غزة- “حال المستشفيات لا يسمح بتقديم أيسر الخدمات الطبية للجرحى والمرضى”، هي واحدة من عبارات كثيرة استخدمتها وزارة الصحة في قطاع غزة للتحذير من خطورة الوضع الصحي، حتى وصلت إلى إعلان “الانهيار التام”.
يأتي ذلك في ظل اشتداد حدة العدوان الإسرائيلي في أسبوعه الثالث مرفقا بحصار مطبق، ومنع إدخال الوقود منذ السابع من الشهر الجاري.
وأعلنت وزارة الصحة أن 12 مستشفى و32 مركز رعاية أولية خرجوا عن الخدمة، جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر، أو عدم قدرتها على استمرارية العمل بسبب نفاد الوقود.
وقال المتحدث باسم الوزارة أشرف القدرة، إن المنظومة الصحية وصلت إلى مرحلة هي الأسوأ في تاريخها، وأكد -للجزيرة نت- أن الاحتلال الصهيوني يتعمد إضعاف المنظومة الصحية بالاستهداف المباشر والتهديد وإنذارات الإخلاء ومنع الوقود.
استهداف ممنهج
ووثّقت وزارة الصحة والسلطات المحلية في غزة استشهاد 57 كادرا صحيا، وإصابة 100 آخرين بجروح متفاوتة.
ورغم أن الوزارة ضاعفت من القدرة السريرية نتيجة عدد الجرحى الهائل جراء العدوان، يقول أشرف القدرة، “نتعامل مع هذه القدرة السريرية بكادر بشري لا يتجاوز 30% من الكادر الأصلي”.
وتقدّر الوزارة نسبة إشغال الأسرّة في المستشفيات بأكثر من 150%، حيث اضطرت مستشفيات إلى إقامة خيام لاستيعاب ضحايا العدوان وأعدادهم المتزايدة لحظة بلحظة، ويشير آخر تحديث رسمي للشهداء بارتقاء أكثر من 6500، وأكثر من 17500 جريح.
ويفسر أشرف العجز الكبير في الكادر الطبي، باستهداف الاحتلال لجزء كبير منه، وتشريد جزء كبير آخر، مما حال دون قدرة هذا الكادر على الوصول إلى المرافق الصحية.
أجواء غير آمنة
وبرأي أشرف، فإن ما تواجهه المنظومة الصحية يندرج ضمن سياسة ممنهجة للاحتلال وهو ما يعكس حجم الاستهداف الذي تسبب في إلحاق الضرر بـ57 مؤسسة صحية، وتدمير أكثر من 25 سيارة إسعاف وخروجها عن الخدمة.
كما أشاع هذا الاستهداف أجواء غير آمنة في محيط المستشفيات بالقصف المكثف، تربك العمل وتجعله محفوفا بمخاطر جمة.
ومن بين جرائم الاستهداف المباشر للكادر الطبي، تبرز جريمة القصف والتدمير لمنزل مدير مستشفى “الدرة للأطفال” كمال خطاب وإصابته بجروح خطيرة، واستشهاد زوجته وابنتيه ونجله الصغير، حسب أشرف.
هذا الواقع المتردي دفع وزارة الصحة إلى مناشدة كوادرها المتقاعدة والمتطوعين في كل التخصصات الصحية، للالتحاق بالعمل في المستشفيات ووحدات الإسعاف.
نداء استغاثة
وبعد الانهيار التام للمنظومة الصحية، كرر أشرف نداء استغاثة أطلقته الوزارة مرارا مؤخرا، بضرورة العمل على ضمان تدفق فوري للمساعدات الطبية والوقود لاستعادة العمل في الأقسام المنقذة للحياة.
وأكد أن إدخال المساعدات سيكون مهما لو تضمنت “الوقود واحتياجاتنا الملحة في أقسام الطوارئ والعنايات المركزية وغرف العمليات لجميع مستشفيات قطاع غزة”.
وناشد “الأشقاء” في مصر فتح معبر رفح وضمان دخول وتدفق الوقود والمساعدات الصحية الطارئة، وتمكين الجرحى من السفر لتلقي العلاج اللازم والمناسب.
وسيتسبب التأخر في الاستجابة لنداءات الاستغاثة في وقوع كارثة صحية وإنسانية وخيمة، ستلحق أعدادا كبيرة من الجرحى بقافلة الشهداء، وتهدد حياة 140 جريحا ومريضا حياتهم مرتبطة بأجهزة التنفس الصناعي.
كما ستهدد حياة 1100 مريض بالفشل الكلوي بينهم: 38 طفلا و130 طفلا حديثي الولادة في أقسام الأطفال الخدج بالمستشفيات، وفق تأكيد المتحدث باسم وزارة الصحة.
وسمحت دولة الاحتلال بموجب اتفاق ثلاثي مع مصر والولايات المتحدة، بدخول 4 قوافل مساعدات عبر معبر رفح البري (المنفذ الوحيد لقطاع غزة على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية)، تضمنت 62 شاحنة محملة في أغلبها بمياه محلاة للشرب، وأغذية معلبة، وعدد محدود من الأدوية والمستهلكات الطبية.
وتتمسك إسرائيل برفض السماح بدخول أي كمية من الوقود إلى القطاع الذي توشك عجلة الحياة فيه على التوقف عن الدوران تماما، بما في ذلك عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي حذرت من أنها إذا لم تحصل على الوقود عاجلا فستضطر إلى وقف عملياتها في غزة.
أقل من الحاجة
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن قطاع غزة بحاجة إلى ما لا يقل عن 160 ألف لتر من الوقود يوميا.
وحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، فإن المساعدات التي دخلت القطاع أقل بكثير من حاجته في الأوضاع الطبيعية، حيث كان يدخله يوميا أكثر من 500 شاحنة محملة بمختلف الاحتياجات، من بينها 45 شاحنة وقود.
وقال سلامة -للجزيرة نت-، إن هذه المساعدات لن تستطيع تغيير الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، خاصة مع استمرار منع توريد الوقود.
وحث على ضرورة فتح معبر رفح بشكل دائم وتدشين ممر آمن يعمل على مدار اللحظة لتوفير الحاجات الإنسانية والخدماتية المفقودة بشكل كامل، وتمكين جرحى العدوان من السفر للعلاج، في ضوء تعذر تقديم الرعاية الطبية المناسبة في مستشفيات غزة حاليا.
وفي بيان رسمي، دحض سلامة مزاعم وصفها بـادعاءات وأكاذيب للناطق باسم جيش الاحتلال نشرها على حسابه بمنصة (إكس) عن وجود كمية مقدرة بنصف مليون لتر من الوقود في معبر رفح، ونفى فيها وجود أزمة داخل القطاع جراء نفاد الوقود.
وأكد أن هذه الكمية موجودة في خزانات داخل المعبر، وهي محجوزة منذ اليوم الأول للعدوان، ومدفوع ثمنها مسبقا من أصحاب محطات وقود، ويتعذر الوصول إليها واستخراجها والاستفادة منها؛ بسبب تهديدات الاحتلال وتعمده منع وصول أي كمية وقود إلى المراكز الصحية والخدماتية.