لومي- كشفت النتائج النهائية للانتخابات التشريعية في توغو عن فوز ساحق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية (يو إن آي آر)، بقيادة الرئيس فور غناسينغبي، حيث استطاع الحزب الحاكم الحصول على 108 من أصل 113 مقعدا برلمانيا.
وجاء هذا الفوز ليعزز سيطرة الحزب على السياسة الوطنية في البلاد، خصوصا بعد التعديلات الدستورية التي حولت نظام الحكم في البلاد من رئاسي إلى برلماني، وألغت الانتخابات الرئاسية المباشرة.
أما المعارضة، التي رفضت التعديلات الدستورية ابتداء، فقد تمكنت من الفوز بـ5 مقاعد فقط، موزعة على حزب التحالف الديمقراطي للتنمية المتكاملة (إيه دي دي آي) الذي حصل على مقعدين، وأحزاب الحركة الديمقراطية للشعب (دي إم بي) والجبهة الديمقراطية للتجديد (إف دي آر) والمؤتمر الوطني للتغيير (إيه إن سي) التي حصل كل منها على مقعد واحد.
وأدلى حوالي 4.2 مليون ناخب توغولي في 29 أبريل/نيسان الماضي بأصواتهم في الانتخابات التشريعية والإقليمية بنسبة مشاركة بلغت 61%. وجاءت الانتخابات في محطة مفصلية بالنظر إلى التغييرات الدستورية وتداعياتها التي عصفت بالبلاد مؤخرا.
وجرى التنافس في الانتخابات التشريعية الأخيرة في توغو، على 113 مقعدا برلمانيا و179 مقعدا إقليميا، حيث أدلى الناخبون باختياراتهم في 14 ألفا و271 مركز اقتراع، واختاروا من بين 2352 مرشحا للمقاعد التشريعية و2312 مرشحا للمقاعد الإقليمية.
اتهامات بالتزوير
وشكلت نتائج الانتخابات ضربة للمعارضة مقارنة مع نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2018، التي -رغم مقاطعة المعارضة لها- أسفرت عن استحواذ الحزب الحاكم على 59 مقعدا فقط من أصل 91 بينما توزعت الأصوات المتبقية على مرشحين مستقلين.
فيما تظهر النتائج الراهنة توسعا ملحوظا في نفوذ الحزب الحاكم، رغم دعوات المعارضة لجمهورها بالمشاركة الفعالة في الانتخابات الأخيرة، حيث كانت تعول على تأمين المقاعد اللازمة لتحدي التعديلات الدستورية، مما يعكس ثبات ديناميكيات القوى التي تميل لمصلحة الحزب الحاكم داخل الجمعية الوطنية.
واجهت الانتخابات التشريعية والإقليمية اتهامات من المعارضة بتزوير الأصوات، فقد أبلغ تحالف المعارضة، المعروف بـ”ديناميات أغلبية الشعب”، وسائل الإعلام المحلية برصده لتجاوزات متعددة في عدة مراكز انتخابية، بما في ذلك التصويت الزائد وتأخير افتتاح مراكز الاقتراع، بالإضافة إلى مشكلات في عرض القوائم الانتخابية بشكل صحيح.
وقد أعربت زعيمة حزب الاتفاقية الديمقراطية لشعوب أفريقيا، بريجيت أدجاماجبو-جونسون، في تصريحات صحفية، عن نيتها الطعن في نتائج الانتخابات، مشيرة إلى تجاوزات واسعة ومخطط لها. وأضافت “يمكنني أن أؤكد وجود تجاوزات شاسعة عبر مراكز الاقتراع كلها. هناك تزوير واسع النطاق. لدينا دليل وسنلجأ إلى القضاء لمقاضاة المتورطين”.
انطباع المراقبين
وأفادت مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي أوفدت 40 مراقبا بقيادة فاتوماتا جالو تامباجانغ، أن الانتخابات التشريعية والإقليمية التي جرت مؤخرا تمت في جوّ هادئ ونزيه، وأشادت بـ”التنظيم السلس” للعملية الانتخابية.
من جانبها، لاحظت مجموعة دول الساحل والصحراء (سين-صاد) أن الانتخابات أُجريت بشكل عام في ظروف جيدة وبدون أي حوادث كبيرة، مع ملاحظات حول إلغاء بعض الأصوات وبقاء الناخبين في طوابير بعد إغلاق مراكز الاقتراع، لكن هذه النواقص لم تؤثر على نزاهة وانتظام الاقتراع وفقا للمجموعة.
في المقابل، اتهمت فريدة بامبا نابوريما، الناشطة الحقوقية التوغولية وقائدة حملة “ارحل يا فور”، المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بالتواطؤ في “الاحتيال الانتخابي”.
وفي تصريح للجزيرة نت، أعربت نابوريما عن استيائها لإجراء الانتخابات دون استشارة الشعب بشأن الدستور الجديد. وانتقدت بشدة النقص الكبير في مراقبي الانتخابات.
وأشارت في هذا الصدد إلى أن الاتحاد الأفريقي وإيكواس لم يرسلا مراقبيهما إلا إلى أقل من 1% من مراكز الاقتراع، بإجمالي أقل من 100 مراقب لـ14 ألفا و271 مركز اقتراع، ومع ذلك، أعلنوا أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة، مع إدراكهم أن الحزب الحاكم حصل على 108 من المقاعد في حين حصلت المعارضة على 5 مقاعد فقط رغم الاعتراض الشعبي الكبير.
ووصفت هذا بأنه “احتيال هائل” مؤكدة على أن “هذه هي الطريقة التي يستمر بها الديكتاتوريون في السلطة”، داعية إلى ضرورة “رحيل غناسينغبي؛ لتحقيق الديمقراطية في توغو، وإلا لا يمكن لأيّ انتخابات أن تعكس الواقع في توغو”.
من ناحية أخرى، نفى باسكال بودجونا، المستشار السياسي للرئيس غناسينغبي، الاتهامات بالتزوير مؤكدًا على نزاهة العملية الانتخابية.
وفي تصريح للجزيرة نت، اعتبر أن الحزب الحاكم حقق الفوز بفضل جهوده المستمرة والتواصل المباشر مع الناخبين، وشرحه فوائد الدستور الجديد، كما اتهم المعارضة بالانشغال بتنظيم مظاهرات غير مجدية أثناء الحملات بدلا من الاهتمام بالعملية الانتخابية.
وأضاف “إذا كان هناك تزوير، فهو طفيف بشهادة المراقبين الإقليميين. والسلطات المختصة ستتعامل مع التجاوزات الطفيفة كما فعلت في أكثر من مداخلة”.
مستقبل غناسينغبي
بعد الانتخابات التشريعية التي أفضتْ إلى فوزٍ كاسح للحزب الحاكم، وبموجب الدستور الجديد الذي تم اعتماده في 19 أبريل/نيسان الماضي، يتقلص دور رئيس الدولة إلى موقع شرفي، ويُنتخب بواسطة البرلمان لمدة 4 سنوات، بينما تنتقل السلطة الفعلية إلى “رئيس مجلس الوزراء”، الذي يتعيَّن أن يكون قائد حزب الأغلبية في البرلمان ويمكنه الخدمة لـ6 سنوات قابلة لتجديد غير محدود.
هذه التغييرات تعزز مكانة فور غناسينغبي، الذي يقود البلاد منذ 19عاما، مكملا إرث والده الذي حكم لنحو 4 عقود. السيناريو الحالي، يُعطي الفرصة لغناسينغبي -الذي هو رئيس الحزب الحاكم أيضا- للاستمرار في السلطة ربما مدى الحياة، متجاوزا ما كان فرصته الأخيرة للترشح للرئاسة المقررة في عام 2025 وفق النظام الدستوري السابق. وقد فاز في 4 انتخابات رئاسية منذ 2005، وجميعها قوبلت باتهامات من المعارضة بالتزوير.
ويقول المتحدث الرسمي للتحالف المعارض “لا تلمس دستوري” ناتانييل أولمبيو، للجزيرة نت إن هذه الانتخابات، التي منحت الحزب الحاكم 108 من 113 مقعدا، تشير إلى سيطرة مطلقة بنسبة 95.5%، واصفا الوضع بأنه مسرحية انتخابية واضحة وغير مسبوقة في تاريخ توغو.
ويعتبر أولمبيو أن النظام تحت قيادة غناسينغبي أصبح منعزلا تماما عن الشعب بعد سنوات من التحكم السياسي والتغييرات الدستورية دون استشارة الشعب. ودعا إلى ضرورة التوحد وممارسة ضغط شديد داخليا وخارجيا لإنهاء هذا النظام وفتح الطريق لانتقال يؤسس لعقد اجتماعي جديد.