الصهيونية الدينية في إسرائيل.. الجذور والصعود والفشل

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

لم تكن تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو مع إذاعة “كول برام” مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتي دعا فيها إلى قتل كل من ينتمي إلى حركة (حماس) أو السلطة الفلسطينية، وإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، وإعادة بناء المستوطنات فيه، مجرد تصريحات عابرة مدفوعة بسخونة الحرب، إنما تعبر عن تيار متغلغل داخل المجتمع الإسرائيلي، ويحظى بنفوذ داخل دوائر صنع القرار السياسي.

ففي 29 ديسمبر/كانون الأول 2022 شكل بنيامين نتنياهو حكومته الجديدة من 37 وزيرا من بينهم عدد من حلفائه المتدينين في مقدمتهم بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية الذي تولى منصب وزير المالية بالإضافة إلى تعيينه وزيرا لمديرية مستقلة داخل وزارة الدفاع في منصب استُحدث خصيصا لأجله.

كما عُين إيتمار بن غفير أحد أتباع الحاخام مئير كاهانا وزيرا للأمن القومي، وكلاهما يشتركان مع اليمين الصهيوني في تبني سياسات تهدف إلى إضعاف وتفكيك السلطة الفلسطينية، وتعزيز الاستيطان وضم الضفة الغربية لإسرائيل.

جذور الصهيونية الدينية

وُلدت الصهيونية الدينية في مطلع القرن الـ20 من تزاوج الدين مع الصهيونية السياسية، وحظيت بدعم من أفراهام كوك كبير حاخامات الطائفة اليهودية التي كانت موجودة في فلسطين قبل عام 1948، حيث جادل كوك بأن الحركة القومية العلمانية اليهودية تشكل أداة إلهية وخطوة للخلاص النهائي في آخر الزمان.

ووافق قبل وفاته في عام 1935 على تأسيس دولة يهودية علمانية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط يعيش فيها اليهود تحت سيادة ذاتية كاملة، وهو ما أرسى أسس التعاون بين الجناحين الديني والعلماني للحركة الصهيونية.

خالفت الصهيونية الدينية التيار اليهودي الأصولي الذي يرى أن دولة إسرائيل ينبغي أن تقام فقط عند ظهور المسيح المخلص، ويعتبر أن العمل على تأسيسها قبل ذلك يخالف الشريعة اليهودية.

حرب 1973 كنقطة تحول

شكلت حرب عام 1973 صدمة بخصوص مستقبل إسرائيل، وقوضت الثقة بالحكومة التي يسيطر عليها اليسار، مما دفع قادة الصهيونية الدينية إلى تأسيس جماعة غوش أمونيم التي سعت للحفاظ على مكاسب حرب 1967 عبر تعزيز الاستيطان في القدس والضفة الغربية.

وأسهم ذلك في ارتفاع عدد المستوطنين بالضفة من 2800 مستوطن في عام 1977 إلى نصف مليون مستوطن حاليا بحسب حسن البراري في كتابه المترجم إلى اللغة العربية بعنوان “الصهيونية وإسرائيل والعرب: مئة عام من الصراع”. وتزامنت تلك التطورات مع فوز اليمين الصهيوني بانتخابات الكنيست في عام 1977 للمرة الأولى.

لاحقا عارضت الصهيونية الدينية بتشكيلاتها المتنوعة اتفاق أوسلو، ونظمت احتجاجات واسعة رفضا للتنازل عن أراضي من الضفة الغربية وغزة تحت شعار “هذه أرضنا”.

وأقدم إيغال عمير أحد الطلاب الصهاينة المتدينين بجامعة بار إيلان على قتل رئيس الوزراء إسحق رابين عام 1995 بحجة تفريطه في أرض إسرائيل. وذلك بعد أن نفذ المتطرف باروخ غولدشتاين مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل عام 1994.

الانسحاب من غزة

أصيبت جماعات الصهيونية المتدينة بصدمة عندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة ومن أجزاء من شمال الضفة الغربية في عام 2005.

واكتشفت تلك الجماعات أن سياسة فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان فشلت في منع إخلاء 8600 مستوطن من غوش قطيف بغزة و680 من شمال الضفة الغربية، وهو ما وضعها أمام خيارين إما التمسك بالأرض ورفض قرارات الحكومة الإسرائيلية وإما احترام قرارات الحكومة والمحافظة على الوحدة الداخلية هربا من شبح الاقتتال البيني الذي تسبب تاريخيا في تدمير الممالك اليهودية القديمة، فاختارت الخيار الأخير.

بعد الانسحاب من غزة، رأى قادة الصهيونية الدينية أن “الملعب الذي يُحدد فيه مصير أرض إسرائيل هو السياسة والإعلام”، فقرروا التركيز على مراكمة السلطة داخل مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية، وكذلك على تدشين حملات شعبية لإقناع الآخرين بمواقفهم السياسية.

ورأوا الفرصة سانحة للتغلغل داخل حزب الليكود الذي بقي فيه الصقور فقط بعد أن انسحب منه شارون ليؤسس حزب كاديما، وبالتالي ارتفع عدد الصهاينة المتدينين في الحزب حتى قال نتنياهو “كان من المعتاد القول إن الليكودي هو الذي يمشي وقلنسوته في جيبه، لكن الآن نجد مجموعة من الليكوديين يمشون وقلنسواتھم على رؤوسهم، علينا أن نكون فخورين بهم”.

كذلك حرص الصهاينة المتدينون على الانخراط في الجيش الإسرائيلي إذ ارتفعت نسبتهم بين عامي 2000 و2012 في دورات تدريب الضباط من 15% إلى 43%، كما ازداد عددهم في الشرطة.

الوصول للسلطة وتفجير الأوضاع

تمثل الصهيونية الدينية مجموعات غير متجانسة تختلف على قضايا دينية واجتماعية وسياسية، لكنها تجتمع على رفض إخلاء المستوطنات، وضم الضفة الغربية، وتبرير العنف ضد “الأغيار” من غير اليهود وطردهم مما يزعمون أنها أرض إسرائيل أو قتلهم، فضلا عن السعي لبناء الهيكل.

وتُقدر أعدادهم حسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي بنحو 600 ألف شخص أي نحو 10% من الإسرائيليين.

ولم يكتف الصهاينة المتدينون بحضورهم المتزايد في حزب الليكود، إنما شكلوا عدة أحزاب مثل البيت اليهودي في عام 2008 بزعامة نفتالي بينيت، والقوة اليهودية في عام 2012، والصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش.

ونجحوا للمرة الأولى عبر تشكيل حكومة ائتلافية مع نتنياهو في انتخابات 2022 من الفوز بمناصب وزارية حساسة مثل وزارتي المالية والأمن القومي، مما ضمن لها مقعدين داخل مجلس الوزراء الأمني المصغر، وتوظيف مؤسسات الدولة لتنفيذ مخططاتهم.

وخلال أقل من سنة من تولي حكومة نتنياهو للسلطة، اقتحم بن غفير المسجد الأقصى عدة مرات، أولها كان في يناير/كانون الثاني 2023 بعد أسبوع من توليه منصبه الوزارء، في حين دعا الوزير سموتريتش في مارس/آذار الماضي لمحو قرية حوارة قرب نابلس من الوجود عقب حدوث هجمات بها ضد المستوطنين فضلا عن تصريحه بأن” الشعب الفلسطيني اختراع لم يتجاوز عمره 100 سنة”.

وصادق الكنيست في الشهر ذاته على إلغاء قانون فك الارتباط الذي يقضي بإلغاء حظر الدخول والبقاء في 4 مستوطنات سبق إخلاؤها في شمال الضفة الغربية منذ عام 2005، وعقب اعتماد القانون تحدثت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك عن غزة قائلة “غزة جزء من أرض إسرائيل، وسيأتي اليوم الذي نعود إليها”.

كذلك اقتطع الوزير سموتريتش أكثر من 260 مليون شيكل من أموال عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية بحجة أنها تُدفع لعائلات الأسرى والشهداء، وكثف جهوده بهدف مضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الضفة من نصف مليون إلى مليون مستوطن.

وأعطى الشرعية لبناء 10 بؤر استيطانية جديدة، وخصص ربع ميزانية وزارة المواصلات لتطوير الاستيطان في الضفة الغربية، في حين ازدادت اعتداءات أنشطة مجموعات “فتية التلال” الصهيونية على الفلسطينيين في الضفة الغربية عبر اقتلاع أشجار الزيتون ونهب قطعان الماشية وحرق المنازل.

الصهيونية الدينية بعد 7 أكتوبر

مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول تعرض نفوذ الصهيونية الدينية لضربة كبيرة، حيث سارع نتنياهو لتشكيل حكومة حرب مع رموز اليسار من أصحاب الخبرات العسكرية مثل بيني غانتس رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع السابق ورئيس حزب “أبيض أزرق”، ورئيس أركان الجيش السابق غادي إيزنكوت.

وتراجع دور وزراء الصهيونية الدينية في صناعة القرار الأمني لافتقادهم للخبرة العسكرية والأمنية التي تؤهلهم لقيادة الحرب الحالية.

في المقابل، ركز نشاط وزير الأمن القومي الصهيوني المتدين بن غفير على دعم مخطط تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، حيث وزع نحو 26 ألف بندقية آلية على المدنيين الإسرائيليين، وهو ما انعكس على زيادة اعتداءات المستوطنين المسلحة في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر حيث ارتفعت من 3 هجمات يوميا لتصل إلى 7 هجمات يومية حاليا بحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية.

وأدى ذلك إلى تهجير سكان نحو 16 تجمعا رعويا فلسطينيا على الأقل بإجمالي يقترب من 900 شخص بحسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية، فضلا عن استشهاد 8 فلسطينيين على يد المستوطنين في اعتداءات متفرقة. مما يهدد بمزيد من التأزيم في الضفة الغربية.

ودعا الوزير سموتريتش إلى تدشين مناطق معقمة عازلة حول المستوطنات، وهو ما يعني قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتقييد حركة سكان الضفة الغربية بشكل أكبر.

لقد أسهمت سياسات وزراء الصهيونية الدينية في دفع المشهد في فلسطين بشكل متسارع نحو الانفجار، مثلما أسهمت في زيادة الاستقطاب السياسي الحاد داخل إسرائيل مع قوى المعارضة بخصوص حزمة التعديلات القانونية.

ولكن يُرجح أن يتقلص نفوذهم السياسي بعد انتهاء الحرب على خلفية مسؤولية حكومة نتنياهو عن الفشل الأمني والاستخباري في التصدي لهجوم 7 أكتوبر، واضطرار نتنياهو للاستعانة بوزراء وقادة سابقين من أصحاب الخبرات العسكرية من اليسار ممن يمثلون الدولة العميقة والأجهزة السيادية، وثبوت فشل وزراء الصهيونية الدينية في توفير الأمن الذي وعدوا به سابقا، وتسببهم في إحدى أكبر الكوارث الأمنية لإسرائيل.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *