أسباب وتداعيات اغتيال حقاني

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

كابل– في يوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، شهدت العاصمة الأفغانية كابل تفجيرًا انتحاريًا داخل مبنى وزارة شؤون المهاجرين أودى بحياة خليل الرحمن حقاني، وزير شؤون المهاجرين في حكومة تصريف الأعمال التابعة لحركة طالبان.

يُعتبر هذا الاغتيال حدثًا ذا أهمية، ليس فقط بسبب موقع خليل الرحمن السياسي، ولكن أيضًا لكونه شخصية محورية في حركة طالبان وداخل فصيل شبكة حقاني، وهي إحدى أبرز الفصائل داخل حركة طالبان.

ويشكل هذا الحادث أيضا تحديا لاستقرار الحركة ويثير تساؤلات حول تداعياته على المشهد الأمني والسياسي في أفغانستان.

واشنطن صنفت خليل الرحمن حقاني (يمين) إرهابيا عالميا في عام 2011 (الفرنسية)

مَن حقاني؟

خليل الرحمن حقاني الذي اغتيل في عمر تجاوز السبعين عاما هو من مواليد ولاية بكتيا في الجنوبي الشرقي من أفغانستان، وينتمي إلى قبيلة “زدران” البشتونية التي تسكن المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وهو كبير عائلته التي لها تأثير كبير في حل النزاعات القبلية ومعالجة القضايا على المستوى المجتمعي.

كما أنه أحد القادة الكبار داخل حركة طالبان، وهو عم سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الحالي وزعيم ما يسمى بشبكة حقاني والأخ الأصغر للراحل الشيخ جلال الدين حقاني أحد القادة الكبار للمجاهدين في مقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي.

ويعرف عن أسرة جلال الدين حقاني في أفغانستان أنها قادرة على الصفح عن الأعداء والخصوم و فتح أبواب جديدة في العلاقات.

عُرف خليل الرحمن حقاني بدوره القيادي في العمليات العسكرية والشؤون التنظيمية خلال الجهاد الأفغاني ضد السوفيات وأيضا داخل جناح حقاني في حركة طالبان أثناء مقاومتها ضد القوات الأميركية والناتو خلال السنوات العشرين من الغزو الأميركي لأفغانستان.

وكان يُعتبر أحد الجسور التي تربط بين القيادة التقليدية لطالبان والفصيل العسكري المسمى بجناح حقاني، كما كان حريصا على المصالحة والتفاهم مع معارضي طالبان مستفيدا من اتصالاته الواسعة مع مختلف الأطراف الأفغانية، الأمر الذي جعله يقوم بدور الوساطة في تقريب وجهات النظر وفض الخلافات والنزاعات ودعوة المعارضين لحكم طالبان إلى العودة إلى أفغانستان.

ولعب حقاني دورًا رئيسيًا في إدارة شؤون المهاجرين بعد عودة طالبان إلى السلطة، حيث تسلّم  ملف إحدى أكثر القضايا تعقيدًا في أفغانستان كوزير لشؤون المهاجرين والعائدين.

ولجناح حقاني، الذي كان خليل الرحمن حقاني الشخصية الثانية في قيادته، تاريخ طويل من العمليات العسكرية المعقدة خاصة في مجال حرب العصابات، بما في ذلك هجمات بارزة ضد قوات حلف الناتو والقوات الأفغانية قبل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس/آب 2021، وتعتبر هذه الشبكة حجر الزاوية في بنية نظام طالبان العسكري.

ونظرا لأهمية خليل الرحمن حقاني في مواجهة الغزو الأميركي، أعلنت الولايات المتحدة في عام 2011 حقاني كـ”إرهابي عالمي” مُصنَّف بشكل خاص، ووضعت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار على رأسه.

أسباب الاغتيال

أعلنت وسائل الإعلام التابعة لتنظيم الدولة مسؤوليتها عن التفجير الذي أودى بحياة الوزير خليل الرحمن حقاني داخل مجمع وزارة شؤون اللاجئين في وسط كابل، والذي نفذه انتحاري انتحل صفة شاب مصاب بكسر في اليد يطلب مساعدة الوزير ثم فجر نفسه بحزامه الناسف.

وأكد ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة تصريف الأعمال في بيان، أن “الخوارج” هم من نفذوا عملية اغتيال حقاني. وتستخدم حركة طالبان مصطلح “خوارج” لوصف مقاتلي تنظيم الدولة – خراسان.

ويعتبر تنظيم الدولة – خراسان، وهو العدو الرئيسي لطالبان، الهجمات على الشخصيات البارزة وسيلة لإضعاف الحكومة وإظهار فشلها في تأمين البلاد، واغتيال حقاني قد يكون جزءًا من إستراتيجية أوسع للتنظيم لاستهداف قادة طالبان البارزين.

بعد سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس/آب 2021، واصل تنظيم الدولة – خراسان عملياته ضد النظام الجديد، ورغم أن التفجيرات الكبيرة أصبحت قليلة مقارنة مع السابق، فإن التنظيم تبنَّى العام الماضي الهجوم الذي أودى بحياة والي طالبان في ولاية بلخ الشمالية. وبعد بضعة أشهر، تم اغتيال نائب والي ولاية بدخشان الواقعة في شمال شرق أفغانستان.

ويعتقد بعض المراقبين أن تنظيم الدولة يُعد أحد أبرز المستفيدين من زعزعة استقرار طالبان، لأن التنظيم الذي يروج لنفسه كبديل لها، يسعى لاستغلال أي ضعف داخل الحركة لتعزيز موقعه، والاغتيال الأخير قد يكون إشارة واضحة إلى عودة التنظيم إلى إستراتيجياته التقليدية المتمثلة في استهداف القادة الكبار في حركة طالبان، مما سيضع الحركة أمام اختبار جديد لقدرتها على إدارة البلاد وتماسكها الداخلي.

تشير بعض التقارير إلى وجود انقسامات بين الأجنحة المختلفة لطالبان، فمنذ عودتها إلى الحكم تواجه الحركة تحديات في الحفاظ على وحدة صفوفها بين المعتدلين الذين يسعون لتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي، والتعامل المرن مع الملفات الداخلية، مثل مشكلة منع تعليم وعمل المرأة، والجناح المتشدد في الحركة بقيادة زعيمها الشيخ هبة الله آخوند زاده الذي يرفض تقديم أي تنازلات سواء في القضايا الداخلية أو العلاقات مع الخارج.

وكان خليل الرحمن حقاني يصنف بأنه من التيار المعتدل داخل قيادات الحركة، ويرى بعض المحللين أن حقاني بسبب شبكته القوية وعلاقاته الواسعة ومواقفه المعتدلة مقارنة بغيره من قيادات طالبان، ربما كان يُنظر إليه كتهديد من قبل بعض الشخصيات والأجنحة داخل الحركة.

تورط أطراف خارجية

القوى الإقليمية والدولية قد يكون لها دور في هذا الحدث، خاصة إذا كان هناك طرف مستفيد من إضعاف أو زعزعة استقرار حكومة طالبان.

وفي كلمة له في مراسم دفن الوزير خليل الرحمن حقاني، أشار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أمير خان متقي إلى احتمال وجود أياد خارجية وراء الاغتيال قائلا “إن الدول التي تمنح المأوى والدعم للخوارج ستحترق بنار الفتنة التي أشعلوها”.

وفي إشارة إلى دول خارجية دون ذكر اسمها، قال متقي “إن الهجمات التي شنتها عناصر داعش في أفغانستان خلال العام الحالي تم التخطيط لها خارج أفغانستان”.

ويذكّر هذا التصريح من وزير الخارجية الأفغاني بما سبق أن اتهمت فيه كابل إسلام آباد بأن تنظيم الدولة يستخدم أراضيها للقيام بأعمال إرهابية في أفغانستان.

يقول الصحفي الباكستاني المقرب من السلطات في إسلام آباد، حسن خان، إن “اتهام الأطراف الخارجية بالتورط في اغتيال خليل الرحمن سابق لأوانه، وكان ينبغي أن ينتظر الوزير الأفغاني نتيجة التحقيقات في مقتل زميله في حكومة تصريف الأعمال”.

التداعيات المحتملة

ورغم نفي المسؤولين في طالبان وجود أي يد داخل الحركة في اغتيال خليل الرحمن حقاني، يقول شخص مقرب من حركة طالبان في كابل للجزيرة نت فضل عدم ذكر اسمه: “إذا تبين وجود تورط داخلي في الحادث، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد الانقسامات داخل الحركة، وقد يضعف قدرة طالبان على إدارة البلاد بشكل موحد”.

ويعزز هذا الاحتمال طبيعة شخصية خليل الرحمن حقاني الذي كان يمثل عنصر توازن داخل حركة طالبان بشكل عام وداخل جناح حقاني بشكل خاص، ولا شك أن فقدانه قد يترك فراغًا في القيادة ويؤدي إلى إعادة ترتيب الأدوار، وربما ظهور صراعات على السلطة داخلها.

كما أن حادث اغتيال بهذا المستوى قد يؤدي إلى إعادة تقييم طالبان لسياساتها الأمنية، وربما يزيد من مستوى القمع الداخلي لمحاولة ضبط الأوضاع، خاصة أن نجاح تنظيم الدولة في تصفية قائد كبير في طالبان قد يشجع التنظيم على تنفيذ المزيد من الهجمات ضد قادة الحركة، مما سيؤدي إلى تصعيد دائرة العنف في أفغانستان.

اغتيال خليل الرحمن حقاني يمثل اختبارًا حقيقيًا لوحدة حركة طالبان وانسجامها الداخلي في هذه المرحلة الحرجة، لأن الحركة تواجه ضغوطًا متعددة من الداخل والخارج، ويأتي هذا الحادث ليزيد من تعقيد المشهد.

التداعيات المحتملة تشير إلى أن أفغانستان قد تكون على أعتاب موجة جديدة من عدم الاستقرار إذا لم تتمكن طالبان من احتواء الموقف ومعالجة أسبابه العميقة، ويبقى السؤال المهم: “هل ستتمكن حركة طالبان من الحفاظ على تماسكها في وجه هذه التحديات والعبور منها بسلام؟”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *