غزة- يواجه أكرم أبو العطا وآلاف النازحين في مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في مدينة غزة وشمالها، الموت قصفا أو جوعا.
ويواجه أبو العطا والنازحون مصيرهم دون أساسيات الحياة، وتحت حمم الغارات الجوية الإسرائيلية بعد إخلاء الوكالة الأممية مقرها الرئيس ولجوء طواقمها إلى مركز عملياتها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر.
وتشير التقديرات الأممية إلى أن مليون فلسطيني نزحوا من منازلهم ومناطق سكنهم، منهم 400 ألف لجؤوا إلى مراكز إيواء في مدارس تابعة للـ”أونروا” منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عقب معركة “طوفان الأقصى”.
وكان أبو العطا من أوائل النازحين إلى مركز إيواء التابع للوكالة في مدينة غزة، إذ اضطر إلى الهروب بأسرته من منزلهم في حي الشجاعية المتاخم للسياج الأمني الإسرائيلي، إحدى المناطق الأشد خطرا في القطاع الساحلي الصغير، حيث لا أمان لأحد فوق أرضه وتحت سمائه.
مراكز بلا إيواء
لليوم العاشر على التوالي يواصل أبو العطا و40 شخصا آخرون، معظمهم نساء وأطفال، إقامتهم في “غرفة ضيقة” داخل مدرسة تم تحويلها إلى مركز إيواء منذ بدء العدوان، لجأ إليه آلاف النازحين جُلّهم من جيرانه وأقاربه في حي الشجاعية، وعائلات من مناطق شمال القطاع.
في هذا المركز وغيره، يعاني النازحون من عدم توفّر المياه وأساسيات الحياة كالأغذية والأغطية، وازدادت ظروفهم سوءا بعد قرار “أونروا” الجمعة الماضية، بنقل طواقمها إلى مركز عملياتها في مدينة رفح، استجابة لإنذار بعد أوامر إسرائيلية لسكان الجزء الشمالي من القطاع بالنزوح إلى الجزء الجنوبي المعروف بـ”وادي غزة”.
وقال أبو العطا للجزيرة نت “نعيش على أقل القليل، حيث لا مياه للشرب، ولا مياه دائمة للنظافة، ووسط تكدّس شديد داخل الغرف، وفي ساحات المدرسة”.
ومنذ الجمعة الماضية، اختفت طواقم “أونروا”، ولم يعد هناك من يتابع شؤون النازحين، ويدير سير العمل في مراكز الإيواء، التي أكد أبو العطا أنها “لم تكن بالمستوى المطلوب منذ بداية العدوان، وحتى قبل النزوح الكلي لأونروا نحو جنوب قطاع غزة”.
ووفقا لهذا النازح الأربعيني، فإن “أونروا” لم تقدم لهم سوى القليل من الخبز واللبن خلال الأيام الثلاثة الأولى، ويعتمدون خلال الأيام الماضية على ذواتهم لتدبر شؤون حياتهم اليومية، وبصعوبة بالغة، للحصول على الخبز والمياه.
ويعيش أبو العطا وأسرته منذ أيام على القليل من الخبز والأجبان، ويكابد من أجل توفيرها، بالوقوف في طوابير طويلة ولنحو ساعتين أمام أحد المخابز المحدودة التي لا تزال تعمل في غزة، حيث تعطّلت غالبيتها جراء انقطاع الكهرباء، ونفاد الوقود.
وفيما يرفض أبو العطا النزوح من غزة إلى الجنوب، يقول إن “الرب واحد والعمر واحد، وكلنا نواجه نفس الخطر والمصير”.
مراكز لا تستوعب المزيد
في موقع آخر، لم يجد مصعب أبو غنيمة مكانا يستوعبه وأسرته في مركز إيواء تابع لوكالة الغوث في مدينة دير البلح، وهي إحدى مدن جنوب وادي غزة، التي وجّه جيش الاحتلال سكان الشمال للنزوح إليها، واضطروا إلى اللجوء مع آلاف آخرين من شمال القطاع لمدرسة حكومية.
وعقب الإنذار الإسرائيلي، الجمعة الماضية، نزح مصعب وأسرته وأكثر من 150 فردا من أقاربه من حي الشجاعية إلى وسط القطاع، ليواجهوا ظروفا كارثية، حيث لا أماكن مؤهلة لاستقبالهم، واكتظاظ شديد في مراكز “أونروا”.
وقال مصعب -للجزيرة نت- إنه لم يأتِ أحد إليهم لمتابعة احتياجاتهم، بعدما اضطروا إلى الفرار من بيوتهم بالملابس التي يرتدونها، ويضطرون إلى افتراش الأرض منذ 3 أيام.
نزوح و”تنصّل من المسؤولية”
وأدانت السلطات التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، سلوك “أونروا”، وما وصفته بـ”تنصلها” من دورها الإنساني تجاه النازحين.
واستبقت طواقم “أونروا” النازحين المدنيين في النزوح من مقرها الرئيسي في مدينة غزة، الأمر الذي وصفته حماس بـ”التخلي المؤسف والمخجل عن مسؤولياتها القانونية والإنسانية”. ولم يتسنّ للجزيرة نت الوصول إلى مسؤول في أونروا للتعقيب على هذه الاتهامات.
وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف -للجزيرة نت- إن “أونروا تركت آلاف النازحين يواجهون مصيرهم، وأدارت ظهرها لمراكز الإيواء من دون أي تنسيق أو ترتيب لشؤون العائلات النازحة وجلها من النساء والأطفال”.
ووفق تأكيد المسؤول الحكومي، فإن هذه المراكز “تفتقر لأبسط الضرورات المعيشية”، بعدما اختفت إدارة وطواقم أونروا من مدينة غزة وشمال القطاع، وحتى في مراكز الإيواء في مدن الجنوب “لا يختلف الأمر كثيرا، والأوضاع مأساوية”.
وقال معروف إن “أونروا” امتثلت بشكل مؤسف ومخجل لتهديدات الاحتلال، وأثرت سلبا في الحالة النفسية للسكان، بنزوح “أعداد محدودة” منهم نحو مدن الجنوب. بيد أن ما وصفه بـ”غباء الاحتلال” واستهدافه للنازحين “عكس المسألة خلال اليومين الماضيين بعودة نازحين إلى منازلهم في مدينة غزة والشمال”.
وبحسب توثيق المؤسسات الرسمية في غزة، فقد استهدف الاحتلال 20 عائلة بعدما نزحت من الشمال إلى الجنوب، وقضى منها العديد من الشهداء، وإلى جانب عدد كبير من الجرحى.
وقال معروف “الاحتلال يزعم أن مناطق الجنوب آمنة لدفع الناس للنزوح، لكنه يؤكد كذبه باستهداف النازحين، والغارات المكثفة على امتداد القطاع من شماله إلى جنوبه”.