الإدارة المدنية من جديد.. هكذا كانت تدير إسرائيل حياة الفلسطينيين قبل أوسلو

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

رام الله- في عام 1984، اضطر الفلسطيني “فوزي الأسعد” للتظاهر بالمرض ودخوله مستشفى رفيديا في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، كعذر لغيابه عن حفل نُظم في المدرسة التي كان يديرها، بسبب مشاركة قادة ضباط الاحتلال الإسرائيلي في الإدارة المدنية الإسرائيلية. وقرر الحاكم العسكري الإسرائيلي فصله من عمله ومنعه من العمل في كل المدارس الخاصة، بعد معارضته خطة روابط القرى الإسرائيلية التي تأسست في قريته عصيرة الشمالية، ورفضه التعامل معها.

لم يكن ذلك عقاب فوزي الأسعد الوحيد، حيث لاحقه الاحتلال لسنوات ومنعه من السفر، وتأخر حصول أبنائه على البطاقة الشخصية لأعوام.

ابتزاز مقابل الخدمات

ويدفع كل فلسطيني يرفض التعامل مع الاحتلال وأنظمته هذا الثمن الباهظ، حيث كانت إسرائيل تسيطر على مفاصل الحياة الفلسطينية بالكامل، وتستخدم خدماتهم اليومية ورقة ضغط وابتزاز لكل من يعارضها أو يقاوم.

يتحدث الناشط السياسي عمر عساف -للجزيرة نت- عن تلك المرحلة الصعبة منذ احتلال إسرائيل لما تبقى من أراضي فلسطين، خلال حرب الأيام الستة في 1967 حتى 1995 عندما تسلمت السلطة الفلسطينية الحكم.

يتذكر عساف تقدمه -بعد زواجه- بطلب لتركيب خط هاتف أرضي في بيته، وكيف تفاجأ برفض طلبه “لأسباب أمنية” رغم قرب المقسم الرئيس في مدينة رام الله من منزله.

اعتقل 10 مرات معظمها إداريا وصدر في 1992 قرار بإبعاده للخارج، لكن تم تجميد قرار الإبعاد مع تطبيق اتفاقية أوسلو، ووُضع على قائمة سوداء، ومُنع من السفر طيلة 32 عاما ، وامتدت العقوبات لتصيب عائلته.

ويضيف عمر عساف، “كنت كلما أخرج من السجن وأتسلم بطاقتي الشخصية أجدها مميزة بأختام، للدلالة على أني ملاحق أمنيا، وغُيّر لونها لتمييز المعتقلين عن بقية المواطنين”، مما كلفه معاناة كبيرة على الحواجز العسكرية، أو في المرافق الخدماتية.

الناشط الفلسطيني عمر عساف اعتقل 10 مرات معظمها إداريا (الجزيرة)

حكم عسكري

بعد احتلال إسرائيل لما تبقى من فلسطين في 1967، فرضت نظام الحكم العسكري، وحلّت جميع الدوائر والمؤسسات والبلديات والهيئات والمنظمات الرسمية والشعبية، وحظرت الأحزاب السياسية، وأصدرت قوانين وأوامر عسكرية لتكريس “سياسات الأمر الواقع”.

كما ربطت جميع المؤسسات الخدمية والتعليمية والزراعية والتجارية والصناعية والصحية والإدارية المتصلة بحياة الفلسطينيين، بضباط ارتباط من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” يتحدثون العربية.

يوضح الباحث في التاريخ الشفوي الفلسطيني حمزة عقرباوي -للجزيرة نت- أن بداية عمل هؤلاء الضباط كانت دراسة كل هذه القطاعات وفصل الموظفين فيها وتعيين آخرين، والاتصال بالقيادات المحلية من المخاتير ومسؤولي العشائر.

ويضيف أن وجود الاحتلال كان في قلب المدن والقرى الفلسطينية، “فضابط المخابرات كان ينهي التحقيق مع الشبان، ثم يجلس في المقاهي الفلسطينية، وتأسس في كل مدينة مقر للحاكم العسكري -مقار المقاطعة الحالية- ومكاتب متعددة للتعليم أو الصحة والتسجيلات المدنية، التي يرأسها ضباط مخابرات، ويعمل بها موظفون إسرائيليون وفلسطينيون أيضا”.

واستخدمت إسرائيل قطاعي التعليم والصحة للضغط على الفلسطينيين، فكان أي طالب أو معلم يُعتقل، يفصل بشكل فوري، إلى جانب منع الحصص المدرسية التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، رغم أن المنهاج المعتمد حينها كان الأردني.

ومن مظاهر ابتزاز الفلسطينيين -أيضا- السفر للخارج، حيث كان الفلسطيني يسافر من خلال معبرين “الإسرائيلي والأردني”، ويسافر من يحمل جواز السفر الأردني عبر تصريح خاص تصدره الجهات الإسرائيلية، وكان على من لا يحمل جواز سفر استصدار وثائق مرور لمن ليس لديهم جنسية محددة، ولا يحملون جواز سفر.

ويقول العقرباوي إن هذه التصاريح كانت محددة المدة وكان كل من يتجاوزها يفقد هُويته الفلسطينية، ويمنع من العودة إلى فلسطين، وفقد كثيرون ممن كانوا يدرسون في الخارج فرصهم بالدراسة بسبب عدم تمكنهم من السفر.

الباحث في التاريخ الشفوي الفلسطيني حمزة عقرباوي: استخدمت إسرائيل قطاعي التعليم والصحة للضغط على الفلسطينيين
العقرباوي: استخدمت إسرائيل قطاعي التعليم والصحة للضغط على الفلسطينيين (وسائل التواصل)

نقطة تحول

وحسب العقرباوي، كانت كل هذه الإجراءات “تجري دون أي مواجهة منظمة من الفلسطينيين، حيث عاش الفلسطينيون خلال السنوات الأولى صدمة الهزيمة، ولكن نقطة التحول الأولى كانت في 1976 عندما بدأ نشاط الحركة الوطنية في الخارج، وتشكيل أول قائمة وطنية لخوض الانتخابات البلدية”.

ودفعت نتائج هذه الانتخابات، وجرائم الاحتلال، وتوقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، والجرائم التي ارتُكبت في لبنان، الفلسطينيين إلى المواجهة.

وكان الرد الإسرائيلي لمواجهة ذلك بإنشاء “روابط القرى” التي طرحت فكرتها لأول مرة في 1976 وطُبقت على مراحل في مختلف مناطق الضفة الغربية.

وتقوم فكرتها على تعيين قيادات محلية في القرى بهدف معلن، وهو “حل الخلافات ومساعدة المزارعين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية”، إلا أن الهدف الحقيقي كان “دعم سيطرة الاحتلال وخلق قيادة فلسطينية تابعة له”.

حاول قادة روابط القرى السيطرة على مفاصل حياة الفلسطينيين، مدعومين بالمال والسلاح والامتيازات من الاحتلال، ولكنها جوبهت برفض كبير من الفلسطينيين الذين عانوا من ممارساتها حتى حلها في 1984.

أنشأ الاحتلال -آنذاك- الإدارة المدنية (أكتوبر/تشرين الأول 1981) عبر جهازي إدارة منفصلين، واحد لقطاع غزة، والآخر للضفة الغربية.

وتهدف هذه الإدارة إلى “إدارة الشؤون المدنية في المنطقة، من أجل رفاهية السكان، وتوفير الخدمات العامة وإدارتها، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لتوفير الإدارة المنظمة، والنظام العام في المنطقة”.

ونالت الإدارة المدنية كل صلاحيات الجيش الإسرائيلي المدنية، وشملت 3 فروع وضمت موظفين ضباطا عسكريين ومدنيين، على رأسهم المنسق ومكتبه في وزارة “الجيش”، ويتبع لوزير جيش الاحتلال مباشرة.

يوضح الباحث في تاريخ فلسطين المعاصر عوني فارس، أن “كل قطاع كان يرأسه ضابط، ويتبع بشكل مباشر لقادة الإدارة المدنية، وكل فلسطيني يقدم طلب ترخيص أو توظيف كان يقابل في مقر الإدارة المدنية”.

ويقول -للجزيرة نت- “كانت عملية ربط كاملة لمفاصل حياة الفلسطينيين، تحقيقا لسياسة الإخضاع والسيطرة”.

عودة الإدارة المدنية

وبتأسيس السلطة الفلسطينية، انتقلت كل مهام الإدارة المدنية إلى الوزارات والهيئات التي أسستها السلطة، وكان المخطط أن يتم حل الإدارة المدنية، ولكن ما حدث هو تقليص عدد العاملين، وإبقاء بعض الصلاحيات السيادية بيدها، كتسجيل الفلسطينيين، وإصدار بطاقات الهوية، ورخص القيادة، وإصدار الأوامر، والبيانات العسكرية.

وبدأت هذه الإدارة منذ سنوات توظيفا جديدا لهيأتها واستعادة مزيد من الصلاحيات، التي ربطها الباحث في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد “بنيات إسرائيل لضم الضفة الغربية”.

“ولعل النشاط الذي يفعله المنسق، رئيس الإدارة المدنية، والتعامل المباشر مع الفلسطينيين في قضايا التصاريح خير تجسيد لهذه العودة، إضافة إلى العمل في بعض المشروعات التي تحتاج إلى تصاريح إسرائيلية -الواقعة ضمن أراضي جيم التي تسيطر عليها إسرائيل إداريا وأمنيا- مع المجالس المحلية بشكل مباشر، دون عودة إلى التنسيق من خلال السلطة، كما ينص اتفاق أوسلو”، حسب الباحث عادل.

ويقول -للجزيرة نت- إن “استعادة دور الإدارة المدنية يأتي منسجما مع توجهات القيادة الجديدة في إسرائيل، التي تسعى لضم المستوطنات، وإنهاء حل الدولتين، وإعادة هندسة دور السلطة، بما يوائم رؤيتها الأمنية”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *