القدس المحتلة- “يتم تنفيذ أعمال تطوير وبنية تحتية من أجل رفاهية السكان، نعتذر عن الإزعاج المؤقت”، منذ أن علقت بلدية الاحتلال هذه اللافتة على أرض خربة طباليا في قرية بيت صفافا جنوب شرقي القدس، انتهت رفاهية عائلة عليان وبدأ الإزعاج اللامنتهي، الذي كان آخره اقتحام العشرات من جنود وشرطة الاحتلال الأرض، صباح اليوم الثلاثاء، لتأمين جرفها واقتلاع أشجار زيتونها.
يروي حفيد العائلة براء عليان للجزيرة نت كيف اعتلى الجنود من دون سابق إنذار أسطح منازل العائلة فجرا، وكيف اعتقلوا لساعات والده أحمد، وشقيقيه أوس وإبراهيم، وعمه موسى، وابن عمته علي، لأنهم اعترضوا على اقتحام الأرض وجرفها، وطالبوا الشرطة بإظهار أمر المحكمة الذي يقضي بذلك، علما أن عائلة عليان استصدرت قبل نحو عامين قرارا يقضي بمنع اقتحام الأرض والعبث بها.
اشترى المقدسي إبراهيم عليان هذه الأرض قبل 50 عاما في خربة أو تلة طباليا بمساحة 25 دونما (الدونم ألف متر مربع)، وأورثها قبل موته لأبنائه الـ11 وأحفاده الخمسين، لكن الاحتلال وأذرعه الاستيطانية صادروا 40% من مساحتها بهدف شق شارع رئيس وإقامة خدمات عامة لصالح مستوطنة “جفعات همتوس” المقامة على أراضي الخربة.
مشهد قاهر
“الحقوا الأرض، الحقوا الأرض”.. استيقظت طبيبة الأسنان ياسمين عليان على استغاثة شقيقها، وهرعت ركضا مع أقاربها نحو الأرض بعد أن حاصرها الاحتلال ومنع وصول إلى المركبات إليها.
تنظر ياسمين إلى أشجار الزيتون وهي تُنشر وتقتلع من جذورها وتقول للجزيرة نت “زرعنا هذه الأشجار مع والدنا منذ نعومة أظفارنا، مشهد قاهر جدا، كأنهم يقتلعون روحنا، لنا ذكريات فيها وأيام ومواسم، حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وعلى مرأى العشرات من رجال وأطفال ونساء عائلة عليان، اقتلعت الجرافات أكثر من 30 شجرة بعد وضع علامة عليها، وحُملت إلى مكان مجهول.
ويقول محمد عليان (53 عاما) للجزيرة نت إن العائلة قطفت ثمار الزيتون قبل شهرين وجنت من الموسم 25 تنكة زيت (وعاء يتسع لـ15 لترا)، رغم تنغيص الاحتلال واقتحامه الأرض مرارا ومن عدة مواقع، وأضاف باكيا “اختاروا التوقيت بعناية مستغلين حالة الحرب، هذه الأرض روحنا وحياتنا، أفضل أن أموت ولا أرى هذه اللحظة، ولا أرى شجرة تخلع”.
تعيش عائلة عليان الممتدة في بنايتين سكنيتين ملاصقتين للأرض المهددة التي تمتلك إطلالة مميزة على القدس المحتلة، حيث ترتفع خربة طباليا 813 مترا فوق سطح البحر، لكن جرافات الاحتلال غيّرت معالم المكان خلال ساعات معدودة، ثم أحاطتها بسور من صفائح “الزينكو” لتكمل الجرافات عملها ويمنع الأهالي من دخولها أو الاعتصام فيها.
تحايل باسم القانون
لم يكن هذا الاقتحام الأول لأرض عائلة عليان، فقد اقتحمتها قوات وشرطة الاحتلال في التاسع من يناير/كانون الثاني 2023، واعتقلت أحمد إبراهيم عليان بسبب اعتراضه، إذ استخدمت بلدية الاحتلال حينها قانون “إعادة توحيد وتقسيم الأراضي” من دون موافقة أصحابها، رغم امتلاك عائلة عليان وثائق ملكية “طابو”، لكن البلدية ترفض -حتى اليوم- تسجيل الأراضي المصادرة باسم ورثة العائلة.
من ناحيته، يقول المهندس عبد الكريم لافي من بيت صفافا للجزيرة نت إن الاستيطان الإسرائيلي بدأ في قريته عام 1948، حتى بقي اليوم من مساحتها التاريخية 2500 دونم فقط بعد أن كانت 5288 دونما.
وذكر أن الاحتلال بنى على أراضي القرية عدة مستوطنات، أبرزها المنطقة الصناعية (تلبيوت)، ومستوطنة “بات” ومستوطنة “جيلو” و”جفعات همتوس”، كما استولى منذ عام 1967 على 12 بيتا، بالإضافة إلى أول مستشفى في فلسطين وحولّه إلى مدرسة دينية يهودية، وكذلك قضم معظم أراضي القرية بالشوارع الالتفافية، للوصل بين المستوطنات وتقسيم القرية داخليا وسلخها عن القدس.
فصل جغرافي
ويضيف لافي أن التخطيط لبناء “جفعات همتوس” بدأ عام 1991، لتخليد ذكرى طيار إسرائيلي سقط فوقها عام 1967، كما يخطط حاليا لإنشاء مستوطنة “شاكيد” غربي بيت صفافا.
ويفسر المهندس المقدسي اهتمام الاحتلال بقرية بيت صفافا بسبب موقعها الإستراتيجي الواصل بين عدة مستوطنات، بالإضافة إلى بعدها عن مركز القدس 7 كيلومترات، ومثلها أيضا عن مركز مدينة بيت لحم.
يسعى الاحتلال من خلال مشاريعه الاستيطانية المتصاعدة في بيت صفافا إلى ربط مستوطنة “هارحوما” في قرية صور باهر، مع “جفعات همتوس” في بيت صفافا، بهدف فصل القدس عن أحيائها الجنوبية وعن بيت لحم، وتقليص التواصل الحضري الفلسطيني شرق القدس، وإغلاق آخر ممر يربط قريتي بيت صفافا وشرفات.
ويختم لافي قائلا “أمست بيت صفافا جزيرة إسلامية عربية تحيط بها المستوطنات من جهاتها الأربع”.