1.4 مليون نازح.. فلسطينيون للجزيرة نت: لا يوجد مكان آمن بغزة

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

غزة – “أنا بخير ومش بخير”.. بهذه الكلمات وصفت هنا عليوة حالها وأسرتها مع تجربة النزوح من منزلها في مدينة غزة إلى “اللامكان” في مدينة رفح. وهو حال آلاف من سكان شمال قطاع غزة، ممن اضطر إلى النزوح، ليلاحقه الموت والدمار إلى “النصف الجنوبي” من القطاع، إذ زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه أكثر أمنا من نصفه الشمالي.

لا مكان آمن فوق أرض غزة وتحت سمائها، تقول عليوة والنازحون من مدينة غزة وشمالها إلى مدن جنوب وادي غزة، بعد إنذار جيش الاحتلال لهم في سابع أيام حربه على القطاع، فتشتت شمل الأسر والعائلات، حتى “فاضت” منازل الأقارب والأصدقاء ومراكز الإيواء في مدن الجنوب بنازحي الشمال.

نزحت عليوة مع زوجها وأطفالها الثلاثة في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، من حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة، وهو أحد أكثر الأحياء التي تعرضت لغارات جوية مكثفة، على “غير هدى” وإلى “وجهة غير معلومة” في جنوب وادي غزة، حيث استقر بها المقام في مدينة رفح أقصى مدن القطاع الساحلي الصغير على الحدود مع مصر.

لا مكان محدد يستقر به النازحون إلى مناطق جنوب القطاع، بعد أن هجروا من منازلهم بدافع الخوف، وتشتتوا في الشوارع والميادين العامة، قبل أن يستقر الحال بالغالبية في مراكز الإيواء.

ويعرف عن مناطق جنوب القطاع أنها الأشد فقرا، حيث لا بنية تحتية أو مرافق وفنادق يمكنها استيعاب تدفق مئات آلاف النازحين إليها من مناطق الشمال.

وتشير تقديرات رسمية للمكتب الإعلامي الحكومي إلى أن مليونا و400 ألف نسمة، بنسبة تصل إلى 70% من سكان القطاع الذين يقدر تعدادهم بنحو 2.3 مليون نسمة، قد نزحوا من منازلهم ومناطق سكنهم، سواء إلى مناطق الجنوب، أو إلى مناطق أخرى داخل المدينة الواحدة.

يتحدث سكان غزة عن صواريخ إسرائيلية ذات قدرة تدميرية هائلة تلحق الدمار على نطاق واسع من محيط المنزل المستهدف (الجزيرة)

أكذوبة الأمن في الجنوب

في مناطق نزوحهم الجديدة افتقد أهالي غزة إلى “الأمان المنشود”، وبحسب رئيس “المكتب الإعلامي الحكومي” سلامة معروف، فإن آلاف الشهداء والجرحى ارتقوا في “مجازر مروعة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي النازي” في المناطق التي زعمت أنها آمنة، واستهدف الاحتلال فيها النازحين بشكل مباشر في الطرقات، وفي منازل أقربائهم وأصدقائهم، وفي مراكز الإيواء.

وقال المسؤول الحكومي للجزيرة نت إن “أشلاء نساء وأطفال غزة” فضحت الأكذوبة الإسرائيلية بأن مناطق جنوب القطاع في مأمن من العدوان الغاشم والغارات الجوية المكثفة والغادرة.

ونزح بهاء الكحلوت بأسرته إلى منزل أحد أصدقائه في مدينة رفح، دون أن يعرف أنه يذهب برضيعه إلى قدره، إذ استشهد في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلا مجاورا.

يقول محمد الشقاقي -للجزيرة نت- إن صديقه بهاء لجأ إليه مع أسرته من شمال القطاع، طلبا للأمن، بعد التهديدات الإسرائيلية لسكان تلك المناطق، ولم يكن يدور في خلده أنه سيحفر لطفله الرضيع “قبرا” في رفح.

ولم يحتمل الكحلوت البقاء في رفح بعد فقده لطفله “حمود”، وتوجه بأسرته إلى مخيم النصيرات للاجئين وسط القطاع، وهو في نطاق مناطق جنوب القطاع، وكان مسرحا لمجازر عدة، أكثرها دموية استهداف متسوقين ومارة في “سوق النصيرات المركزي”.

وقضى الكحلوت وأسرته في مدينة رفح أياما قليلة، وغادرها وقد فقد طفله، وسيارته التي دمرت تماما في الغارة الجوية ذاتها، حيث نالت من منازل كثيرة مجاورة، وأدت إلى استشهاد 6 فلسطينيين، منهم اثنان في المنزل المستهدف، واثنان في منزل مجاور، وأحد المارة، وفقا للشقاقي الذي نجا وأسرته بأعجوبة من الغارة.

مشاق النهار وإرهاب الليل

تقول هنا عليوة “حرفيا لا يوجد متر واحد في غزة آمن، وحتى أحوالنا تتغير في طرفة عين.. الآن أنا بخير، ولا أعلم إن كنت سأبقى كذلك، وقد تنقلب حياتي في أي لحظة”.

لا تغيب عيونها عن أطفالها الثلاثة ليما (15 عاما) وفؤاد (12 عاما) وليليا (8 أعوام)، طوال النهار، وتبذل كل جهدها لمنحهم -ما تفتقده هي شخصيا- من شعور بالأمن والأمل، وتقول “نقضي النهار في مهام شاقة لتدبر احتياجاتنا الأساسية من طعام ومياه، وعندما يأتي الليل يجلب معه كثيرا من الخوف والرعب، حيث يشتد القصف والغارات الليلية، التي تجعل الأمل في نهار جديد أسمى ما نتمنى لأطفالنا”.

تقيم عليوة وأسرتها و5 أسر أخرى من أشقاء وعائلة زوجها (35 فردا) في شقة صغيرة في مخيم الشابورة للاجئين، وهو أحد أشهر المخيمات في مدينة رفح وأكثرها اكتظاظا بالسكان، وتقول للجزيرة نت إن هذه تجربتها الأولى في النزوح، وفي تجربة العيش في مخيم للاجئين، استعادت معها حكايات الأجداد عن نكبة 1948.

“كنا نسمع عن مآسي الهجرة والتشريد التي تعرض إليها جيل النكبة، والآن نحاكي بأنفسنا جزءا منها”، تقول عليوة التي تتولى وزوجها يوميا مسؤولية توفير مستلزمات الأسر الست، “نتعامل مع الواقع الجديد بإدارة لحظية وبخطة طارئة، ووفق المتاح، ونتجنب إلى حد كبير الطبخ والمشروبات الساخنة التي تحتاج غاز الطهي”.

ونفد الوقود بأنواعه، منها الغاز المنزلي (غاز الطهي)، من القطاع، حيث تفرض إسرائيل حصارا مطبقا وقيودا مشددة، وتمنع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري دخول أي كمية من الوقود، وسط تحذيرات لمؤسسات محلية ودولية من اتجاه القطاع نحو “كارثة محققة”.

منازل كالقبور

يتعاظم الشعور بالخوف والعزلة داخل المنازل، مع انقطاع الكهرباء كليا، وتدني خدمات الاتصالات والإنترنت جراء دمار ناجم عن الغارات الجوية لحق بمنشآت ومرافق حيوية ومحطات إرسال، ولجأت هنا عليوة إلى حيلة لطمأنة أقاربها ومحبيها، ولعدم قدرتها على الرد على استفساراتهم عن أحوالها كتبت مقالا، وبعثته عبر رسائل نصية قصيرة إلى شقيقها في بلجيكا، ومنحته إمكانية المرور إلى حسابها الشخصي على منصة “فيسبوك” ونشره.

وباتت تفاصيل يومية صغيرة وروتينية بمثابة “مهام معقدة وشبه مستحيلة”، مثل شحن الهواتف النقالة، أو العثور على مكان تتوفر به خدمة الإنترنت، أو توفير مياه الشرب وكذلك المياه اللازمة للنظافة والاستخدام المنزلي.

ووسط هذا الحجم من الألم والمعاناة، تعتبر عليوة وأفراد أسرتها من المحظوظين لمجاورتهم منزلا تتوفر به كهرباء عبر الخلايا الشمسية، يلجؤون إليه لشحن هواتفهم النقالة، وبطارية صغيرة تستخدم لإضاءة المنزل خلال ساعات الليل الموحشة، بحسب وصفها.

وتمتلك عليوة شركة إنتاج إعلامي في غزة، اضطرت إلى إغلاقها مع النزوح وشدة الغارات الجوية وخشيتها على حياة أفراد طاقمها، ورغم أن الحرب قلبت حياتها رأسا على عقب، فإنها لا تتمنى حاليا سوى “الخروج سالمة بأسرتها من هذه الحرب المجنونة”، وتتوق إلى ما وصفته بـ”الاستيقاظ من كابوس النزوح والعودة إلى منزلي في غزة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *