الخليل- لم تعد المناسبات الدينية والأعياد اليهودية، وبينها عيد الفصح الذي يحل هذه الأيام، مجرد طقوس دينية بحتة، بل صارت تلامس قهرا -وبشكل مباشر- مصالح الفلسطينيين وحياتهم في مختلف محافظات الضفة الغربية.
في هذه الأعياد يستبيح المستوطنون المواقع الأثرية والتراثية وينابيع المياه الطبيعية في مختلف المحافظات، فيما يفرض جيش الاحتلال الإغلاق على المناطق الفلسطينية ويقيد حركة الفلسطينيين، ويمنعهم من الوصول إلى أراضيهم.
ومنذ الاثنين الماضي وحتى الخميس، كانت عشرات هذه المواقع على موعد مع اقتحامات جماعية للمستوطنين.
اقتحام وإغلاق
يوجد في وسط مدينة الخليل جنوبي الضفة، وتحديدا الجزء الذي يُفترض أنه خاضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، بناء قديم به قبر، يقول باحثون من المدينة إن عمره لا يتجاوز 100 عام.
في الأعياد اليهودية، كما حصل أمس الخميس، يقتحم جيش الاحتلال المنطقة، وهي مركز المدينة التجاري، وينتشر القناصة على أسطح المنازل والمتاجر، ويغلق الجيش شارع “بئر السبع” الحيوي لمسافة عدة مئات من الأمتار ويمنع فتح المتاجر وحركة السكان.
بعد الانتشار العسكري تبدأ مجموعات المستوطنين بالوصول إلى المكان المسمى فلسطينيا “قصر حبرون”، وهي تسمية كنعانية، بينما يطلق عليه مستوطنون “كهف أوثينال بن كانس”، وهو واحد من 4 مواقع في وسط الخليل يزعم الاحتلال أنها “أماكن يهودية”.
تستمر هذه الاقتحامات عدة ساعات يتنفس الفلسطينيون الصعداء مع انتهائها، لكن انتشار الجيش الإسرائيلي والمستوطنين يستمر على بُعد عشرات الأمتار حيث البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي المقسم زمانيا ومكانيا بين المستوطنين والفلسطينيين.
المستوطنون يرقصون في المسجد الإبراهيمي في الخليل فيما أغلق المسجد أمام المسلمين في “عيد الفصح”.
خلال عيدهم يستبيح الصهاينة مناطق في الضفة مثل سبسطية والبلدة القديمة في الخليل وبرك سليمان، فحكومتهم تستغل العيد لتهويد الضفة من خلال السياحة والاستجمام. pic.twitter.com/sGGlFF26Ao
— yaseenizeddeen (@yaseenizeddeen) April 25, 2024
تعطيل حياة الفلسطينيين
وبمناسبة عيد الفصح، أُغلق المسجد الإبراهيمي بالكامل أمام المصلين، وفُتح بشكل كامل أمام المستوطنين يومي الأربعاء والخميس الماضيين، وفق ما أعلنته مديرية الأوقاف الفلسطينية في الخليل.
وخلال هذين اليومين، اقتحم آلاف المستوطنين المسجد وانتشروا بكثافة في باحاته، في وقت يستمر فيه فرض حظر التجول على الفلسطينيين بمحيطه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي مع اندلاع الحرب على غزة، وسط إجراءات تصبح أكثر شدة مع حلول الأعياد.
وانتشرت على منصات التواصل مقاطع فيديو لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهو من سكان مستوطنة كريات أربع في المدينة، يشارك في حفلات ورقصات في ساحات المسجد.
في بلدة السموع إلى الجنوب من الخليل أيضا، اعتاد جيش الاحتلال اقتحام مركز البلدة وإغلاقه وتعطيل حياة السكان لتأمين اقتحام المستوطنين لبناء أثري روماني لا علاقة له باليهود، وفق نائب رئيس البلدية بدر حوامدة.
وأضاف حوامدة للجزيرة نت، أن البلدة محاصرة بشكل شبه كامل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويواجه السكان صعوبات كبيرة في التنقل، وفي ظل هذا كله يتم اقتحام القرية بشكل متكرر وإطلاق الرصاص والقنابل الغازية من أجل تأمين وصول المستوطنين للمكان.
وما تغير بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أن الاقتحامات باتت متكررة وأن الجيش بات أكثر عنفا، وأن أعدادا كبيرة من المستوطنين بل والإسرائيليين من داخل إسرائيل، شاركت فيه، كما جرى في عشرات المواقع الأثرية بالضفة الغربية، وأبرزها منطقة سبسطية الأثرية شمال مدينة نابلس.
أدوا فيه طقوسا تلمودية.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا في بلدة سبسطية شمال غرب مدينة نابلس، بحماية مشددة من جيش الاحتلال
| تقرير: ليث جعار #الأخبار #حرب_غزة pic.twitter.com/P4pFb2otPc— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 26, 2024
أهداف سياسية
يقول مسؤول العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، إن الملاحظ في فترات الأعياد اليهودية مؤخرا هو كثرة اقتحام المواقع الأثرية والطبيعية بما في ذلك ينابيع المياه، وهذا ما حدث أيضا في بلدة سبسطية بشكل لافت حتى أصبحت الاقتحامات شبه يومية.
وأشار إلى طرد السكان والمزارعين والمواطنين الفلسطينيين في كل اقتحام، لهدف مركزي هو محاولة فرض السيطرة عليها. وذكر أبو رحمة أن الاقتحامات المتوالية تتم بالتوازي مع نشر البؤر الاستيطانية وأوامر المصادرة العسكرية للأراضي والجبال وتهدف إلى ترسيخ السيطرة على مناطق بعينها.
ويشدد المسؤول الفلسطيني على أن المعالم والآثار المستهدفة بالاقتحامات لا تمت لليهود وتاريخهم وديانتهم بأي صلة، إنما في معظمها إما مناطق أثرية رومانية أو كنعانية وحتى مقامات إسلامية. وأشار إلى إطلاق أسماء عبرية على بعض المواقع هي بالأصل أسماؤها الكنعانية.
ويقول إن الاقتحامات تتركز على مناطق عديدة بذرائع مختلفة، لكن جوهرها أن الاحتلال ينظر إليها من زاوية الأهمية الجغرافية ومواقعها لتكون حلقة أخرى في إحكام السيطرة على الأراضي سواء كان تحت عناوين أثرية أم طبيعية أم دينية.
وتوجد في فلسطين عشرات آلاف المواقع التراثية والمعالم الإسلامية، لكن أغلبها يقع في المنطقة المصنفة “ج” وفق الاتفاقيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وهي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، مما يحد من التدخلات الفلسطينية سواء لترميمها أو حمايتها.