القدس المحتلة- عادت عقدة العقد الثامن إلى دوائر النقاش في الساحة الإسرائيلية مع استمرار الحرب على غزة لتكشف التداعيات الأولية لمعركة “طوفان الأقصى” على الهوية الإسرائيلية الجماعية، وتقويض الأمن الشخصي وانهيار النظرية الأمنية بهذا المجتمع.
وشكلت “طوفان الأقصى” -التي شنتها حماس بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023- محطة فارقة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي مع تآكل ردع المقاومة الفلسطينية، والإخفاق بالإنذار المبكر تجاه هجماتها، وغياب صورة الانتصار، والفشل في الحسم السريع بالمواجهات العسكرية مع الفصائل الفلسطينية.
هذه التقديرات والقراءات استعرضها بايغا شوحط، وزير المالية الأسبق في عهد حكومة إسحق رابين، في حوار مع “ملحق السبت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، حيث وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحمله مسؤولية الفشل بمنع الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على مستوطنات “غلاف غزة” والنقب الغربي، وفتح باب الصراع مع الفلسطينيين على مصراعيه.
ويعتبر الوزير السابق عراب الاتفاقيات الاقتصادية المنبثقة من اتفاق أوسلو، ومهندس العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، علما بأنه كان من أوائل الإسرائيليين الذين وضعوا حجر الأساس للمشروع الاستيطاني في قطاع غزة خمسينيات القرن الماضي.
الحاضر والمستقبل
اليوم، ومع اندلاع “طوفان الأقصى” يشير شوحط (87 عاما) يشير إلى أنه ينظر إلى الماضي بشوق، وإلى الحاضر بغضب. ويقول “لقد استسلم نتنياهو للابتزاز، فالمليارات تذهب إلى أشياء لا تساهم في الاقتصاد، إذا استمر الانقسام وتوزيع الميزانيات على الأحزاب المشاركة بائتلاف الحكومة، فهذا هو الخطر على وجودنا”.
وعندما كان عمره 20 عاما، وصل شوحط الذي أنهى الخدمة العسكرية بالجيش حديثا، إلى كيبوتس “ناحال عوز” القريب من مدينة غزة، ويقول “كنا نعيش تحت القصف، لم يستسلم المصريون، لقد دمروا اقتصادنا في الكيبوتس، كنا نهرب إلى الملاجئ طوال الوقت”.
ويقول شوحط في مذكراته “بين الصحراء والكنز” التي نشرها قبيل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي “احتل المصريون القطاع، وبعد ذلك أعادوه. ثم ساد الهدوء لسنوات قليلة” ويصف الفترة القصيرة هناك بأنها “أيام حرب وسلام في ناحال عوز”.
ويضيف “في مارس/آذار 2022، ذهب جميع الأصدقاء الذين أسسوا المشروع الاستيطاني في غزة، وبعضهم ما يزالوا على قيد الحياة، إلى غلاف غزة للزيارة. كنا ضيوف الكيبوتس، لقد رأينا الخط الحدودي، لكننا لم نتخيل قط أن ما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول يمكن أن يحدث”.
شرخ وتدمير
واستعرض شوحط استنتاجاته من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، قائلا “أعتقد أن الحدث دراماتيكي على مستوى عال للغاية، لقد قوّض وهز شيئا ما بالمفهوم الأمني الإسرائيلي بأكمله والثقة الكبيرة التي كانت لدينا. أنا لا أقول إننا يجب أن نستسلم، لكنني أقول إننا على مفترق طرق رئيسي، خصوصا في ظل الشرخ الذي تسببت به الإصلاحات بالجهاز القضائي ونهج وسياسات حكومة نتنياهو”.
وأضاف أن “نتنياهو يدفع أثمانا غير معقولة سواء في السياسات الاقتصادية، أو في الموازنة العامة، هذا الشيء يجب أن يتغير لأنه خطر كبير جدا على وجودنا هنا”.
وردا على سؤال: هل يجب أن يرحل نتنياهو؟ قال “ليس هناك شك إطلاقا. عشية العقد الثامن في حال دُمِّر الهيكل الثالث -بالإشارة إلى دولة إسرائيل- فسيتم تسجيل ذلك باسم نتنياهو الذي يوظف الحرب لأهدافه السياسية الشخصية، إنه كارثة لا توصف لإسرائيل، الأمر ببساطة فظيع جدا”.
خطيئة وفساد
وتحدث شوحط عن أوائل تداعيات “طوفان الأقصى” مع أداء حكومة اليمين المتطرف خلال الحرب بكل ما يتعلق في القضايا الإسرائيلية الداخلية سواء الاقتصادية أو التشريعات والإصلاحات القضائية، مضيفا أن الخطر يهدد استمرار المشروع الصهيوني وخاصة في حال استمر الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي.
وأضاف “إذا استمرت سياسة التفضيل القطاعي في المجتمع الإسرائيلي، وإن كل شيء مسموح العمل والقيام به، فأموال وميزانيات الائتلاف لضمان استمرار الحكومة بمثابة الخطيئة الأصلية التي ارتكبها بتسلئيل سموتريتش وشركاه: أقاموا 6 أو 7 وزارات غير ضرورية تلقت مليارات الشواكل مع آلاف الموظفين الذين لا حاجة إليهم، وهذا خلف وضعا غير معقول، ووصل إلى عالم الفساد”.
وأوضح شوحط أن المليارات تخصص الآن إلى التعليم الديني التوراتي الذي لا يوفر التعليم الأساسي، ولا يعطي أي شيء للاقتصاد الإسرائيلي، ولا يطور إمكانات وقدرات الناس وأفراد المجتمع، قائلا “تحدث أشياء فظيعة، كل ذلك من أجل الحفاظ على الحكومة”.
خلاف وكراهية
ويرى أن تصاعد قوة اليمين المتطرف الذي وصفه بـ”المجنون” وتغلغل القومية اليهودية المسيحانية بالمجتمع الإسرائيلي يشكل خطرا على وجود إسرائيل، قائلا ” لم يتم تأسيس الحركة الصهيونية من أجل بناء الهيكل، وعندما هاجر والدي عام 1925 إلى فلسطين، وكان عمره 17 عاما، جاء ليبني إسرائيل، وليس المعبد”.
ويقول شوحط “بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول أعترف بأنني أشعر بقلق أكبر من أي وقت مضى، وأيضا بسبب الخلاف الداخلي والكراهية التي رسخها نتنياهو الذي أصبح حامل راية الانقسام الطائفي بين اليهود، لقد أصبحت أداة سياسية للحصول على الأصوات”.
وتعليقا على الحملة التي يقودها نتنياهو ضد اتفاقية أوسلو، التي اعتبرها “كارثة كبرى” أدت إلى أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، قال شوحط “هذا مجرد هراء كبير.. كنا ندير الضفة الغربية وقطاع غزة، ونعلّم ملايين من العرب هناك، وقدمنا لهم الخدمات، لكنهم لم يريدونا، شيئا فشيئا تطورت المقاومة هناك، من المستحيل أن نتصور وضعا سنبقى فيه نسيطر على 7 ملايين عربي بين البحر والنهر، ونحن 6 إلى 7 ملايين يهودي، هذا لا يمكن أن يستمر”.