الانتخابات الأوروبية.. ما سر صعود اليمين المتطرف في أوروبا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

باريس- أظهرت النتائج النهائية لانتخابات البرلمان الأوروبي احتفاظ كتلة يمين الوسط بالصدارة بربع عدد المقاعد، وحلول الاشتراكيين بالمركز الثاني، فيما لحقت خسارة كبيرة وصلت لثلث عدد المقاعد بالليبراليين وأحزاب البيئة.

وكان الأوروبيون قد توجهوا إلى صناديق الاقتراع على مدى 4 أيام لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي الجدد في القارة التي تشهد أحداثا جيوسياسية مهمة وتزايدا في النزعة القومية.

وبحسب مراسل الجزيرة، أظهرت النتائج النهائية، حصول مجموعة حزب الشعب على 26.3%؜ من المقاعد، تليها مجموعة الاشتراكيين بنسبة 18.8%،؜ ثم الليبراليون بنسبة 11.5%،؜ وحصل المحافظون على 10%،؜ بينما حصل اليمين المتطرف على 8.1%؜، وحلّت أحزاب البيئة في المركز قبل الأخير بنسبة 7.4%.؜

وكانت التوقعات المبكرة تشير إلى أداء قوي لأحزاب اليمين المتطرف في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مع وجود قدر كبير من عدم الرضا لدى الناخبين وتوبيخ لاذع للتيارات السياسية السائدة.

وسجلت أحزاب اليمين المتطرف زيادة في عدد المقاعد بحصولها على المركز الأول في إيطاليا وفرنسا والثاني في هولندا وألمانيا.

ماكرون يعلن حل الجمعية الوطنية الفرنسية ويدعو إلى انتخابات عامة جديدة في 30 يونيو/حزيران (الفرنسية)

فعالية ومرونة

وفيما يخص توجه الناخبين في فرنسا، ترى فيرجيني مارتن، أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع في كلية كيدج للأعمال إن “مارين لوبان – زعيمة حزب التجمع الوطني (المتطرف) ومرشحه في الانتخابات الأوروبية جوردان بارديلا، يشكلان ثنائيا راسخا ومتكاملا”.

وتقول “لا ننسى أن بارديلا كان بالفعل على رأس القائمة في عام 2019 أيضا. كما أنه لا يجب الاستهانة بنسبة الشباب التي تصوت لصالح التجمع الوطني لأنهم يحبون صورة لوبان في فرنسا، أما بارديلا فهو شخص ينحدر من حي تسكنه الطبقة العاملة ويأتي من تاريخ الهجرة الفرنسية”.

وأضافت في حديث للجزيرة نت أنه في الوقت الذي يحاول فيه حزب لوبان الظهور في صورة أكثر ليونة، أنشأ حزب “فرنسا الأبية” سقفا زجاجيا لنفسه سيضعه مرة أخرى في المرتبة الثالثة بعد قطبي الوسط وأقصى اليمين كما حدث في الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2022.

من جانبه، يعتبر عزوز بقاق، وزير تكافؤ الفرص السابق في عهد دومينيك دوفيلبان، أنه لا يوجد بديل أكثر قوة من الجبهة الوطنية، بسبب سياسة ماكرون التي أراد من خلالها الوقوف في الوسط حتى لا يُحسب على اليسار أو اليمين، مشكلا بذلك ارتباكا شديدا في الأجهزة السياسية الفرنسية.

وتابع بالقول، في حديث للجزيرة نت، إن “القضايا الوحيدة التي توجه تصويت الناخبين الفرنسيين والأوروبيين هي المشاكل مع العرب والمسلمين والهجرة، لأنه تم العمل على تخدير وعيهم منذ سنوات بأخبار مفادها أن هذه الفئة تشكل خطرا على المجتمعات الأوروبية. وإذا سألت أي ناخب في الشارع عن آخر قانون أقره البرلمان الأوروبي لن يستطيع الإجابة”.

ضعف المنافسة

وجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن، مساء الأحد، حل الجمعية الوطنية ودعا إلى انتخابات برلمانية مستعجلة في 30 يونيو/حزيران الجاري، على أن تجرى الجولة الثانية في 7 يوليو/تموز، بعد خسارة معسكره الوسطي أمام حزب التجمع الوطني في انتخابات الاتحاد الأوروبي.

وقال ماكرون في خطابه للأمة “بعد إجراء المشاورات المنصوص عليها في المادة (12) من دستورنا، قررت أن أعطيكم خيار مستقبلنا البرلماني مرة أخرى عبر التصويت”، معتبرا أن النتائج الأولية “ليست جيدة للأحزاب التي تدافع عن أوروبا” وأن “صعود القوميين يشكل خطرا على فرنسا وأوروبا”.

وفي السياق، ينتقد بقاق ما آلت إليه السياسة الفرنسية والأوروبية، معتبرا أن صعود اليمين المتطرف، كما كان متوقعا، لا يعتبر ظاهرة فرنسية فقط، بل هي ظاهرة أوروبية وعالمية.

وقال الوزير السابق إن التخطيط لهذه الحقبة اليمينية المتطرفة في كل أنحاء أوروبا بدأ منذ عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي واشتد عوده أكثر في الجمعية الوطنية مع شعار “إما أن تحب فرنسا أو تغادرها”، لتمتد هذه الموجة إلى هولندا وبلجيكا وألمانيا وغيرها.

وأضاف “أصبحت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني تحت سجادة الديمقراطية الإيطالية لكنها ضد الهجرة ومليئة بخبث العنصرية ضد الإسلام ومن عشاق مذهب موسوليني”.

وفي سياق مشابه، ترى الباحثة في الأحزاب السياسية فيرجيني مارتن، أن اليمين المتطرف الأوروبي خاض المعركة الانتخابية بمفرده، مما يعني غياب المنافسة الحقيقية بين الأحزاب المرشحة للانتخابات الأوروبية.

المرشح الرئيسي لحزب التجمع الوطني الفرنسي جوردان بارديلا (يمين) وزعيمته مارين لوبان (الفرنسية)

عاصفة في أوروبا

ومن المرجح أن تؤدي نتائج الانتخابات الأوروبية إلى إحداث عاصفة داخل المؤسسة السياسية في أوروبا، مع مؤشرات على صعوبات مستقبلية داخل البرلمان الأوروبي لتشكيل الأغلبية المطلوبة لتمرير القوانين أو إنشاء المفاوضات حول قضايا محورية تهم شعوب الاتحاد.

وفي هذا الإطار، تعتبر أستاذة العلوم السياسية مارتن، أن مفهوم “أوروبا الأمم” لن يستمر وستعود دول الاتحاد إلى تحقيق المزيد من السيادة الوطنية، متوقعة تغييرات في المعايير الأوروبية لكل دولة “على سبيل المثال، لن تعقد لوبان اجتماعاتها مع العلم الأوروبي ـوهو رمز للوحدةـ في الخلف”.

أما فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، توضّح مارتن الاختلاف بين توجهات اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية، قائلة إن “حزب مارين لوبان يعتبر يمينا متطرفا اجتماعيا لذا يصوت الكثير من الفقراء لصالحه، وهذا ليس هو الحال بالنسبة للألمان أو المجر مثلا”.

ولا تعتقد المتخصصة في الأحزاب السياسية أن الانتخابات تحدث أي ثورات “لكن إذا حصل الكثير من النواب اليمينيين المتطرفين على مقاعد في البرلمان الأوروبي، فسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تشكيل يقود الاتحاد الأوروبي للتخلي عن فكرة أوروبا الفدرالية وتطبيق سياسات هجرة أكثر صرامة”.

وهو تحليل يدعمه وزير تكافؤ الفرص السابق بقاق مؤكدا أنه “لو كان التصويت إلزاميا، لساعد ذلك في تغيير كل شيء بالنسبة للعرب والمسلمين في أوروبا، على الأقل لمكافحة أهداف اليمين المتطرف بشأن الهجرة. وأرى أن هذا الطيف السياسي سيبسط نفوذه بهدوء لسنوات عديدة ويقطع العشب من تحت أقدام المهاجرين وأطفالهم وكل من يحاول القدوم إلى أوروبا”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *