شمال سوريا- يتشارك الطالب في الصف الأول ثانوي مصطفى السعيد مع زميله في الصف كتبه، وذلك جراء تأخُّر تسلمه كتبه المدرسية لهذا العام من مدرسته الواقعة في إدلب شمال غرب سوريا.
مصطفى يعاني كثيرا من عدم وجود نسخة كتب خاصة به لأن وظائفه تتعارض أحيانا ووظائف زميله، وقد يحتاج أيضا أن يدرس بكتاب يكون صديقه يقرأ به في الوقت نفسه.
ويقول السعيد إن هذا العام هو الأول الذي لم يتسلَّم فيه نسخة مدرسية، وهناك ما يقارب 70% من الطلاب لم يتسلَّموا كتبا هذه السنة بسبب النقص الحاد في الكتب المدرسية وعدم قدرتهم المادية على شرائها.
ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن عدم وجود كتب في المدارس هو أمر مرهق بشكل كبير للطلاب والمعلمين، لأن الأستاذ لا يمكنه محاسبة الطلاب على عدم تقديم واجباتهم، وأحيانا يضطر قسم منهم إلى تصوير شرح الأستاذ على السبورة لاستذكار الدروس.
نقص كبير
وقالت مديرية التربية والتعليم بمناطق سيطرة المعارضة في إدلب شمال غرب سوريا إن 500 ألف طالب في المنطقة بحاجة إلى الكتب المدرسية.
ويرجع النقص الكبير في الكتب بالمدارس إلى انتهاء مذكرات التفاهم مع الجهات المانحة، التي كانت تقدم الكتب خلال السنوات السابقة، قبل أن تتوقف عن ذلك نهاية العام الماضي.
يقول رئيس دائرة التوجيه التربوي في إدلب محمد حاج إبراهيم -في حديث للجزيرة نت- إن نسبة نقص الكتب تُقارب 80% من الاحتياج العامّ للمدارس في الشمال السوري.
وأشار إلى أن السبب يعود إلى توقّف معظم المنظمات الشريكة -التي كانت تزوّد المدارس بالكتب وتؤمن احتياجها السنوي- عن تقديم الدعم.
وأضاف حاج إبراهيم أن “هناك ضعفا في الإمكانيات المادية للمديرية، إذ إن تكلفة طباعة الكتب تتجاوز 3 ملايين دولار لا تمتلكها المديرية”.
وأفاد بأن المديرية طبعت 10% من احتياج الكتب ضمن الإمكانيات المتاحة لها، كما أدرجت بندا أساسيا في مذكرات التفاهم مع المنظمات الشريكة بحيث تكون طباعة الكتب أمرا أساسيا في هذه المذكرة، ووجهت مديري المدارس بتوزيع الكتب المدوَّرة من الأعوام السابقة ريثما يتم تأمين الكتب الجديدة.
وتابع قائلا إنه تم التنسيق مع معظم المنظمات الشريكة والجهات المانحة، وتم وضعهم في صورة الوضع لتأمين الاحتياجات من الكتب المدرسية بالسرعة اللازمة.
تداعيات سلبية
وأكد المسؤول التربوي أن نقص الكتب له انعكاسات سلبية على المعلم والطالب والعملية التعليمية، حيث يواجه الطالب صعوبة كبيرة في متابعة العملية التعليمية وتلقي المعلومات عند غياب الكتاب المدرسي بما ينعكس على مستوى الجيل بأكمله.
وشدد حاج إبراهيم على أنه وعند توفر الكتب، يتم توزيعها مجانا سواء من قبل المديرية أم المنظمات الشريكة.
وتحاول المديرية أن تعمل على ترميم الفجوة الحاصلة بين أعداد الكتب المطلوب توفرها وبين الكمّ الفعلي المتاح منها، من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع منظمات جديدة، إضافة إلى عملية تدوير الكتب المتوفرة في الوقت الحالي.
وتقدر الأمم المتحدة حاجة 1.6 مليون شخص من أصل 4.6 ملايين شخص يقيمون في شمال غربي سوريا، إلى خدمات التعليم، وفي حين تعمل 44 منظمة على دعم هذا القطاع فإن خدماتها لا تصل سوى إلى 426 ألفا.
أحمد حكوش مدير مدرسة ذكور سرمدا الواقعة بريف إدلب الشمالي، لديه في مدرسته 350 طالبا في القسمين الأدبي والعلمي، يؤكد أن جميعهم لم يتسلموا كتبا جديدة هذا العام.
ويقول -في حديث للجزيرة نت- إنهم يملكون كتبا قديمة تم توزيعها على بعض الطلاب الذين لا يتجاوز عددهم قرابة 15%، في حين ظل باقي الطلاب دون كتب بانتظار وعود بطباعة كتب جديدة لهم.
تكاليف باهظة وفقر شديد
وأضاف حكوش أن نسخة الكتب تتراوح من 8 حتى 13 دولارا، حيث إن العائلة التي تملك 5 طلاب في المدرسة تحتاج إلى أكثر من 50 دولارا ومعظم الأُسر لا تستطيع حتى تحمُّل هذه التكاليف في ظل حالة الفقر الشديد.
ولفت في حديثه إلى أن بعض الطلاب يعتمدون على كتابة النقاط المهمة على دفاترهم أثناء شرح الأستاذ بالصف، ويستعين آخرون بشروح وتعليقات من زملائهم، في حين يعمل آخرون على تصوير الدروس على هواتفهم، “ولكن كل هذا لا يغني عن الكتب”.
وعمل بعض الأهالي على نقل أبنائهم للمدارس الخاصة بسبب وجود كتب، ولكن مقابل دفع مبالغ مادية حيث يحتاج الطالب في المدرسة الخاصة 25 دولارا شهريا بشكل وسطي، أما الدراسة في المدارس التابعة لمديرية التربية فهي مجانية.
قرر حازم التميم أن ينقل ابنه إلى مدرسة خاصة، رغم صعوبة التكاليف المادية عليه، مؤكدا أنه سيضحي بمتطلبات معيشته من أجل حصول طفله على التعليم. ويقول للجزيرة نت “إن المدارس التابعة لمديرية التربية دعمها المادي ضعيف، حتى الأساتذة رواتبهم شحيحة، والكتب غير موجودة، ووسائل التعليم قليلة للغاية”.
ويضيف أن تكاليف الدراسة في المدارس الخاصة قاسية جدا على أي أب لديه عدة أطفال، ويؤكد “لا أريد أن أندم يوما ما بسبب ضيق ذات اليد، وأحرمهم من العلم”.