واشنطن- تعبر منظمات حقوقية وإنسانية أميركية كثيرة عن قلقها من احتمال مساهمة إدارة الرئيس جو بايدن أو التواطؤ في تأجيج جرائم الحرب الإسرائيلية بحق قطاع غزة، بما في ذلك من تطهير عرقي وبرنامج لتهجير الفلسطينيين.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أرسل البيت الأبيض طلبا إلى الكونغرس للحصول على تمويل تكميلي للسنة المالية الحالية قيمته 106 مليارات دولار، يشمل دعم أوكرانيا بـ61 مليارا، وإسرائيل بـ14 مليارا، وبرامج أخرى منها 5.6 مليارات للدعم اللوجستي والبنية التحتية وغيرها من المساعدات لتسهيل حياة الفلسطينيين النازحين من غزة إلى البلدان المجاورة.
وطالبت مؤسسة “مشروع الديمقراطية بالشرق الأوسط” (POMED) -في بيان- إدارة بايدن بألا تتواطأ في تأجيج جرائم الحرب أو تشجيعها، وبضرورة الالتزام بالقانون الأميركي وضمان أن مساعداتها العسكرية تُستخدم فقط لأغراض دفاعية ولا تدعم انتهاكات حقوق الإنسان.
وأضاف البيان أنه يجب على متخذي القرار الأميركي تجديد الاهتمام بالأسباب الجذرية لهذا العنف، ويجب أن يمنح أي حل الفلسطينيين والإسرائيليين حقوقا متساوية وإمكانية الوصول إلى حياة الحرية والكرامة والأمن والسلام.
من جانبها، حذرت منظمة “الديمقراطية للعالم العربي الآن” (DAWN) إدارة بايدن بشأن طلبها من الكونغرس الموافقة على تمويل 14 مليار دولار لإسرائيل، معتبرة أن هذه الدفعة تحتوي على لغة تشير لدعم فكرة الترحيل القسري للفلسطينيين من غزة.
وحثت هذه المنظمة الكونغرس على رفض مشروع قانون التمويل التكميلي، الذي يقترح تمويل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين ينزحون من غزة إلى الدول المجاورة.
وقالت سارة ليا ويتسون مدير المنظمة “بدلا من المطالبة بوقف إطلاق النار لحماية المدنيين الفلسطينيين من المزيد من الفظائع، تتلاعب إدارة بايدن بنا بسخرية لقبول مساعدة الفلسطينيين المطرودين كجائزة ترضية”.
دعم غير مشروط
ولم يوافق مجلس النواب الأميركي على هذه الحزمة التمويلية بسبب مخصصات أوكرانيا والتي يرفضها أغلب الأعضاء الجمهوريين، بينما هدد بايدن باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار الجمهوريين حال استثنائه تمويل كييف.
وقال سيث بيندر الخبير بمشروع ديمقراطية الشرق الأوسط بواشنطن -للجزيرة نت- إن طلب إدارة بايدن حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل غير مسبوق من حيث الحجم، ويظهر الدعم غير المشروط لإسرائيل رغم الأدلة المتزايدة على ارتكابها جرائم حرب في ردها على هجوم حماس يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتنظم مذكرة تفاهم -تم توقيعها عام 2016 بين الولايات المتحدة وإسرائيل- حجم المساعدات العسكرية الثنائية لمدة 10 سنوات، وتلزم واشنطن بتزويد إسرائيل بمبلغ 3.3 مليارات دولار من التمويل العسكري الأجنبي سنويا.
كما تلزم الولايات المتحدة بإنفاق 500 مليون دولار سنويا على برامج الدفاع الصاروخي المشتركة من السنة المالية 2019 إلى 2028. وتشير المذكرة إلى إمكانية تقديم مساعدات تكميلية في حالات الطوارئ مثل الحروب.
وفور بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال ذخائر وقنابل كثيرة للجيش الإسرائيلي لتعويض أي نقص قد يتعرض له. ولم يعارض الكثير من قادة الكونغرس عدوان إسرائيل الذي خلف أكثر من 9 آلاف شهيد حتى الآن.
وفي لقاء مع شبكة “سي إن إن” رد ليندسي جراهام، السيناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، على سؤال حول ما إذا كان هناك حد لعدد الضحايا المدنيين الذين ستقبل واشنطن موتهم في غزة.
مخاوف مشروعة
وقال جراهام “إذا سألنا أحدهم أثناء الحرب العالمية الثانية، فهل هناك حد لما ستفعله للتأكد من أن اليابان وألمانيا لا تغزوان العالم؟ هل هناك أي حدود لما يجب أن تفعله إسرائيل بالذين يحاولون ذبح اليهود؟ الجواب لا، لا يوجد حد”.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط السفير ديفيد ماك -للجزيرة نت- إن هناك مخاوف مشروعة ومبررة لبعض منظمات حقوق الإنسان المؤيدة للفلسطينيين من طلب بايدن من الكونغرس مساعدة إسرائيل، ومن إمكانية تمويل واشنطن تهجير الفلسطينيين والتطهير العرقي.
وإضافة إلى 14 مليار دولار لإسرائيل، يشمل طلب بايدن تمويل مساعدات إنسانية منقذة للحياة في غزة وداعمة للاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية والمناطق المحيطة بها.
وتضمنت المذكرة جزءا خاصا بعنوان “مساعدات الهجرة واللجوء” طالب فيها بايدن بمبلغ إضافي قيمته 3.5 مليارات دولار، ليظل متاحا حتى يتم إنفاقه، لتلبية الاحتياجات الإنسانية.
ومن شأن هذه الموارد أن تدعم المدنيين النازحين والمتضررين من النزاع، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون في غزة والضفة، وأن تلبي الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة.
وتركت هذه اللغة الغامضة الباب مفتوحا ليراها البعض استعدادا أميركيا لتوفير الموارد المالية التي تعكس خطط تهجير سكان غزة وتوطينهم خارج القطاع.
وتحدث الخبير بمشروع ديمقراطية الشرق الأوسط بواشنطن عما سماه مخاوف مشروعة لمنظمات حقوق الإنسان من طلب بايدن من الكونغرس الموافقة على حزمة المساعدات لتمويل تهجير الفلسطينيين والتطهير العرقي، لأن بعض المسؤولين الإسرائيليين استمروا بالتعبير عن رغبتهم في طرد الفلسطينيين من غزة.
وأضاف بيندر للجزيرة نت “رغم إعراب بايدن ومسؤولين أميركيين آخرين عن معارضتهم لأي نزوح قسري، مازال يتعين عليهم توضيح أنه لن يدعم أي تمويل أميركي لمثل هذه الجهود”.
بدوره، يقول آدم شابيرو مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي بمنظمة “الديمقراطية للعالم العربي الآن” للجزيرة نت “إن مشروع القانون المطروح يوضح أن أفكار إدارة بايدن قد نفدت، وأن الاعتماد على القوة العسكرية لمعالجة مشكلة سياسية -يعلم الجميع أنها لن تحل عسكريا- هو ببساطة غباء”.
وأضاف أن صانعي السياسة الأميركية والخبراء يواصلون تجنب محاولة إيجاد طرق للتعامل مع المشكلة الحقيقية المتمثلة بالاحتلال الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري، ويتوقعون أن يختفي الفلسطينيون فعليا، رغم معرفتهم بواقع القضية بشكل أفضل فـ “هذا فشل هائل للقيادة الأميركية”.