غزة – تتعلق حياة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة بآخر قطرات الوقود النادر في القطاع الساحلي الصغير، الذي يتعرض لحرب إسرائيلية شرسة في ظل حصار مشدد ووقف لكل إمدادات الكهرباء والوقود منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وفي انتظار محتمل لدخول شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية عبر معبر رفح البري مع مصر إلى القطاع خلال الساعات القادمة، ترفض إسرائيل أن تتضمن هذه المساعدات أي كمية من الوقود، مما يضع القطاع في مواجهة كارثة وشيكة، بحسب منظمات دولية والسلطات المحلية في قطاع غزة.
على حافة الهاوية
وتقول منظمة الصحة العالمية إن نفاد الوقود يعدّ أحد أكبر المخاطر التي تواجه سكان غزة، وإن وضعه يتجاوز “حافة الهاوية” كونه يشغّل المستشفيات ومحطات المياه والمخابز وغيرها من المرافق الأساسية.
وبحسب لجنة الطوارئ الحكومية في غزة، فإن كمية محدودة جدا من الوقود لا تزال في المستشفيات وبعض المرافق الحيوية التي تعمل بطاقتها القصوى لتأمين سبل الحياة الأساسية لنحو 2.2 مليون نسمة يقطنون هذه البقعة الجغرافية الصغيرة بكثافتها السكانية العالية.
وتوقفت عجلة الحياة في عدد من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، وخرجت سيارات إسعاف عن الخدمة، واضطرت مخابز إلى إغلاق أبوابها، ودبّ الشلل في مرافق حيوية كثيرة جراء انقطاع الكهرباء ونفاد مخزون الوقود.
#تنويه..#معبر_رفح لم يُفتح بعد..
لم تدخل أي مساعدات لقطاع #غزة، وما يتم الحديث عنه من مساعدات للآن لا يرقى للحد الأدنى من المآساة الإنسانية التي يعيشها القطاع.
ما ألاحظه الآن أن هناك بروبغاندة إعلامية تُشرف عليها دول لإظهار المساعدات وكأنها عمل بطولي، البطولة وقف الحرب ووقف…— أدهم أبو سلمية #غزة 🇵🇸 (@adham922) October 20, 2023
واقع متردّ
هذا الواقع المتردي اضطر وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع إلى توجيه نداء استغاثة لكل أصحاب محطات الوقود، “وكل من يتوفر لديه أي لتر من السولار”، للتواصل الفوري معها لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى.
وأكد المتحدث باسم الوزارة أشرف القدرة أن “المستشفيات دخلت مرحلة الانهيار الفعلي بسبب انقطاع الكهرباء وشح الوقود”.
وفي مؤتمر صحفي عقده اليوم الجمعة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، قال القدرة إن “الساعات القادمة حاسمة” مع خروج 7 مستشفيات من الخدمة جراء العدوان الإسرائيلي المتصاعد منذ 14 يوما.
وطالب بتوفير الحماية الدولية للمستشفيات والمؤسسات الصحية والإسراع في إدخال الإمدادات الطبية والوقود إلى غزة.
ورغم الحاجة الملحة للوقود، فإن الاتفاق الثلاثي الأميركي الإسرائيلي المصري بشأن إدخال شاحنات مساعدات إنسانية عبر معبر رفح البري، المنفذ الوحيد للقطاع على العالم الخارجي، لم يشمل الوقود ومشتقاته.
بدائل
وتعمل السلطات المصرية على إصلاح الأضرار التي لحقت بالمعبر جراء غارات جوية إسرائيلية استهدفته ودمرت الممرات والساحة الواقعة بين الجانبين الفلسطيني والمصري في المعبر، والتي تعرقل مرور الشاحنات.
ويبدع سكان غزة في إيجاد بدائل للتغلب على شح الوقود وتدبر شؤون حياتهم اليومية، وإظهار أوجه كثيرة من التضامن والتكاثف. ومع نُدرة المياه العذبة الصالحة للشرب، فتح صاحب محطة تحلية في مدينة رفح على الحدود مع مصر جنوبي القطاع، أبوابها بالمجان أمام السكان.
ويصطف الناس في طوابير طويلة أمام المحطة حاملين عبوات بلاستيكية لتعبئتها بالمياه المقطوعة عن 90% من منازل القطاع، بحسب مساعد رئيس لجنة الطوارئ الحكومية المهندس زهدي الغريز.
وقال الغريز -للجزيرة نت- إن المياه بكل مصادرها وأنواعها، سواء الخاصة بالاستخدام الآدمي أو النظافة والاستخدامات المنزلية الأخرى، غير متوفرة في غالبية مناطق غزة.
وحث السكان على الترشيد الشديد للمياه، وطالبهم “بالتيمم” بدلا من الوضوء، ووقف كل أوجه صرف المياه والتي يمكن الاستغناء عنها في ظل حالة الطوارئ وتصاعد العدوان والحصار المطبق على القطاع.
مشاركة
ولجأ المواطن جهاد السلطان إلى الاشتراك مع جاره في شراء خزان من المياه المالحة لمنزليهما، واستخدم ما تبقى من بنزين في سيارته لرفعها بمولد كهربائي في ظل عدم قدرة البلديات على ضخ المياه من الآبار الجوفية إلى المنازل، وعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المولدات والمضخات.
ولم يجد جهاد بُدا من ذلك بعد نفاد الوقود من مولدٍ تحمله سيارة نقل المياه لضخها إلى الخزانات على سطح المنزل، وإغلاق محطات الوقود أبوابها منذ أيام بعد نفاده بأنواعه.
وأضاف رئيس لجنة الطوارئ الحكومية أن الناس وصلوا إلى مرحلة شرب المياه المالحة دون معالجة أو تعقيم للتغلب على ندرة المياه العذبة الصالحة للشرب، إثر وقف دولة الاحتلال إمدادات المياه عبر خطوط النقل الإسرائيلية، وتوقف محطات التحلية الثلاث عن العمل.
ويقول جهاد للجزيرة نت إن المياه العامة (المالحة) لم تصل لمنزله سوى مرة واحدة منذ بداية العدوان الإسرائيلي، واضطر إلى شرائها بأضعاف ثمنها الحقيقي لارتفاع كلفة سحبها ونقلها من الآبار إلى المنازل عبر سيارات نقل خاصة.
روتين حرب
وتركت أزمة الكهرباء ونفاد الوقود آثارها الثقيلة على مختلف مناحي الحياة، وتعطلت معها خدمات الاتصالات والإنترنت، ودفعت الناس إلى تغيير “روتين” حياتهم اليومي المعتاد.
ففي كثير من مناطق قطاع غزة، تحوّلت منازل تعمل على كهرباء الخلايا الشمسية إلى وجهة للجيران من أجل إعادة شحن أجهزة الهواتف النقالة، وبطاريات صغيرة تستخدم في غزة لتوفير إضاءة محدودة للمنازل.
ومن أوجه المعاناة، لجأت زوجة المواطن محمد أبو خلف إلى ما يسمى شعبيا في غزة “خبز الصاج”، وهو خبز رقيق لا يحتوي على مادة الخميرة ويتم إعداده على نار الحطب، للتغلب على أزمة نفاد الغاز المنزلي، وفقما قال للجزيرة نت.
وبرزت مشاهد مؤلمة لعربات تجرها الحمير (الكارو) تحمل جثث شهداء وتنقلهم إلى المستشفيات والمقابر، ونُقلت مجموعة من الجثث في سيارات نقل بضائع للتغلب على قلة السيارات المخصصة لنقل الموتى، وتوقف حركة غالبية المركبات التي فرغت خزاناتها من الوقود.