6 أشهر من الحرب.. كيف يتدبر سكان غزة معيشتهم؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

غزة- بعد أن انتظرت دورها داخل أحد متاجر الذهب، خلعت مريم خاتمها وقدمته للصائغ سائلة إياه عن ثمنه، ليخبرها بأنه يقبل شراءه بـ220 شيكل (61 دولارا)، وهو ما ردت عليه السيدة بالقبول، وقالت إنها قررت بيع الخاتم بغرض شراء مستلزمات لأسرتها النازحة من مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، إلى مدينة رفح جنوب القطاع.

وذكرت مريم (اسم مستعار) أنها اشترت الخاتم بـ280 شيكلا، وهي مضطرة لبيعه الآن بسبب استمرار الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها النازحون منذ 6 شهور على بدء الحرب الوحشية الإسرائيلية، والتي راح ضحيتها قرابة 33 ألف شخص، وأسفرت عن هدم نحو 70% من منازل القطاع بحسب بيانات أممية.

وهذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها مريم بيع شيء من مصاغها، لكن العديد من معارفها وقريباتها سبق أن بِعن بعض ذهبن، ومنهن شقيقتها التي باعت سلسالا لشراء خيمة، وتُكمل مريم للجزيرة نت “أغلب الناس تبيع ذهبها، لأن تكلفة الحياة غالية، ولأننا لا نعرف متى ستنتهي الحرب”.

ووصل هذا الحال بسكان القطاع بعد أن فقد غالبيتهم أعمالهم بسبب الحرب، كما توقفت الحكومة عن دفع رواتب موظفيها، وهو ما فاقم نسبة الفقر المدقع الذي يعاني منه السكان، كما تمارس إسرائيل، بحسب تقارير الأمم المتحدة، سياسة تجويع متعمدة بحق سكان قطاع غزة، وهو ما دفع محكمة العدل الدولية، الخميس، إلى إصدار أمر لتل أبيب باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان تدفق المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى غزة لتجنب المجاعة.

سوق النجمة الشهير في رفح، حيث تعرض السلع للبيع بأسعار مرتفعة (الجزيرة)

البيع كحل أخير

تسبب هذا الوضع بإشكالية لمتاجر الذهب، التي باتت تمتلك مخزونا كبيرا في ظل زيادة العرض وقلة الطلب، وعدم امتلاكها السيولة المالية الكافية للشراء، ويقول مالك المتجر الذي فضل عدم ذكره اسمه “نحن لا نعمل سوى في شراء الذهب من الناس ولا أحد يشتري، بات لدينا كميات ضخمة، هناك عرض كبير جدا وطلب قليل، وبتنا غير قادرين على تصريفه، وحتى لا نملك السيولة الكافية للشراء بسبب إغلاق البنوك”.

ولا يعد قرار بيع الذهب سهلا على السيدات، بحسب الصائغ الذي يضيف “تأتي السيدة بدموع عينيها لتبيع ذهبها، قبل قليل سيدة باعت قطعة ذهب وقالت لي: سنتين وأنا أحوّش (أدخر) المبلغ لشراء هذه القطعة ثم أبيعها لشراء خيمة”.

أما راوية جرادة فتعتمد على ما يتحصل عليه ابنها نور من بيع حلوى القطائف، بالإضافة إلى ما يصلها من مساعدات إغاثية، وكان عدد من أبنائها يعملون في بيع المعلبات الغذائية والحلويات للأطفال، وهو ما وفّر للأسرة دخلا محدودا، لكنهم لم يتمكنوا من الاستمرار، وتقول للجزيرة نت: “معاناة أسرتنا كبيرة فنحن 10 أفراد، ونواجه صعوبة في توفير اللبس والأكل والشرب”.

وتؤكد جرادة ما ذهب إليه من سبقها حول اتجاه النساء إلى بيع مصاغهن من الذهب للإنفاق على أسرهن، وتضيف موضحة “أعرف عروسا باعت سلسالا ثم خاتما ثم الدبلة، وبقي معها خاتم، وسألتها لماذا لم تبعه، فأجابت إنه هدية من أبيها الشهيد، ويعز عليها بيعه”، وتكمل “وسألت جارة لي: كيف تعيشون، فأجابت: أبيع من ذهبي، فقلت لها: حرام عليكِ، فقالت: أنا مضطرة، فكيف نعيش ونأكل ونشرب؟”.

تحصل منى الأعرج على طعام من تكية خيرية لكنها تواجه مشكلة في توفير المستلزمات الأخرى (خاص بالجزيرة)
منى الأعرج تحصل على طعام من تكية خيرية لكنها تواجه مشكلة في توفير المستلزمات الأخرى (الجزيرة)

من أهل الخير

لا تملك منى الأعرج أي مصاغ ذهبي لتبيعه، لذلك تعتمد هي وأسرتها على ما توفره تِكية خيرية مجاورة من وجبات طعام، حيث تقدم التكايا وجبة واحدة في اليوم للأسرة، وتتكون غالبا من العدس، أو الفاصولياء، أو المعكرونة، أو الأرز بدون لحم.

وتحصل الأعرج التي تعيش في خيمة بعد نزوحها من شمال القطاع إلى مدينة دير البلح في وسطه على سلة غذائية بمعدل مرة في الشهر من مؤسسات خيرية، تعينها على قضاء بعض حوائجها، أما الخبز فتصنعه بنفسها باستخدام فرن يعمل على الحطب، مستعينة بطحين تحصل عليه من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”.

لكنّ الأعرج تواجه مشكلة كبيرة في توفير بقية متطلبات الأسرة، التي تحتاج إلى مال نقدي لشرائها مثل الطعام والأحذية، وتضيف للجزيرة نت “لا نشتري أي مستلزمات، لا نشترى ملابس ولا أحذية أنظر إليهم (وتشير إلى أطفالها)”.

أبو مرعي: أعيش منذ بداية الحرب على ما تقدمه مؤسسات إغاثية من سلال غذائية وأكياس طحين (خاص بالجزيرة)
أبو مرعي للجزيرة نت: أعيش منذ بداية الحرب على ما تقدمه مؤسسات إغاثية من سلال غذائية وأكياس طحين (الجزيرة)

وقبل الحرب، كان صبحي أبو مرعي يعمل في بيع المنظفات في مخيم البريج وسط القطاع، لكنّ جيش الاحتلال دمّر منزله بالكامل، ما اضطره للنزوح وأسرته بملابسهم الشخصية فقط إلى مدينة دير البلح.

ومنذ بداية الحرب، يعيش أبو مرعي مع أسرته على ما تقدمه مؤسسات إغاثية من سلال غذائية وأكياس طحين، كما يحصل على وجبات الطعام من التكايا الخيرية في المنطقة، وهو ما يعينه على الإنفاق على أسرته، ويقول إنه يضطر لبيع بعض السلال الغذائية التي يحصل عليها لشراء مستلزمات أخرى تحتاج إلى مال نقدي.

سحر مِزْيِد كانت تحصل من والدها على مساعدات نقدية لكنه "استشهد" قبل أسبوعين (خاص بالجزيرة)
سحر مِزيد كانت تحصل من والدها على مساعدات نقدية لكنه استشهد قبل أسبوعين (الجزيرة)

مساعدات من الأهل

بدوره، طلب موسى أبو معيلق من أشقائه المقيمين في الخارج مساعدته كي ينفق على نفسه وأسرته المكونة من 8 أفراد، ويقول أبو معيلق الذي يقطن في منزله بمدينة دير البلح “أنا لا أعمل، والحرب طالت والغلاء فاحش، أدبر أموري من هنا وهناك، اتصلت بإخوتي في الخارج كي يرسلوا لنا مالا”، ويضيف “ندبر حالنا بصعوبة، أحيانا لا نجد الماء ولا الأكل، خاصة في ظل الغلاء وعدم توفر السلع”.

وكانت “سحر مِزيد” تحصل من والدها على مساعدات نقدية تساعدها على الإنفاق على أسرتها المكونة من 5 أطفال، لكنه استشهد قبل أسبوعين، كما كانت تمتلك خاتما خفيف الوزن، لكنها باعته للإنفاق على أسرتها، وتقول للجزيرة نت إن غالبية الأسر تبيع الذهب الذي تمتلكه كي تدبر أمورها المالية، وتضيف “ابنة عمي باعت سلسال ذهب لشراء الطعام لأسرتها، لأنها لا تعرف متى ستنتهي الحرب”.

وكسابقيها، تُعتبر التكية هي العائل الأول للأسر النازحة، حيث تعتمد مِزيد عليها بشكل رئيسي في الحصول على وجبة طعام يومية لأسرتها، وتقول للجزيرة نت “زوجي لا يعمل منذ 7 شهور، أنا أعيش من التكية، أُمشّي (أُدبر) يومي، كان أبي يساعدني لكنه استشهد قبل أسبوعين”، وتعتمد مِزيد في الطعام الذي تقدمه لأسرتها على الخبز الذي تصنعه بنفسها على فرن الحطب، وغالبا ما تصنع لهم ساندويشات مكونة من الخبز والدقّة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *