البقاع- “نكاد نموت من شدة البرد ليلا”، بهذه العبارة اختصرت سلوى محمد الحسيني معاناتها، وهي نازحة مع أطفالها الثلاثة من بلدة شمسطار قرب بعلبك إلى مركز إيواء للنازحين أقيم في مبنى ثانوية جب جنين الرسمية وسط قضاء البقاع الغربي الآمن نسبيا.
وأضافت للجزيرة نت “نحن على أبواب الشتاء وحتى اليوم لم تُجهز غرف الإيواء بأي وسيلة من وسائل التدفئة، أنا خائفة جدا على أطفالي”.
بدورها، قالت الطفلة فاطمة الحسيني (12 عاما) “أحيانا نشعر وكأننا ننام في العراء من شدة البرد، فلا تجهيزات مناسبة للشتاء في الغرف، ولا أغطية شتوية، ولا سجادات نضع فوقها فرشنا الإسفنجية المتواضعة، للأسف واقعنا في الإقامة الجبرية ضاعف من معاناة النزوح الذي تسبب به العدو الإسرائيلي”.
الهم واحد
وحال سلوى وفاطمة مماثل لحال 210 نازحين من قرى غرب بعلبك والعرقوب والجنوب اللبناني يقيمون في مركز إيواء جب جنين، وهو واحد من أصل 50 مركزا توزعوا على مدارس رسمية وقاعات كنائس في قرى راشيا والبقاع الغربي، ويعيشون الظروف ذاتها على أبواب الشتاء.
وتقول عليا حسن المولى النازحة من بلدة وطى الخيام -للجزيرة نت- إنهم يفتقرون إلى كل تجهيزات الشتاء، خاصة ثيابا تقيهم الصقيع ووسائل تدفئة ومياه ساخنة. وأردفت “كما ترون أقوم بتسخين المياه كي أتمكن من غسل ثياب أطفالي في وعاء كبير، حالتنا بائسة جدا”.
أما صلاح عبد الله النمر النازح من منطقة الوزاني، فأوضح أن انعدام وسائل مواجهة الشتاء في مركز جب جنين لا ينسحب على باقي الخدمات فيه. وأضاف -للجزيرة نت- أن المشرفين على المركز من إدارة الثانوية وممثلي الهيئات الاجتماعية والأهلية والصحية، ومنذ وصولهم قبل شهر تقريبا، يوفرون لهم الحاجيات الأساسية من مواد غذائية وفرش وبطانيات، “مع تسجيل نقص بمواد التنظيف والتعقيم”.
ومتطلبات مواجهة فصل الشتاء ليست تفصيلا صغيرا عند الحديث عن عشرات مراكز الإيواء، والتي هي عبارة عن مبانٍ ضخمة تتألف -بمعظمها- من طوابق عدة هي في الأساس أبنية مدرسية مجهزة لخدمة الطلاب نهارا. فما الحلول المنتظرة على هذا الصعيد؟
وعود وتدخلات
يقول رئيس المركز ومدير ثانوية جب جنين الرسمية محمود فرحات إنهم يسعون -مع الإدارات الرسمية المعنية- لتوفير مادة المازوت لسخان الثانوية لحل مشكلة التدفئة والمياه الساخنة قبيل استفحال فصل الشتاء، “فموجات البرد ليلا في هذه الأيام لا تحتمل ولا يمكن للنساء والأطفال وكبار السن تحملها”.
وفي تصريحه للجزيرة نت، أوضح أنهم تلقوا وعودا من جهات رسمية وأهلية عدة لمعالجة هذه المشكلة الحساسة. حيث وعدت وزارة التربية بالسعي لتوفير المحروقات، كما زارهم وفد من مجلس الجنوب، وأجرى دراسة ميدانية واعدا بالحل، كما أجرت مؤسسات “الغد الأفضل” كشفا على المبنى وحاجياته ووعدت بتأمينها.
ويعتقد فرحات أن المشكلة في طريقها إلى الحل قريبا “لا سيما، وأن الجهات المذكورة بادرت -ولا زالت- إلى تقديم مساعدات متنوعة مرتبطة بالحاجيات اليومية للنازحين في هذا المركز والمراكز الأخرى”.
ولفت المسؤول فرحات إلى تلقيهم وعودا من جمعيات أهلية ودولية بمعالجة النقص الكبير في مستلزمات الشتاء من ثياب للأطفال وكبار السن، وأوضح أنهم يعانون من نقص مواد ضرورية خاصة المتعلقة بالنظافة، مما دفعهم إلى ترشيد استخدام المتوفر منها في الغرف والمساحات المشتركة في البناء حرصا على صحة النازحين وسلامتهم، آملا أن “تعالج هذه المشكلة قريبا”.
وأشاد بالدور الإيجابي الذي تقوم به جمعيات الصليب الأحمر الدولي، والرؤية العالمة، وسوا، وكفى، وإنقاذ الطفل، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وغيرها من جمعيات محلية، لدعم صمود النازحين، من خلال تنظيم حفلات ترفيهية وألعاب وأنشطة “تخفف عن الأطفال بعضا من عبء النزوح في إقامتهم الجبرية، على أمل أن تكون عودتهم إلى منازلهم وقراهم قريبة جدا”.
واقع واحد
تعتبر بلدة جب جنين، الواقعة عند سفح جبل عربي الملاصق لجبل الشيخ، من المناطق الباردة جدا خلال فصل الشتاء، إذ يتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 950 مترا في وسطها و1200 متر في بعض أحيائها الجبلية، مما يعني أن موقعها شديد البرودة شتاء مثل مواقع مراكز الإيواء في قضاء راشيا وبعض قرى البقاعين الأوسط والغربي.
وتقول مريم النمر وهي نازحة من منطقة الخيام “لا يمكن لأطفالنا مواجهة برودة الطقس هنا، وأطالب -مع النازحين في هذا المركز- بتحرك سريع لأن الوضع لم يعد يطاق خاصة فترات الليل”.
وأضافت في حديثها للجزيرة نت “أناشد الدولة اللبنانية والصليب الأحمر الدولي لمساعدتنا لإخراج مقتنياتنا من منازلنا في سهل الخيام ووطى الخيام في الجنوب، فنحن خرجنا بثيابنا التي نلبسها فقط، وتركنا كل شيء خلفنا، نريد أخذ مستلزمات كثيرة من لباس شتوي، وأغطية، وفرش وغيرها، وبذلك نزيح عبئا عن كاهل الدولة والجمعيات المعنية”.