفرض على إسرائيل إيقاعه في المعركة، أي عسكر بعسكر، فلم تُقصف القرى المدنية إلا بحالات نادرة كما صار بالضهيرة”.

ومن وجهة حزب الله، يرى بزي أن سخونة الجبهة الجنوبية هي رسالة لجاهزيته عند إطلاق صفارة الحرب، ويستدرك أن الوضع حتى الآن يحافظ على قواعد الاشتباك الجديدة.

أما تدهور الأوضاع بين الحزب وجيش الاحتلال فمرتبط حصرا بقرار كبير تحدده الساحة الفلسطينية، وفق بزي، وعلى ضوء مدى خرق إسرائيل مجموعة من الخطوط الحمراء، وأهمها:

  • إقدام إسرائيل على العملية العسكرية البرية بغزة.
  • التقدم من أجل القضاء على حركة حماس، مما سيدفع الحزب للتصعيد سريعا حماية لها.
  • فتح خط تهجير الفلسطينيين نحو مصر.

ويؤكد المحلل السياسي أن حزب الله لن يدخل الحرب وحيدا، بل ضمن منظومة متكاملة الأبعاد، معتبرا أن “الجميع في مأزق”، وتحديدا أميركا وإسرائيل، إذ لا تملك الأخيرة الإستراتيجية الواضحة للدخول البري وما بعده، ولا لوقف المعركة وما بعدها، حسب توصيفه.

ويتحدث المحلل السياسي عن معطيات مفادها أن تجاوز قواعد الاشتباك القائمة في الجنوب حاليا لتوسيع إطار وحدة الجبهات وتطويرها، ما زال دونه حسابات معقدة، وأن الأوان لم يحن بعد، ويرتبط بتطورات الميدان في فلسطين والحركة السياسية في المنطقة.

زيارة بايدن

في نهاية حرب يوليو/تموز 2006، ارتكبت إسرائيل مجزرة قانا الثانية بلبنان (بعد مجزرتها الأولى 1996)، وكانت بداية لاقتراب نهاية حرب قالت فيها إسرائيل حينها إن هدفها هو القضاء على حزب الله وترسانته العسكرية، وهو ما عجزت عن تحقيقه.

واليوم، يرى كثيرون أن إسرائيل وضعت نفسها بمأزق منذ إعلانها هدف القضاء على حركة حماس، الأمر الذي لن تسمح به أطراف محور المقاومة على الأرجح، مما يدفع للتساؤل: هل تصعيد إسرائيل بارتكاب جرائم الحرب وقصف المدنيين وارتكاب مجزرة المستشفى المعمداني بداية لتحوّل أهدافها، وتبريد الجبهات الأخرى أبرزها لبنان؟

يرى وسيم بزي أن إسرائيل لن تفوت فرصة الدعم الأميركي الاستثنائي لها، دوليا ولوجيستيا وعسكريا، علاوة على أن الدخول البري إلى غزة، وإن تأخر، أصبح واجبا ملزما عليها أمام المجتمع الإسرائيلي، ويقول “إن تبني بايدن رواية إسرائيل بقصف المستشفى المعمداني يشكل تمهيدا للمضي في التصعيد، ولن يدفعه لإنزال إسرائيل عن الشجرة”.

وبحسب تحليل بزي، فإن العالم العربي قادر على فرض دينامية جديدة في الأحداث بعد مجزرة المعمداني، تحديدا في 4 ساحات: الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 48 وعمان وبيروت، خصوصا بعد إلغاء القمة التي كانت ستعقد في عمّان. ويضيف أن محور المقاومة يملك ورقة قوية تتمثل في الرهائن الإسرائيليين وحاملي الجنسيات الأخرى، وقد تكون رأس جسر لتكريس تفاوض ما.

وبعد مجيء بايدن كوصيّ مباشر على إسرائيل، فهو -برأي بزي- أمام احتمالين، إما الانزلاق في الحرب وتوسيعها لجبهات أخرى وتعميقها أيا تكن النتائج بهدف القضاء على حماس، وإما السعي لإيجاد مخرج لإسرائيل والحفاظ على ماء وجهها، خصوصا أن روسيا ستكون أكثر المستفيدين دوليا، إذا اشتعلت وتمددت بؤرة حرب خطيرة بالشرق الأوسط.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *