أوريان 21: الانتخابات الأوروبية تشريح لـ”فزاعة الهجرة”

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

في الوقت الذي صعدت فيه الحركات اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأوروبية تستمر قضية الهجرة تثار كتهديد من قبل طيف سياسي واسع وبشكل متزايد، ولا تزال أوروبا تزيد تحصين نفسها مرسلة إلى الموت من يفرون إليها من الحروب والقمع وتغير المناخ وعدم الاستقرار الاقتصادي.

بهذه المقدمة افتتح موقع “أوريان 21” الفرنسي مقالا للمحررتين سارة قريرة ومارين بيكيت استعرضتا فيه كتابين، الأول للفيلسوف الفرنسي بيير تيفانيان والخبير القانوني البلجيكي جان تشارلز ستيفنز حاولا فيه تفكيك النهج الأوروبي لقضية الهجرة من الناحيتين النظرية والميدانية، والآخر للمصور الصحفي الفرنسي لويس ويتر.

وانطلق المقال من العبارة الشائنة -حسب وصف الصحفيتين- التي كتبها رئيس الوزراء الفرنسي السابق ميشيل روكار عندما قال “لا يمكننا استيعاب كل البؤس في العالم”، وقد استعادتها ماريون ماريشال حفيدة جان ماري لوبان والنائبة عن حزب التجمع الوطني اليميني الفرنسي المتطرف في حديث لها عن الانتخابات الأوروبية.

تفكيك الخطاب

وفي مخالفة للخطاب السائد بشأن سياسة الهجرة الفرنسية والأوروبية جعل بيير تيفانيان وجان تشارلز ستيفنز مهمتهما تفكيك هذه الصيغة السحرية كلمة كلمة بعد أن أصبحت عنوانا لإطلاق المزيد من السياسات القمعية، ووضعا شبه دليل يزود القراء بترسانة من الحجج البلاغية والسياسية والقانونية لمواجهة مثل هذه التأكيدات المضللة التي فاز اليمين المتطرف بإسكات النقاش بشأنها.

وبشكل قاطع، حلل تيفانيان -الذي شهدت كتاباته لسنوات عدة على التزامه المناهض للعنصرية- وستيفنز -الذي عمل 10 سنوات في جمعيات عدة تدافع عن حقوق الأجانب- خطاب الهجرة برمته في أوروبا بالاعتماد على الإحصائيات والدراسات المتاحة، بما في ذلك بعض ما نشرته منظمات رسمية.

واعتمد تيفانيان وستيفنز مصطلح “لاجئ” للإشارة إلى جميع الأجانب الذين وصلوا إلى الأراضي الأوروبية، لأنه مهما كان الوضع القانوني لهؤلاء الأشخاص فإن دافعهم للهجرة هو العثور على ملجأ للاحتماء من خطر أو تهديد، سواء كان “سياسيا” أو “اقتصاديا” أو في الأغلب هما معا.

وفي عبارة رئيس الوزراء الفرنسي السابق يدمج روكار باستخدام البناء للمجهول أو ضمير المتكلم الجمع مجتمعا أوروبيا بأكمله مع أصحاب السلطة السياسية، لمواجهة مجتمع آخر يختزل ببساطة في عبارة “البؤس” دون أن يكون له اسم أو جنس أو وجه، وليشكل آفة يجب إبقاؤها بعيدا عن حدود أوروبا، مما يظهر أن هذه العبارة معادية للأجانب وتجب إدانتها قبل كل شيء.

وتساءل الموقع عن حجم هذا “البؤس العالمي” الذي يهدد بالهبوط على القارة العجوز ويهدد رفاهية سكانها وعيشهم معا، ليعود مع تيفانيان وستيفنز إلى الأرقام لإظهار الفجوة بين الخطاب السياسي الكارثي والواقع.

فحسب تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعامي 2021 و2023، فإن بلدان الجنوب هي التي تستقبل “الأغلبية العظمى (أكثر من 73%) من اللاجئين”، مما يستبعد “موجة المد” التي تثيرها باستمرار أحزاب تشمل ما هو أبعد من اليمين الأوروبي المتطرف التقليدي، ويظهر أن البلدان الأكثر ثراء ليست هي التي تتحمل معظم “العبء” رغم قدرتها التي أثبتتها أزمة اللاجئين الأوكرانيين.

منظر عام لمخيم غابة كاليه في فرنسا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (الأوروبية)

بين القمع والربحية

ومع عبارة “استقبال” تغرس في الأذهان وجود سياسة رعاية تشمل جميع اللاجئين الذين وصلوا إلى الأراضي الفرنسية فإن ما يتم إخفاؤه هو أن الأمر ليس أكثر من “ترك الأشخاص الذين يصلون دون مطاردتهم مثل قطاع الطرق أو حبسهم واحتجازهم”، لتتساءل الكاتبتان: لماذا الإصرار على المنع بالقانون أو تدخل سلطات إنفاذ القانون، وليس التضامن مع اللاجئين وإدماجهم المهني في النسيج الاجتماعي؟

أما الآن فالهجرة الوحيدة المقبولة كما تذكرنا رئيسة القائمة في الانتخابات الأوروبية فاليري هاير فهي تلك التي تتعلق بـ”الوظائف تحت الضغط”، وتكييف تنقل الأفراد مع القيمة السوقية الربحية مقابل التكلفة الباهظة لسياسات الهجرة القمعية الأوروبية.

وخلص كتيب “الجيب الصغير” -الذي كتبه تيفانيان وستيفنز- إلى أن عناصر لغة اليمين المتطرف التي كانت من المحرمات قبل 20 عاما يتبناها الآن من يدعون أنهم يقطعون الطريق على المعادين للمهاجرين تفاديا لخطر موجة ستدنس القارة الأوروبية.

نقطة التثبيت الصفرية

بدوره، يسلط المصور الصحفي لويس ويتر في كتابه “لا باتو.. الدولة والشرطة والأجانب” الضوء على المطاردة المستمرة للأشخاص “المنفيين” في مدينتي كاليه ودونكيرك الفرنسيتين، موضحا أنه اختار مصطلح المنفيين بدل “المهاجرين”، لأن “هؤلاء الرجال والنساء تركوا أحباءهم وانتزعوا أنفسهم من جذورهم ليقيموا في المنفى”.

وأشار إلى أن هذه المطاردة تسميها إدارة الشرطة “نقاط التثبيت الصفرية”، والهدف منها هو ثني المنفيين عن الاستقرار وإعادة التجمع بعد تفكيك “غابة كاليه” أكبر حي فقير في أوروبا عام 2016، حيث أصبحت إستراتيجية السلطات هي إخفاء آثار هؤلاء عند الحدود الفرنسية البريطانية.

ومن خلال توثيق انتظام عمليات الطرد كل 48 ساعة أثبت المؤلف أن عمليات الصيد في الصباح الباكر وتمزيق الخيام ومصادرة الأمتعة الشخصية وحظر توزيع الطعام والماء ثمرة سياسة مدروسة ومتقنة، وبالفعل دخلت الترسانة الشرعية للحكومات المتعاقبة ضد المنفيين لتصبح خطا سياسيا مقبولا.

خيارات ليست بخيارات

ويوضح الكاتب أن فرنسا تعاقدت من الباطن مع المملكة المتحدة لمنع المنفيين من عبور القنال الإنجليزي ولكنها تمنعهم في الوقت نفسه من البقاء، وتقترح عليهم إنسانيا الإقامة في مدن غير كاليه رغم أن فرنسا لم تكن وجهتهم مطلقا، وترصد لهم موارد للحزم (أخذ الحيطة والحذر) والإنسانية، ولكن الكاتب يشير إلى أن 85% من الموارد للحزم و15% فقط للإنسانية.

وإذا كانت فرنسا تسمي إستراتيجيتها “نقاط التثبيت الصفرية” فإن إستراتيجيات مماثلة تقوم في العديد من دول الاتحاد الأوروبي والبلدان الواقعة على حدوده كالمغرب وتونس وليبيا “لمحاولة احتواء المنفيين الوافدين أو منعهم من الانتقال إلى الأراضي الأوروبية، وأحد أوجه التشابه مع الحدود الفرنسية البريطانية هو استخدام الشرطة”، يقول لويس ويتر “الشرطة تأتي أولا ثم القانون”.

ولدى الاتحاد الأوروبي قوة أوروبية مسؤولة عن السيطرة على تدفق الهجرة وقمعها، وهي الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) التي تتمتع بأفضل الموارد بميزانية مخصصة تبلغ نحو 500 مليون يورو، وكما هو الحال في كاليه فإن “الحزم” له الأسبقية على “الإنسانية”.

وخلص لويس ويتر إلى أن مدينة كاليه ترمز إلى ما يمكن أن تفعله البلاد على حدودها في أسوأ حالاتها وما يمكن أن يفعله مواطنوها في أفضل حالاتهم، إذ إن هناك دولة استبدادية تسيء المعاملة، ولكن مقابل آلاف الأفراد المستعدين للعمل بشكل يومي لمساعدة الأجانب الباحثين عن ملجأ.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *