غزة– قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الدكتور رامي عبدو إن الأدلة والشواهد تؤكد ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة، خلال الحرب التي تشنها على هذا القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال عبدو -في حوار خاص مع الجزيرة نت- إن جرائم الإبادة أودت بحياة زهاء 20 ألف فلسطيني، يمثلون مع عشرات آلاف الجرحى نحو 2.5% من تعداد السكان في القطاع، فضلا عن الدمار الهائل بحق المنازل السكنية والأعيان المدنية، وكل سبل الحياة.
وفي ما يلي نص الحوار:
-
باعتباركم منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان، ما الذي فعلتموه إزاء ما يتعرض له سكان غزة من حرب دموية مدمرة؟
منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة سعينا إلى تفعيل كل طواقمنا لرصد التنوع الواسع من الانتهاكات، ووجدنا أن قدرتنا على حصر ورصد كل الانتهاكات والمجازر الإسرائيلية ستكون محدودة، في ظل انقطاع الاتصالات، والاستهداف الشامل لكل مناحي الحياة، وعدم قدرة طواقمنا على الحركة.
وبالتالي، وجدنا أنه من الأصوب إصدار بياناتنا بشكل يومي، وعدم انتظار انتهاء العدوان لإصدار التقارير، ونحاول قدر الإمكان تسليط الضوء على أبرز الانتهاكات، ثم نقوم بتجميع الشهادات الموثقة الواردة في بياناتنا ونرسلها إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، والمقررين الخاصين، وللمحكمة الجنائية الدولية.
ونرسلها أيضا إلى كل الأطراف المعنية، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، ونطلعهم على أبرز تداعيات العدوان، في ضوء ما وجدناه من شلل في العمل الحقوقي للمنظمات الدولية والمحلية نتيجة تعقيدات لوجستية أو نتيجة أمور أخرى.
وركزنا -منذ البداية- على أن ما يمارسه الاحتلال هي جرائم إبادة، وتواصلنا مع خبراء الأمم المتحدة ومع مسؤولين وأكاديميين دوليين، لفحص هذه الجرائم، وبالفعل أكثر من 800 أستاذ بالقانون الدولي أصدروا بيانا موحدا، وأكدوا أن ما يجري هي جرائم إبادة.
-
اتهمتم المؤسسات الدولية بالغياب والانهيار الكامل وبشكل مفاجئ إزاء ما يحدث في غزة، هل من توضيح؟
لا شك أن كثيرا من الملاحظات أوردها الفلسطينيون بشكل أساسي على دور المؤسسات الدولية، وتحديدا الوكالات الأممية، إذ توجد في قطاع غزة 18 وكالة دولية تعمل وتهتم باختصاصات مختلفة، منها ما يهتم بشؤون المرأة والطفل، مثل اليونيسيف ومنظمات تهتم بتقديم الدعم التطويري، ومنظمات تهتم بتطوير الحماية، وفي مقدمة هذه المنظمات الدولية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
كل هذه المنظمات لم تتحرك فعليا حتى نهاية الأسابيع الثلاثة الأولى. وحتى في إطار إصدار المواقف، نجد أن مواقفها جاءت متأخرة جدا في التحذير من جريمة الإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمة الوكالات التي وُضع كثير من علامات الاستفهام على دورها هي أونروا المسؤولة عن نحو 70% من السكان في قطاع غزة.
وللأسف، أونروا وغيرها من الوكالات الدولية الأخرى، مع الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على القطاع، أسهمت في بث حالة من الرعب في أوساط المواطنين، عندما سحبت عرباتها وطواقمها وأغلقت مقارها في مدينة غزة وشمال القطاع، استجابة للرغبات الإسرائيلية، وهو ما أعطى مؤشرات للمواطنين أنه لا يمكن تقديم أي نوع من الحماية.
وأيضا، شهدنا منظمة الصحة العالمية التي لم تقم بجهود، فقد كان يمكن على الأقل أن توفر الحماية للمستشفيات الفلسطينية، وتدحض الادعاءات الإسرائيلية من قبيل وجود أفراد هذه المنظمة، وفحص المستشفيات وتأكيد سلامتها، فضلا عن التلكؤ في إمدادات الأدوية والمستلزمات الطبية.
وكذلك تلكأ برنامج الغذاء العالمي بشكل كبير في أداء عمله، وقدم شاحنات المساعدات الإنسانية بشكل متأخر، ووصلت أولى هذه الشاحنات بعد أسبوعين عبر معبر رفح البري مع مصر، رغم أنه يمتلك مخازن موجودة في مدينة غزة، وفي جنوبها، هذه المخازن لم تعمل لأن البرنامج قام بسحب موظفيه، ولم يسهم في الضغط على السلطات الإسرائيلية من أجل أن يقوم بتوزيع الأغذية على المواطنين.
وبالتالي، معظم هذه الوكالات الدولية لم تقم بأي أدوار، ولم تمارس أي مهام، بل على العكس كان دورها في مراحل متأخرة فقط للتحذير من الكارثة الإنسانية.
-
ما انعكاس هذه الحالة على الواقع، وهل شجع موقف هذه المؤسسات إسرائيل على سفك مزيد من الدماء؟
تصرف المؤسسات الدولية شجع وأعطى الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلي أن باستطاعته أن يفعل ما يريد من دون أن يكون هناك موقف مسؤول وموحد لهذه المؤسسات العاملة في فلسطين، وشهدنا غيابا كبيرا لها في الأيام الأولى للحرب، ومنها أونروا التي لن ينسى الفلسطينيون لها إغلاق مقارها وإجلاء موظفيها من غزة وشمالها نحو جنوب القطاع، وهو ما أشعر سكان هذه المناطق أنه لا تتوفر لهم حماية دولية، وأن هناك غطاء دوليا لتهجيرهم والحرب التي تشن عليهم.
والأمر ذاته فعلته منظمات دولية وأممية أخرى كاليونيسيف والصحة العالمية، رغم آلاف القتلى الأطفال والاعتداء على المستشفيات والطواقم الطبية وقتلهم واعتقالهم، وآخر ذلك اعتقال رئيس مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، وما حدث فجرا في المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع.
-
هل غطت المؤسسات الأهلية الفلسطينية الفراغ الذي أحدثه غياب المؤسسات الدولية، وهل تمتلك مقومات للقيام بدور أكبر إزاء ما يتعرض له قطاع غزة؟
بدت هذه المؤسسات المحلية أيضا عاجزة، فلم تستطع تقديم أي شيء للمواطنين، لأنها جزء من حالة الاستهداف الشامل، فالمنظمات الدولية لم تستطع تقديم أي أدوار، وتخلت عن مهامها، وبالتالي لا يوجد أي نوع من الحماية، والأخطر من ذلك أن مسؤولي هذه المنظمات المحلية اختفوا من الساحة بشكل مريب، وبعضهم تلكأ في إصدار تقارير ميدانية عما يجري على الأرض، أو تردد ولم يقم بذلك، باستثناء مواقف بدأت تظهر متأخرة، لكن في الأسبوعين الأولين للحرب الإسرائيلية على غزة، وحسب ما فهمه المواطنون يبدو أنه كانت هناك توجيهات من الممولين بعدم القيام بأي أدوار.
وأيضا المنظمات العاملة في الشأن الإغاثي تضررت بشكل كبير، ليس بفعل قرار ربما، وإنما بفعل عدم توفر إمكانات لوجستية للحركة، وعدم توفر المواد، بسبب الحصار الإسرائيلي الذي أعدم الحركات المالية وأوقفها بشكل كامل، فضلا عن عدم توفر الواردات الغذائية والإغاثية.
يضاف إلى ذلك أن المنظمات بالمجمل أصيبت بالصدمة، ولم تستطع التحرك وفقدت التواصل مع موظفيها، بفعل غياب خدمات الاتصالات والإنترنت، وربما ترافق ذلك مع توجيهات لجهات مانحة بعدم التحرك ميدانيا وإصدار مواقف.
-
وضعتم مرارا في بياناتكم الرسمية ما ترتكبه إسرائيل في إطار جرائم الحرب، ما تعريف هذه الجرائم؟
لا شك أن إسرائيل ارتكبت في قطاع غزة طيفا واسعا من الانتهاكات والجرائم، ولا أعتقد أنه يوجد مكان في هذا العالم شهد مثل هذه الجرائم من حيث الكم والتنوع، ونستطيع أن نجزم بشكل قاطع أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية، وهذه الإبادة من حيث تعريفها تتضمن مفردات أساسية، 3 من هذه المفردات الواضحة قامت إسرائيل بتنفيذها، وفي مقدمها عمليات القتل الجماعي، وشهدنا من هذه العمليات الاستهداف المباشر لتجمعات المدنيين، ليس فقط في شمال القطاع، بل في كل أرجائه شمالا وجنوبا.
-
هل يجيز القانون الدولي استخدام الاحتلال المياه والطعام والإمدادات الطبية كأسلحة حرب في إطار حصار مطبق تفرضه على غزة؟
هذه مفردة ثانية من مفردات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، عبر ممارسة سياسة التجويع والتعطيش لسكان القطاع بشكل متعمد ومعلن، من خلال وقف إمدادات الغذاء والمياه كليا لمناطق شمال القطاع، وكميات شحيحة سمحت بمرورها وجاءت في وقت متأخر لسكان جنوب القطاع، إضافة إلى منع إمدادات الوقود، الذي يُعتمد عليه لتشغيل المستشفيات والمرافق الحيوية.
ولم تكتف بذلك، بل استهدفت بشكل مباشر كل سبل الحياة في كل قطاع غزة، وعلى وجه الخصوص في مدينة غزة وشمالها، كالمخابز، ومطحنة الدقيق الوحيدة، ومحطات معالجة المياه وخزانات المياه، والأراضي الزراعية.
وهذا يقودنا إلى المفردة الثالثة من الإبادة الجماعية، وهي عمليات التهجير القسري سواء من مدينة غزة وشمال القطاع نحو جنوبه، أو حتى تهجير السكان من منازلهم داخل المدينة الواحدة، سواء جراء القصف أو بناء على توجيهات وإنذارات.
وبالتالي، وبشكل جازم مارست إسرائيل الإبادة الجماعية، مما نتج عنها هذا العدد الكبير من الضحايا، فنحن نتحدث عن نحو 20 ألف قتيل فلسطيني، بينهم على الأقل 7800 طفل، وقد أحصينا حتى هذه اللحظة حوالي 17 ألفا و500 قتيل فلسطيني، وهناك المئات لا يزالون تحت الأنقاض، وهذا يعني أن عدد الشهداء والجرحى يمثل 2.5% من الغزيين، أي ما يعادل 11 مليون مواطن عربي من أصل العدد الكلي لسكان الدول العربية.
-
كيف تابعتم الجرائم الإسرائيلية ضد المستشفيات كأعيان مدنية سواء بالاستهداف المباشر أو بإجبار طواقمها والمرضى والنازحين إليها على إخلائها؟
القانون الدولي الإنساني في كل مواثيقه يؤكد عدم استهداف الأعيان المدنية، وعدم استهداف أسس الحياة بما فيها المستشفيات، واتفاقية جنيف الرابعة في مادتها الـ18 والـ19، حددت بشكل لا لبس فيه عدم جواز استهداف المستشفيات بأي حال من الأحوال.
لكن ما فعلته إسرائيل ربما لم يتوقعه القانون الدولي الإنساني وهو أن تقتحم قوات المستشفيات وتقتل المرضى وتحاصر المستشفيات وتنتهج التجويع ضد من فيها، وتدمرها، وتستخدم الأطباء والمرضى دروعا بشرية، هذا ما فعلته إسرائيل مثلا في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وأوضح أن استهداف المستشفيات جاء في إطار سياسة إسرائيل لتدمير أسس الحياة في غزة.
أثبتت إسرائيل أنها لا تريد أي مظهر من مظاهر الحياة في شمال قطاع غزة، وتعتقد أن المستشفيات جزء من قطاع الخدمات للسكان، وتريد إيصال رسالة واضحة للسكان أنه حتى المستشفيات في حال توجهتم إليها إذا مرضتم أو جرحتم أو تعرضتم لأي أذى، فإنها لم تعد تعمل، وتهدف من وراء ذلك إلى دفع الناس للنزوح الإجباري عن مناطق شمال القطاع.
-
متى تمكن محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، وما الذي يمنع ذلك حتى اللحظة؟
يمكن أن تحدث هذه المحاسبة في حال توفرت الإرادة السياسية الدولية، الغائبة عن محاسبة إسرائيل، وآليات القانون الدولي معطلة وعاجزة، ويتحكم بها حلفاء إسرائيل بشكل كبير، وتستخدم لدغدغة العواطف وتمييع مساءلة إسرائيل، والحال لا يمكن أن يتغير طالما بقيت الهيمنة على القرار الدولي في يد حلفاء إسرائيل.
ولعلنا نستذكر أن الولايات المتحدة هددت بفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، ونتج عن ذلك توافقات على جلب كريم خان رئيسا للمحكمة، الذي يتساوق لحد ما مع الرواية الإسرائيلية، ويماطل في اتخاذ إجراءات حقيقية من أجل محاسبة إسرائيل.
-
هل هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة يصنف ضمن مقاومة الاحتلال وفق القانون الدولي؟
أود الإجابة عن هذا السؤال من زاوية ما تقوله إسرائيل عن حقها في الدفاع عن نفسها، فالهجوم الذي حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي قامت به جماعة مسلحة في منطقة تحتلها إسرائيل، ولا تعيش في دولة أخرى حتى تقوم إسرائيل بعمليات الدفاع عن نفسها.
استخدام إسرائيل مفهوم الدفاع عن نفسها كغطاء لارتكاب كل هذه الجرائم في غزة لا ينسجم والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، فحق الدفاع عن النفس يكون بين دولة ودولة، وليس بين دولة احتلال ومجموعات وفصائل مقاومة، وبالتالي هذه الحرب الإسرائيلية -من الأصل- ساقطة ولا شرعية لها ولا قانونية لها.