لم تكن الضفة الغربية منطقة هامشية في الخطاب الذي ألقاه القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والذي أعلن فيه انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، بل كانت في القلب منه.
فالضيف يعلم الأهمية الإستراتيجية التي يمنحها انخراط الضفة في المعركة، لذا دعا شبابها بكل وضوح لينخرطوا في العملية ويكونوا في صميمها، وقال “يا شباب الضفة الغربية، يا أهلنا على اختلاف تنظيماتكم، اليوم يومكم لكنس المحتل المستوطنات عن أرضنا”.
وعلى إثر ذلك انطلقت مسيرات عارمة شاركت فيها مجموعات المقاومة المنتشرة في مدن وبلدات الشمال، كما اندلعت مواجهات واشتباكات في عدة نقاط تماس مع قوات الاحتلال.
نرصد في هذا التقرير أهم العمليات وأبرز فعاليات المقاومة في الضفة، كما نحاول أن نتعرف على مآلات هذا الحراك، ومدى نجاحه في إشغال الاحتلال ومنعه من الاستفراد في غزة.
شهداء وأسرى
حتى اليوم الأربعاء أشار “مركز معلومات فلسطين (معطى)” المختص برصد أعمال المقاومة والمواجهات المختلفة في الضفة الغربية إلى أن المقاومين نفذوا أكثر من 1337 عملا مقاوما وشعبيا منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”، من بينها 384 عملية إطلاق نار و60 عملية نوعية.
وقد أسفرت المواجهات في الضفة والقدس المحتلتين منذ انطلاق المعركة عن استشهاد 109 فلسطينيين توزعوا على مختلف المحافظات في 316 منطقة مواجهة، كما تجاوز عدد الأسرى 1350، بينهم قيادات فصائلية ومجتمعية وأسرى محررون.
وقالت مؤسسات الأسرى إن مخابرات الاحتلال حولت معظم المعتقلين الجدد إلى الاعتقال الإداري، وهو القانون الذي يسمح للاحتلال باحتجاز الفلسطيني لشهور دون أن توجه له تهمة واضحة أو حتى دون الكشف عن سبب اعتقاله بما يسميه “الملف السري”.
نقاط التماس
تركزت المواجهات في نقاط التماس المعروفة في الضفة الغربية انطلاقا من الشوارع الاستيطانية والمواقع العسكرية في محيط جنين وطولكرم.
واصلت مجموعات المقاومة استهداف المستوطنات والمواقع العسكرية، وفي قلقيلية التي تصدرت فيها عزون المواجهة كالعادة، وفي المناطق المحيطة بنابلس وريفها، وكذلك قرى رام الله القريبة من المستوطنات وعلى مدخلها الشمالي.
كما اندلعت المواجهات في أحياء القدس المحتلة، خاصة أبو ديس والعيساوية وجبل المكبر والبلدة القديمة ووادي الجوز، وحضرت بقوة في بيت لحم ومخيماتها وقراها في المنطقة الغربية، مثل حوسان ونحالين والخضر، وفي الخليل تصدرت بيت أمّر ومخيم العروب وباب الزاوية ومخيم الفوار مشهد المواجهة مع امتدادها إلى مناطق أخرى.
وتزامنا مع المواجهات واصلت مجموعات المقاومة في شمال الضفة ومناطق أخرى في الوسط والجنوب عمليات إطلاق النار بوتيرة أعلى، وعلى الشوارع الالتفافية ارتفعت معدلات استهداف مركبات المستوطنين.
الجمعة والمعمداني
وكان ليومي الجمعة حضورهما الخاص في تصاعد الحراك الشعبي في الضفة، من ناحية ارتفاع عدد المشاركين في المسيرات الشعبية التي انطلقت من مراكز المدن، واتساع نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال والمستوطنين وعمليات إطلاق النار.
كما فجرت مجزرة المستشفى المعمداني في غزة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري هبّة واسعة على طول الضفة والقدس المحتلتين، واندلعت المواجهات في مختلف نقاط التماس مع قوات الاحتلال والمستوطنين، ونفذت مجموعات المقاومة عمليات إطلاق نار واسعة.
المسيرات التي انطلقت عقب المجزرة اصطدمت مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مدن عدة، مثل جنين ونابلس ورام الله والخليل، وتحولت إلى مواجهات واشتباكات حاول خلالها متظاهرون اقتحام مقرات المقاطعة، وأطلقوا هتافات تنادي بـ”إسقاط الرئيس” و”حل السلطة” وإنهاء اتفاقيات التسوية مع الاحتلال، حسب تعبيرهم.
معركة مخيم نور شمس
نفذ الاحتلال منذ فجر الخميس الماضي 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عملية عسكرية واسعة على مخيم نور شمس في مدينة طولكرم استمرت حتى صباح اليوم التالي، وقد امتدت الاشتباكات التي اندلعت مع الاقتحام إلى مخيم طولكرم ومواقع مختلفة في المدينة.
ودفع جيش الاحتلال بجرافات عسكرية لتجريف الأحياء الضيقة، خاصة في حارة المنشية التي وقع الجنود فيها في كمائن عدة خلال مواجهات سابقة، إضافة إلى استخدام قوة كبيرة من الجنود والآليات العسكرية المدعومة بوحدات تكنولوجية ومخابرات وتجسس مختلفة.
وقد استخدمت المجموعات المسلحة ما توفر معها من أسلحة خفيفة في التصدي، بالإضافة إلى العبوات الناسفة المصنعة محليا، وحققت إصابات في صفوف قوات الاحتلال الذي اعترف بمقتل ضابط وإصابة 9 آخرين.
وعلى إثر ذلك استهدف الاحتلال بطائرة مسيرة مفخخة مجموعة من سكان المخيم الموجودين في الطرقات، مما أدى لاستشهاد 13 وإصابة العشرات، بينهم أطفال.
سلاح الجو يدخل المواجهة
استهدف الاحتلال بصاروخ فجر اليوم الأربعاء مجموعة من الفلسطينيين في مخيم جنين فاستشهد 4 شبان، كما قصف طيران الاحتلال في 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري مسجد الأنصار في مخيم جنين، مما أدى لاستشهاد مقاومين اثنين.
وزعم جيش الاحتلال أن القصف جاء لمنع خلية من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” من تنفيذ عملية في الساعات المقبلة، وقد تعرض المسجد في يوليو/تموز الماضي للقصف خلال عملية عسكرية للاحتلال على مخيم جنين.
بعد قصف المسجد بساعات نفذ جيش الاحتلال عمليات عسكرية خاطفة تقوم على اقتحام قوة خاصة ثم دعمها بقوات أكبر محمولة بالآليات، وذلك في قباطية وجبع وبيت لحم لاعتقال مطلوبين، وقد تزامنت الاقتحامات في هذه المناطق مع اشتباكات مسلحة أسفرت عن شهداء وإصابات.
وأعلنت “عرين الأسود” (المجموعة المسلحة في البلدة القديمة في نابلس) عن يوم عصيان مدني وإضراب حتى توقف القصف على قطاع غزة.
وأحد التطورات المهمة في سياق تطور عمل المقاومة كان تفجير عبوة ناسفة بقوة من جيش الاحتلال قرب بلدة برقة شمال نابلس وإطلاق النار عليها، مما أدى لإصابة عدد من الجنود.
غياب العمليات النوعية
رغم كل هذه الفعاليات فإن دخول الضفة في المعركة لا يبدو أنه حقق “المأمول” بالنسبة للمقاومة في غزة، وإن كانت وتيرة المواجهات وعمليات إطلاق النار قد ارتفعت لكن المحللين والمراقبين يشيرون إلى غياب “العمليات النوعية” على النمط الذي نُفذت فيه خلال الشهور السابقة للمعركة.
ويشير كل ما سبق إلى إحدى سمات المرحلة التي تمر بها الضفة، وهي الصعود والهبوط في العمل المقاوم إثر غياب الجسم التنظيمي الذي عرفته التجربة النضالية الفلسطينية السابقة، فالنمط الفردي الذي غلب على العمل المقاوم في الضفة والقدس المحتلتين في السنوات الأخيرة -خاصة منذ “هبّة القدس” التي اندلعت عام 2015- يجعل الأجهزة الأمنية والعسكرية لدى الاحتلال دائمة التأهب من عملية قد تزيد اشتعال الأوضاع في الأرض المحتلة، وتشكل إلهاما لشبان آخرين كما حصل في عمليات أخرى، خاصة مع وجود مجهودات لفصائل المقاومة لتثوير الضفة.
وعلى الصعيد المقابل، فإن مليشيات المستوطنين دخلت في المعركة بقوة من خلال الهجمات المستمرة على القرى، خاصة في ريف نابلس، والتي استشهد في قرية واحدة فيها -هي قصرة- 6 شهداء.
وبالتالي، فإن هذه الهجمات قد تكون أحد عوامل تفجير المواجهة وتثوير المجتمع الفلسطيني الذي شاهد القوة العدوانية لمليشيات المستوطنين المدعومة من جيش الاحتلال.
ويؤكد واقع الضفة الحالي على مركزية التنظيمات في الحالة النضالية الفلسطينية، إذ إن غيابها يحرم المجتمع الفلسطيني من استثمار أي حدث في بناء عمل دائم وموجه نحو الاحتلال.
وفي الوقت ذاته، فإن الأجسام التنظيمية لعدد من الفصائل التي نجت حتى اللحظة من الضربات الأمنية والعسكرية لجيش الاحتلال يرى محللون أنها لم تلتقط حتى الآن الحالة التي تعيشها فلسطين، وتتطلب حراكا خارج ما اعتادت عليه من مظاهرات في قلب المدن.