القدس المحتلة- انخرط الإنجاز الذي حققته كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناج العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بهجومها المباغت على مستوطنات “غلاف غزة” وبلدات إسرائيلية بالجنوب، في الذاكرة الجماعية للإسرائيليين، وسيُذكر إلى الأبد باعتباره “صدمة وطنية”.
وبدأت تطفو على السطح وفي اليوم الثامن للحرب، آثار هذه الصدمة مع تردد أصوات عائلات يهودية كثيرة تستبعد إمكانية العودة إلى الغلاف.
على وقع قصف الطيران الحربي الإسرائيلي الذي يدمر قطاع غزة وتحضير الجيش الإسرائيلي لمعارك التوغل البري، خصت الصحف الإسرائيلية في أعدادها الصادرة، في نهاية الأسبوع المنصرم، عناوينها وصفحاتها لتداعيات معركة “طوفان الأقصى” على سكان الغلاف.
ويبلغ عدد سكان الغلاف 60 ألفا تم إجلاؤهم من 22 مستوطنة، فيما بات يعرف إسرائيليا بأحداث “السبت الأسود”.
مغادرة البلاد
عنونت الصحفية شلوميت تسور تقريرها في صحيفة “دمار كر” في عدد نهاية الأسبوع، بـ”الفكرة ليست مغادرة وهجرة غلاف غزة، بل مغادرة البلاد”، ولخص العنوان مجمل الانطباعات التي وثقتها من خلال المقابلات التي أجرتها مع العائلات الإسرائيلية في مستوطنات “غلاف غزة”.
داليا وباروخ باخر اللذان يعيشان في كيبوتس باري في “غلاف غزة” منذ عام 1956 وتم إجلاؤهما منه إلى فندق في البحر الميت بعد إنقاذهما من المعارك، لم يستغرقا طويلا للإجابة على سؤال صحيفة “دمار كر”، حول ما إذا كانا سيفعلان ذلك -البقاء في الكيبوتس- ويقولان “لن نعود إلى الغلاف في هذه المرحلة حتى نستفيق من الصدمة”.
وسردا للصحيفة اللحظات الأولى لمعركة طوفان الأقصى، “لقد مررنا بجميع حروب إسرائيل، لكننا لم نشهد شيئا كهذا من قبل..، كانت حياتنا في خطر داهم. نشعر وكأننا من بقايا النزوح..، سنكون من الآن فصاعدا سكان بلدة مختلفة..”.
فقدان الأمن
“لكن من المشكوك فيه أن يعكس تصميم هذين الزوجين على العودة مستقبلا إلى مستوطنة باري، مشاعر معظم سكان غلاف غزة، تقول إحدى سكان المستوطنة الزراعية “سديه نيتسان”، وهي موجودة حاليا في إيلات وفضلت عدم الكشف عن هويتها.
وتضيف، “نحن نعيش على بعد 7 كيلومترات من السياج الحدودي مع غزة، ومع ذلك تمكن المسلحون من الدخول، الشعور بالأمن في غلاف غزة معدوم”.
وتابعت “لقد استغرق وصول الجيش وقتا طويلا مما جعل وقوع هذه المعركة ونتائجها الكارثية علينا ممكنا، شعرنا بأن الدولة ومؤسساتها تخلوا عنا، بلدتنا لم تحصل على ميزانيات لبناء الملاجئ للتحصن من القذائف الصاروخية، لكننا بنيناها بأنفسنا ومن أموالنا، وقد ساعد ذلك على الشعور بالأمن في الجولات السابقة”. مؤكدة أن “نجاح حماس في الدخول والقيام بما فعلته، أمر لا يمكن فهمه”.
وتابعت “كنا جميعا نخشى سيناريو دخول مجموعات من المسلحين، كنا نعلم سيأتي يوما ما، ولكن ليس بهذه الطريقة. كنا نعلم أنه بمجرد أن تطأ قدم مسلح فوق السياج، سيقفز الجيش، وإذا لم يكن في غضون 5 دقائق، ففي غضون نصف ساعة. لكن 10 ساعات؟، نحن من دافعنا عن أنفسنا وليس الجيش”.
انهيار
وعندما سُئلت ما إذا كانت المرة الأولى التي تفكر فيها بمغادرة سدي نيتسان، أجابت “الفكرة ليست مغادرة المستوطنة، بل البلد إسرائيل. الدولة تخلت عني، وأشعر أنه إذا سمحت الدولة بحدوث ذلك، لن ينتهي أبدا، وليس لدي أي طريقة لحماية أطفالي. لقد كسروا شيئا ما هنا. كنا في حروب، بكينا على الموتى. ولكن حدث شيء آخر هنا”.
لا يقتصر تطلع عدم العودة إلى مستوطنات غلاف غزة على العائلات والسكان، بل حتى على بعض القيادات المحلية هناك.
تمير عيدان رئيس المجلس الإقليمي “سدوت نيغيف”، الذي كان مقتنعا طوال جولات القتال السابقة بشأن صمود الجبهة الداخلية في المستوطنات الجنوبية، سمع بشكل مختلف هذه المرة بعد معركة طوفان الأقصى.
ووفقا له، فعلى الرغم من الرغبة في ازدهار الأرض القاحلة التي تغلبت دائما على كل العقبات، لكن سكان المستوطنات لديهم حدود وحواجز داخلية.
وقال، “المسلحون قتلوا 16 عاملا خلال دقائق، عادة كل حيوان صغير يقترب من السياج الأمني كان يستنفر النظام بأكمله، وفي هذه الحالة لم يكن 4 مسلحين هم الذين تسللوا، بل المئات”.
“السبت الأسود”
وعزا عيدان عدم الرغبة في العودة إلى الغلاف إلى أحداث “يوم السبت الأسود” التي قُتل خلالها رئيس المجلس الإقليمي “شعار هنيغف”، أوفير ليبشتاين، الذي بقيت جثته ملقاة لأكثر من 24 ساعة بسبب عدم قدرة قوات الأمن على جمعها وتخليصها بسبب الاشتباكات.
الانطباعات بأن السكان في المستوطنة الزراعية “باري” لن يعودوا إليها مجددا، سردها حاييم يلين من مؤسسي المستوطنة والذي شغل سابقا منصب عضو كنيست عن حزب “هناك مستقبل”.
وأوضح، “هذا هو الثمن الذي يدفعه الاستيطان الصهيوني في غلاف غزة عندما تفقد الأمن والأمان وتشعر أنك تعيش في دائرة الخطر وفي ظل عجز وفشل الدولة على توفير الأمن”.
وأضاف يلين أنه بعد ما حدث في “السبت الأسود” -وهي أحداث تختلف كليا عن جولات القتال السابقة- فإن عائلات وأزواجا شبابا كثيرين وبعد إجلائهم قالوا بصريح العبارة إنهم لن يعودوا إلى “غلاف غزة”.
وتابع، “وعللوا ذلك بأنهم لا يمكنهم تربية أطفالهم في الأجواء والبيئة التي عاشوها على مدار العقد الأخير والتي انعدم فيها الأمن والأمان لسكان الغلاف”.
فيلم رعب
الانطباع والإفادات ذاتها جمعتها ووثقتها مراسلة صحيفة “هآرتس”، نوعا شبيغل، وأفادت بأنه حتى الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من غلاف غزة والذين ما زالت منازلهم قائمة، ليسوا متأكدين من أن لديهم مكانا يعودون إليه، حيث ما زالت علامات الرعب محفورة على وجوه الناس، ويجدون صعوبة في تصور العودة إلى منطقة الغلاف.
وتسرد شبيغل تجربتها في توثيق الإفادات للعائلات هناك مع بدء الأحداث، إذ يتساءل الكثيرون مرارا وتكرارا، “أين أعود؟ ولماذا أعود؟ أحتاج إلى مليونير ليمول لي منزلا؟ من يبني لي منزلا؟، لا أحد يقول لنا إذا كان لدينا بالفعل مكان نعود إليه. إلى أين نعود؟
تحاول ياعيل ستادين وصف ما حدث لها يوم السبت قائلة، “فيلم رعب”، حيث كانت في منزلها في مستوطنة “عين هشلولشا” مع حفيد يبلغ من العمر 7 سنوات وابنة تبلغ من العمر 21 عاما، وشريك الابنة 22 عاما.
وتضيف “بدأت المكالمات من الأقارب، قالوا إن المسلحين كانوا بالداخل. لم أفهم المعنى، اعتقدت أنهم كانوا يختلقون الأمور مرة أخرى. ثم تحدث معي مزارع كان على صلة بمراسل عسكري وقال، ياعيل إنهم في منزلك”.
وعقب ما حدث، قررت ستادين عدم العودة إلى “عين هشلولشا” مؤكدة، “لن أعود إلى هناك، لقد عشت هناك لمدة 40 عاما، مررنا بأشياء ولم أكن خائفة، لأنني كنت أعلم أنني محمية من الجيش. لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا. لقد أنقذنا الملجأ أنا شجاعة وقوية، لكن الخوف أكبر مني، ليس لدي منزل أعود إليه أيضا. ولست بقدرة نفسية وجسدية للعودة إلى هناك”.