القدس المحتلة- لم يمرّ عام 2023 على القدس ومقدساتها وسكانها خفيفاً، فمع انطلاقه تولى إيتمار بن غفير حقيبة الأمن في حكومة بنيامين نتنياهو، وبمجرد تقلُده هذا المنصب دفع المقدسيون وما زالوا يدفعون ثمن قراراته التعسفية وتصريحاته المتطرفة.
فبعد أيام من توليه هذه الحقيبة نفذ بن غفير اقتحاما للمسجد الأقصى في جولة استمرت 13 دقيقة وصرّح بعدها “مع كل الاحترام للأردن، إسرائيل دولة مستقلة.. صعدتُ إلى جبل الهيكل وسأواصل الصعود وليس لأي دولة وصاية على إسرائيل”.
ولم تقف استفزازات بن غفير عند هذا الحد، بل أمر باعتبار الألعاب النارية في القدس مواد متفجرة بحجة أنها تستخدم بشكل غير قانوني تجاه أفراد الشرطة.
وبعد هذا الإجراء، لوحظ اعتقال ومحاكمة مقدسيين وتقديم لوائح اتهام ضدهم لأنهم استخدموا الألعاب النارية خلال المواجهات التي استخدمت فيها الشرطة عُنفا مفرطا بأوامر مباشرة من بن غفير، الأمر الذي أجج ساحة هذه المدينة المقدسة على مدار عام 2023.
بالأرقام
ووفقا لبيانات محافظة القدس-أعلى تمثيل رسمي فلسطيني للمدينة المقدسة- فإن هناك 41 شهيداً منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، وتعرض للاعتقال 2612 مقدسياً بينهم 308 أطفال و128 امرأة.
ووفقا للمحافظة أيضا فإن المحاكم الإسرائيلية بالقدس أصدرت 143 أمر اعتقال إداري خلال الفترة ذاتها، و724 قرار إبعاد منها 577 عن المسجد الأقصى الذي اقتحمه حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 51 ألفا و994 متطرفاً ومتطرفة.
وقد خضع 308 من المقدسيين لعقوبة الحبس المنزلي بينهم أطفال، ونُفذت بمحافظة القدس 292 عملية هدم بينها 73 منشأة اضطر أصحابها لهدمها بأيديهم قسراً تجنبا للغرامات الباهظة التي تُفرض عليهم في حال أقدمت جرافات الاحتلال على تنفيذ عمليات الهدم.
وفي إطار الهدم أيضا، نفذت سلطات الاحتلال 5 عمليات هدم عقابية لمنازل عائلات شهداء وأسرى نفذوا عمليات أدت لمقتل مستوطنين، وكان منزلا الشاب عدي التميمي في مخيم شعفاط أولها، والشاب خيري علقم في حي الشيّاح بالقدس آخرها.
وتندرج عمليات الهدم العقابية في إطار العقاب الجماعي الذي يُتبع في القدس، وتسعى سلطات الاحتلال من خلاله لردع المقدسيين وثنيهم عن أي أعمال تمس بـ “السيادة الإسرائيلية” على المدينة.
وفي إطار العقوبات الجماعية أيضا، شنت سلطات الاحتلال خلال العام عدة حملات ضد الأسرى والأسرى المقدسيين المحررين وعائلاتهم تضمنت الحجز على حساباتهم البنكية ومداهمة عشرات المنازل ومصادرة مصاغ ذهبي وسيارات ومقتنيات أخرى.
وخلال هذه الحملات، طالبت سلطات الاحتلال العائلات المقدسية بتسديد مبالغ مالية ضخمة مقابل رفع الحجز عن الحسابات البنكية، وذلك تنفيذا لقرار وزير الجيش يوآف غالانت بفرض عقوبات مالية على الأسرى المقدسيين وعائلاتهم بحجة تلقيهم مخصصات من السلطة الفلسطينية.
مشاريع استيطانية
وفي ملف الاستيطان، فإن اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء الإسرائيلية صادقت على عدة مشاريع استيطانية منها مسار جديد للقطار الخفيف بالقدس، وتوسعة مستوطنة راموت بإضافة 440 وحدة سكنية جديدة وإنشاء “الحديقة الوطنية” التي ستقام على مساحة 600 دونم من أراضي بلدتي العيساوية والطور وتسمى “منحدرات هار هتسوفيم”.
كما تمت المصادقة على مخطط حديقة “وادي مجلّي” التي ستقام على مساحة 720 دونما بين بلدتي بيت حنينا وشعفاط (شمالي المدينة) لصالح مستوطنة “بسغات زئيف”.
ويضاف إلى ذلك مشاريع أخرى تنفذ على الأرض حاليا كالشارع الأميركي وشارع النفق وغيرهما.
ولم يتوقف الاستيطان عند حد المصادقة على المشاريع الجديدة، بل امتد هذا العام ليشمل الاستيلاء على منزلين مقدسيين بالبلدة القديمة يعودان لعائلتي صب لبن وإدريس، وبإخلائهما ارتفع عدد البؤر الاستيطانية بالبلدة القديمة إلى 79 بؤرة وفقا للباحث في شؤون الاستيطان أحمد صب لبن.
أسرلة وتذويب
وفيما يتعلق بملف تذويب الهوية الوطنية الفلسطينية بالقدس ومحاولات الأسرلة المستمرة، فإن الحكومة الإسرائيلية صادقت في أغسطس/آب المنصرم على الخطة الخمسية الجديدة التي حملت اسم “تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية لشرقيّ القدس، 2024-2028”.
وتهدف الخطة لربط المقدسيين بالمنظومة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية الإسرائيلية، وما يتمخض عن ذلك من محاولة السيطرة عليهم وردعهم عن العمل الوطني، من خلال تكبيلهم بالمزيد من الارتباط بالمؤسسات الإسرائيلية المختلفة.
ورغم محاولات التذويب التي تتم عبر سياسة التغلغل الناعم بالمقدسيين، فإنه لا صوت يعلو على سياسة القبضة الحديدية في القدس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ حولت سلطات الاحتلال مدينة المقدسة إلى ثكنة عسكرية، وأحكمت قبضتها على البلدة القديمة والمسجد الأقصى، واعتدت على كل من حاول الوصول إليهما.
ومع انطلاق الحرب، منعت قوات الاحتلال المقدسيين من الجلوس على مدرجات باب العامود، وتصاعدت الانتهاكات التعسفية بحق أهالي المدينة عبر تفتيشهم بشكل مذل وتفتيش هواتفهم بحثا عن صور ومقاطع فيديو تتعلق بالحرب لمعاقبتهم عليها.
كما تصاعدت اعتداءات المستوطنين واستفزازاتهم ضد المقدسيين وممتلكاتهم ومركباتهم، خاصة في الأحياء التي تغلغلت فيها البؤر الاستيطانية.
استهداف التعليم
الهجمة على التعليم والمنهاج الفلسطيني في القدس استمرت خلال عام 2023، ونفذت طواقم بلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية حملات دهم لبعض المدارس تم خلالها تفتيش حقائب الطلبة بحثا عن كتب المنهاج الفلسطيني، بينما منع طلبة مدارس الأقصى من دخول بوابات المسجد المبارك بادعاء احتواء حقائبهم على الكتب الفلسطينية.
وفي إجابته عن سؤال ماذا ينتظر القدس عام 2024 على ضوء الانتهاكات التي تعرضت لها المدينة خلال 2023، أجاب مدير مركز القدس للدراسات المستقبلية أحمد رفيق عوض بالقول إن مستقبل القدس مرتبط بمجمل التسويات والجهود السياسية الإقليمية والعالمية من أجل تقديم حل للفلسطينيين.
وحتى يحين تقديم الحل فإن إسرائيل ستعمل على مزيد من التهويد والأسرلة وخنق المقدسيين وطردهم والتضييق عليهم، لكنها لن تتمكن حتما من اقتطاعها أو إقصائها من الصراع لأن القدس قلب الصراع وعنوانه.