القدس المحتلة- في مشهد إعلامي منهزم غابت عنه مضامين “الانتصار” أو “الإنجاز” أو حتى عبارات الرضا، تصدرت وسائل الإعلام الإسرائيلية عناوين تقارير وتحليلات عكست مشاعر الخوف والهواجس من سيرورة الهدنة مع حماس وأيام تحرير المحتجزين الإسرائيليين التي وصفت بـ”العصيبة”.
وعكست عناوين ومضامين كبرى الصحف الإسرائيلية الصادرة، الخميس، حالة العصبية والهواجس التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، حيث فردت صفحاتها الداخلية للتحليلات والتقارير التي تستعرض حالة عدم اليقين من الهدنة والمرحلة الأولى من صفقة التبادل، دون أن توصف الصفقة بـ”الإنجاز”، إذ اعتبرت بعض التحليلات أن إسرائيل تذوق “طعم الخسارة”.
وفي محاولة للتقليل من مرارة “الهدنة والصفقة”، اختارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عنوان “ننتظرهم.. عائلات المحتجزين تتوقع البشارة”، إذ تناول الكاتب الإسرائيلي بن درور يميني، في مقالة له بالصحيفة المشاعر المختلطة للإسرائيليين، قائلا “لا يوجد مكان للفرح، وبالتأكيد بعد الهجوم المفاجئ بالسابع من أكتوبر”.
لا مكان للفرح
وفي إشارة إلى الحزن بالمجتمع الإسرائيلي من عدم تحرير جميع المحتجزين دفعة واحدة وعددهم 240، أضاف يميني “لا مكان للفرح وما دام هناك رهائن في غزة.. لا مكان للفرح ما دام بمقدور حماس مواجهة الجيش الإسرائيلي عسكريا وإطلاق الصواريخ.. لقد توصلنا إلى صفقة جزئية تبقي على الكثير من التساؤلات”.
وفي مؤشر إلى كثير من التساؤلات بشأن الهدنة والصفقة واستمرارية الحرب بالمستقبل، قالت صحيفة “هآرتس “في عنوانها “يستغلون الوقت.. تحرير الأطفال والنساء المحتجزين لن يتم قبل الجمعة”.
وأشارت الصحيفة في التحليلات والمقالات إلى أن الهدنة والصفقة تصب في مصلحة حماس التي تستغل الوقت من أجل إعادة ترتيب قواتها والجهوزية للجولات القتالية المستقبلية، دون أن يكون أي أفق لإسرائيل بكل ما يتعلق بتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين ضمن صفقات مستقبلية.
ذات المضمون اختارته صحيفة “يسرائيل هيوم” في عنوانها “تأجيل ليوم.. ننتظر عودتكم..”، دون أن تسلط الضوء في صفحاتها الداخلية على مظاهر الفرح من الصفقة أو أي “إنجاز” من العلمية العسكرية.
وذهبت الصحيفة بالتحليلات والتحذيرات من مغبة إقدام حركة حماس على وضع الجيش الإسرائيلي في القطاع أمام تحديات قد تؤدي إلى وقف اتفاق إطلاق النار، وتعرقل صفقة التبادل، وذلك بحسب تقديرات المحلل العسكري للصحيفة، يوآف ليمور.
ورجح ليمور أن الجيش الإسرائيلي سيكون مطالبا بتوسيع دائرة المعارك البرية وهجماته بعد انقضاء أيام وقف إطلاق النار، ويعتقد أن المجتمع الإسرائيلي سيبقى يدعم العلميات العسكرية في غزة ما دام هناك محتجزون ورهائن إسرائيليون لدى حماس التي ستعيد ترتيب أوراقها وحشد قواتها في أثناء الهدنة.
أهداف حماس
وأجمعت التقديرات والتحليلات الإسرائيلية أن الهدف الرئيسي لزعيم حماس، يحيى السنوار، من الهدنة المؤقتة هو استغلال الوقت وتنفس الصعداء بعد أكثر من 40 يوما من الهجمات الإسرائيلية العنيفة، وإعادة ترتيب الأوراق وتنظيم الفصائل المسلحة والاستعداد والجهوزية لاستمرار محتمل للصراع، على أمل تأخير المعارك البرية قدر الإمكان.
ورجحت التحليلات العسكرية للإسرائيليين أنه من المشكوك فيه ما إذا كانت حماس توقعت مثل هذا الانهيار في خط الدفاع الإسرائيلي في مواجهة الهجوم المفاجئ بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول، لقد أبقى النجاح والإنجاز الذي حققته حركة حماس بـ”طوفان الأقصى” قدرا كبيرا من أوراق المساومة، وفقا لمركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب.
لكن حركة حماس ورغم النجاحات والإنجازات، من وجهة النظر الإسرائيلية، بحسب الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” تدفع أيضا ثمن هجوم الجيش الإسرائيلي، والغزو البري لشمال غزة، والنزوح القسري الجماعي الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على سكان شمال قطاع غزة، والتدمير شبه الكامل لمدينة غزة، والمباني والبنية التحتية في شمال القطاع.
مخاوف إسرائيل
وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن هناك مخاوف من إمكانية إلحاق ضرر محتمل واستهداف القوات الإسرائيلية البرية أثناء وقف إطلاق النار، بطريقة من شأنها أن تؤدي أيضا إلى انهيار التهدئة وتحول دون استمرار إطلاق سراح المحتجزين، خاصة إذا ما تمكنت حماس إعادة تنظيم وحشد قواتها إلى الشمال، واستعادة مقرات القيادة والسيطرة المتضررة.
وتساءلت التحليلات والتقديرات ماذا سيحدث بعد أسبوع، هل تجدد إسرائيل إطلاق النار عندما يكون على المحك وعد السنوار بمحاولة إنقاذ المزيد من الأطفال الإسرائيليين؟.
وتجمع التقديرات الإسرائيلية أنه من المؤكد أن معظم المجتمع الدولي سيضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار لفترة طويلة، مقابل وعود بمزيد من صفقات التبادل بالمستقبل.
وتناولت التحليلات والمقالات الخلافات والتباين بالمواقف الإسرائيلية بشأن “الهدنة والصفقة”، والتي تمحورت حول تقييم المخاطر والمداولات وتداعيات مسألة وقف إطلاق النار على سير الحرب والمعارك البرية بالقطاع، في وقت لا يزال السنوار، يعيش وفق مفهوم الجولات القتالية.
أيام عصيبة تنتظر الإسرائيليين
تحت عنوان “إطلاق سراح المحتجزين لن يؤدي إلى فرحة عارمة.. أيام عصبية تنتظرنا”، كتب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل مقالا، لخص الواقع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي في ظل الحرب على غزة والضبابية بشأن مصير ومستقبل المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس في قطاع غزة.
أمام الإسرائيليين الآن بضعة أيام مثيرة للأعصاب، ربما لن تكون هناك فورة من الفرح في إسرائيل، يقول هرئيل “كما حدث بعد صفقة شاليط المثيرة للجدل. عاش المحتجزون فترة عصيبة خلال الهجوم المفاجئ والحرب الإسرائيلية على غزة، فالعديد منهم سيتركون أفراد عائلاتهم رهائن في جحيم غزة”.
عشية الهدنة المؤقتة وصفقة التبادل، يعتقد المحلل العسكري أن المشاعر والأجواء العامة في إسرائيل تتأرجح بين الرغبة في تدمير حكم حماس في غزة والمطالبة بإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، وهذا لم يتحقق من خلال الهدنة الإنسانية وصفقة تبادل الأسرى الأولية.
ولفت هرئيل إلى أن الحكومة الإسرائيلية صادقت على مضض، وبلا إجماع ووسط تباين بالمواقف وخلافات بشأن وقف إطلاق النار المؤقت، على المرحلة الأولى من صفقة التبادل التي تضمن مبدئيا إطلاق سراح 50 مختطفا إسرائيليا من النساء والأطفال، لكنها لا تلتزم بالإفراج عن جميع النساء والأطفال.
عمليات محدودة
وحيال ذلك، يعتقد المحلل العسكري أن استئناف العمل العسكري سيكون محدودا في شمال قطاع غزة، الذي تم فيه إلحاق الضرر بمعظم كتائب حماس، مع تركيز جهد عسكري بري كبير في جنوب القطاع الذي سيكون بظروف صعبة أكثر، بسبب الكثافة السكانية الهائلة.
ومن وجهة نظر المحلل العسكري، فإن السنوار الذي يعتبر أن الحرب الحالية هي أيضا استمرار لجولات القتال التي خاضتها حماس مع إسرائيل في الماضي، فقد حقق انتصارا ساحقا بمعركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يقول هرئيل إنه “صلاح الدين الجديد، المنتصر على الصليبيين اليوم”، وهي النظرية والعقيدة التي لا تتغير لدى السنوار وحماس بغض النظر عن نتائج الحرب.