100 صاروخ في عدة دقائق.. خمسة أسرار تفسر قوة منظومة حزب الله الصاروخية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي صباح الـ12 من يونيو/حزيران الحالي إن أكثر من 100 صاروخ أطلقت من جنوب لبنان باتجاه مدينتَي صفد وطبريا ومحيطهما خلال دقائق معدودة، وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن دفاعاته اعترضت عددا من الصواريخ لكن بعضها سقط في مواقع عدة؛ مما تسبب في نشوب عدد من الحرائق، وأصدر توصيات لسكان المدن الإسرائيلية بالتجهز في أي وقت لدخول الملاجئ.

لم تكن تلك إلا حالة واحدة من ضمن ضربات متعددة، فحزب الله يعتبر الصواريخ سلاحًا أساسيا في مواجهاته مع دولة الاحتلال؛ ولذا فقد استثمر في تحديثها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي أصبح يمثل تهديدًا أقلق جنرالات الحرب في تل أبيب، خاصة أننا نعرف أن حزب الله يعد أقوى جهة غير حكومية في العالم من حيث التسليح.

في الواقع، كانت هناك خمسة أسباب محددة نرى أنها دفعت ترسانة حزب الله الصاروخية إلى هذا المستوى الذي يؤهّلها لأن تكون تهديدًا حقيقيًّا لدولة الاحتلال، على الرغم من تفوّق جيشها الواضح في العدة والعتاد.

زيادة النطاق والتنوع

حاليًّا، يمتلك حزب الله صواريخ يتجاوز مداها 300 كيلومتر، مثل صاروخ فاتح 110 ونسخه المختلفة، وهي صواريخ يمكنها الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وضرب أهداف إستراتيجية محددة. ويبدأ مدى صواريخ حزب الله من 10 كيلومترات لصواريخ بركان وفلق، ويرتفع ليصل إلى 40 كيلومترا فأعلى حتى حدود 100 كيلومتر لصواريخ مثل فجر 3 و5 ورعد 2 و3، وأخيرا تظهر صواريخ مثل خيبر 1 وزلزال 2 وغيرها من الصواريخ التي يزيد مداها على مئة كيلومتر.

امتلاك نسخ من الصواريخ متنوعة في مداها إلى هذا الحد يوفر لحزب الله العديد من المزايا التكتيكية، بما في ذلك تنويع الأهداف، إذ إن الصواريخ القصيرة المدى مفيدة لاستهداف المنشآت العسكرية القريبة والمناطق الحدودية والتهديدات المباشرة، والصواريخ المتوسطة المدى تسمح بضرب المدن الكبرى والبنية التحتية والأهداف العسكرية البعيدة، والصواريخ الطويلة المدى قادرة على ضرب أهداف إستراتيجية في عمق أراضي العدو، بما في ذلك المراكز الحضرية الكبرى التي تمتلك قواعد عسكرية وبنية تحتية حيوية.

أضف إلى ذلك أن استخدام مزيج من أنواع الصواريخ ومداها المختلف في ضربات منسقة يمكن أن يطغى على أنظمة الدفاع الصاروخي للعدو. فعلى سبيل المثال، يمكن لوابل من الصواريخ القصيرة المدى أن يشبع الدفاعات؛ مما يسمح للصواريخ الأطول مدى بالاختراق بسهولة أكبر. كما أن القدرة على إطلاق الصواريخ من نطاقات مختلفة يسمح لحزب الله بتكييف تكتيكاته بناءً على الوضع المتطور في ساحة المعركة، إذ يمكنه اختيار شنّ هجمات قصيرة المدى لتحقيق تأثير فوري أو هجمات طويلة المدى لتحقيق أهداف إستراتيجية.

إن مجموعة من الصواريخ المتنوعة المدى تسمح لحزب الله بتوزيع منصات إطلاق الصواريخ على مساحة واسعة، وهذا يجعل من الصعب على قوات العدو تحديد مواقع الإطلاق وتدميرها في وقت واحد، أضف إلى ذلك أن امتلاك مدى متنوع من الصواريخ يتيح لحزب الله في النهاية درجة من السيطرة على سلّم التصعيد، ولهذا أهمية سياسية كبيرة.

صاروخ فاتح 110 (رويترز)

تحسين الدقة

وإلى جانب تحسين وتنويع مدى الصواريخ، عمل حزب الله على امتلاك وتطوير صواريخ موجهة بدقة، ويعد ذلك أهم التطورات التي حصلت في ترسانة حزب الله الصاروخية مؤخرا. نعرف الآن أن في ترسانة حزب الله -التي تتراوح بين 120 و200 ألف صاروخ- مئات من الصواريخ الدقيقة الموجهة ذات القدرة التدميرية العالية، يمكنها ضرب أهداف دقيقة في الداخل الإسرائيلي خاصة مراكز البنية التحتية العسكرية الأساسية؛ ولذك فستضطر دولة الاحتلال إلى تكريس منظومتها الدفاعية كلها لحزب الله فقط إذا ما قامت الحرب.

الصواريخ الموجهة بدقة هي أسلحة متقدمة يمكن توجيهها نحو الهدف بعد إطلاقها، حيث يتم التحكم فيها أثناء الرحلة بواسطة أنظمة توجيه مختلفة بما في ذلك نظام التموضع العالمي، ويتكون نظام الصواريخ الموجهة النموذجي من عدة أجزاء أهمها “مكونات الاستهداف” التي تعمل على تحديد الهدف وضربه بدقة، و”نظام التوجيه” للتحكم في مسار الصاروخ، و”نظام الطيران”، و”المحرك”، و”الرأس الحربي” المتفجر.

أضف إلى ذلك أن حزب الله يعمل حاليًّا على إضافة أنظمة توجيه إلى الصواريخ غير الموجهة التي يمتلك منها عشرات الآلاف؛ من أجل تحويلها إلى صواريخ دقيقة، ويمثل ذلك في حد ذاته نقلة كبرى في ترسانته، ويعزز كونه قوة عسكرية تمتلك أساليب قتالية تنتمي إلى نطاق الحرب غير النظامية، وأسلحة دقيقة متقدمة مع هيكلة مركزية تضعه في جانب الحرب النظامية.

 

منصات إطلاق مرنة

أضف إلى ذلك أن جانبا من قدرة حزب الله على محاربة عدو أقوى في العدة والعتاد يتعلق باستخدام تكتيكات مرنة، فمثلا مع حملة قصف جوي على منطقة ما تتمكن القوات المدافعة من التخفيض السريع في استخدام نقاط التفتيش وحركات القوات على الأرض واستخدام الهواتف المحمولة، ويمكن للقوات أن تتخذ تشكيلات عدة في وقت قصير بناء على المعلومات المتاحة.

في هذا السياق يصمم حزب الله منصات إطلاق للصواريخ لها أربع مزايا، الأولى أنها متنقلة، يمكن تحريكها وإعادة وضعها بسرعة؛ مما يجعل من الصعب على قوات العدو تعقبها واستهدافها، والثانية أنها مرنة، يمكن استخدامها في مختلف التضاريس، والثالثة أنه يمكن إخفاؤها وإخفاء مواقع تخزينها، والمزية الرابعة أن تدريب القوات وطبيعة المنصات يسمحان بالانتشار السريع لإطلاق الصواريخ والقذائف، وهو أمر بالغ الأهمية للهجمات المفاجئة أو الاستجابات السريعة.

 

تحسينات الحمولة

صورة نشرها حزب الله للحظة إطلاق صاروخي بركان باتجاه مواقع عسكرية إسرائيلية (مواقع التواصل)

يمكن لبعض صواريخ حزب الله الحديثة أن تحمل رؤوسًا حربية كبيرة؛ مما يزيد من قدرتها التدميرية. نعرف مثلا أن نسخًا من صاروخ زلزال (النوعين 1 و2) يمكنها حمل ما يصل إلى 600 كيلوغرام من المواد المتفجرة، وبعض الصواريخ التي يمتلكها حزب الله مثل سكود (بي وسي ودي) يمكنها حمل رؤوس حربية متفجرة بوزن أكبر، وهذه القدرة مثيرة لقلق أعدائه بشكل كبير.

مؤخرًا أعلن حزب الله استخدام صاروخ بركان، وهو صاروخ رخيص الثمن (عدة مئات من الدولارات)، قصير المدى وبسيط التركيب، لكن يمكنه حمل رأس حربي ثقيل يصل وزنه إلى 500 كيلوغرام، والميزة الأخرى أنه يمكن تحميل الرأس الحربي لصاروخ بركان بمتفجرات بأوزان مختلفة تبدأ من 60 كيلوغرامًا؛ مما يسمح بالمرونة حسب الهدف وطبيعة العملية. والواقع أنه برأس حربي يزن 100 كيلوغرام، فإن صاروخ بركان قادر على إحداث دمار في نطاق قطره 150 مترًا.

أضف إلى ذلك أن حزب الله أصبح يمتلك صواريخ ذات رؤوس حربية متخصصة لها علاقة بمهام محددة مثل الرؤوس الحربية الخارقة للدروع، على سبيل المثال، صاروخ كورنيت الموجه المضاد للدبابات برأس حربي قادر على اختراق الدروع التي يصل سمكها إلى 12 سنتيمترًا إلى جانب صواريخ أخرى لنفس الغرض، وعلاوة على ذلك، يمتلك حزب الله نسخا من الصاروخ الروسي المضاد للسفن “بي-800 أونيكس” الذي يمكنه حمل رأس حربي خارق للدروع يصل وزنه إلى 250 كيلوغرامًا، ويشكل هذا الصاروخ تهديدا كبيرا للسفن البحرية.

 

التكامل مع الأنظمة الأخرى


يمتلك حزب الله ما يزيد على 2000 طائرة مسيّرة متعددة المهام، وهذه المسيّرات تتوافق تماما مع سمات المرونة التي يرغب فيها حزب الله، إذ يمكن تخصيصها للعمل في نطاقات مختلفة من الهجوم والدفاع بحمولات وأجهزة مختلفة، بما في ذلك أجهزة الاستشعار والكاميرات والأسلحة، وهذا التنوع يجعلها مناسبة لمجموعة واسعة من التطبيقات.

الأهم من ذلك أن المسيّرات يمكنها العمل في منظومة متكاملة مع الصواريخ بما يشبه حرب الأسلحة المشتركة، وهو أسلوب قتالي يسعى إلى دمج الأسلحة القتالية المختلفة للجيش لتحقيق تأثيرات تكاملية متبادلة. فمثلا في المراحل الأولى من هجوم شامل يمكن للمسيّرات استنزاف قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي في منطقة ما، تليها ضربات صاروخية فلا تتمكن الدفاعات من صدها جميعا، خاصة مع اختلاف تكتيكات عمل كل منها.

أضف إلى ذلك أن حزب الله يعمل على تحسين قدراته في الحرب الإلكترونية، بما في ذلك أساليب التشويش والخداع لحماية أنظمته الصاروخية وتعطيل دفاعات العدو، الأمر الذي يؤثر بقوة في منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، ولا تزال تلك النطاقات بحاجة إلى المزيد من التطوير، لكن يعتقد أنه في مرحلة ما ستتمكن صواريخ حزب الله من إشباع منظومات مثل القبة الحديدية واختراقها لتحقيق ضربات مؤثرة.

الأمر إذن لا يتعلق فقط بتكنولوجيا الصواريخ، بل بطبيعة المعركة التي يديرها طرف اتجاه آخر، حتى لو كان هذا الطرف أضعف من الناحية التقنية، وتظل السمة الرئيسية للنجاح في إدارة المعارك هي المرونة، فكلما كنت أكثر مرونة أصبحت قدرتك على التكيف مع المتغيرات أفضل، وذلك في جانب منه هو أساس المعركة الجيدة، في أي حرب.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *