أعاد كاتب تركي إلى الأذهان أن الصهاينة، وقبل أن يبدؤوا استعمارهم لأراضي فلسطين في 14 مايو/أيار 1948، عرض عليهم الإمبرياليون البريطانيون العديد من خيارات الأراضي ومنها أراضي “أوسين جيشو” الواقعة حاليا داخل حدود كينيا.
وانطلق الكاتب من ذلك ليتحدث عن الوجود المصطنع لليهود في فلسطين، وعن الطبيعة الحقيقية للصهيونية كحركة استعمار استيطاني، داعيا إلى التضامن الدولي مع نضال الشعب الفلسطيني باعتباره حركة نضال في سياق المقاومة العالمية ضد الإمبريالية والاستعمار.
ويقول الكاتب كنان توبراك، في مقال بصحيفة “يني شفق” التركية، إن التاريخ الحديث شهد نوعين من الاستعمار: بدأ الأول في القرن الـ15 مع “الاكتشافات الكبرى” التي تطوّرت إلى حركة كبرى للاستعمار الأوروبي لقارات أخرى ودخلت التاريخ باسم “الاستعمار”.
الاستعمار الاستيطاني
والنوع الثاني هو الاستعمار الاستيطاني، حيث استولت القوى الإمبريالية الغربية على أراضي السكان الأصليين وأجبرتهم على النزوح أو الخضوع، وغالبا ما استقرت أعداد كبيرة من الأوروبيين مما أدى إلى خلط ديموغرافي كبير. وقد حدث هذا النوع من الاستعمار في أميركا الشمالية وجنوب أفريقيا ونيوزيلندا وأستراليا. ويُعتبر الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين مثالا آخر على الاستعمار الاستيطاني.
وأشار إلى إن البريطانيين عرضوا على الحركة الصهيونية عددا من الخيارات في أجزاء مختلفة من العالم لتوطين اليهود فيها، وكان أحد هذه الخطط اقتراحا بإنشاء مستعمرة أو مستوطنة يهودية سموها “خطة أوغندا”، وتهدف إلى نقل مئات الآلاف من اليهود الشرقيّين إلى منطقة “أوسين جيشو” التي كانت آنذاك جزءا من محمية أوغندا، وتقع الآن داخل حدود كينيا، مضيفا أن المؤتمر الصهيوني الذي عُقد في 1905، رفض هذه الخطة.
وأعاد الكاتب إلى الأذهان أيضا تصريحا لـ(يسرائيل زانغويل)، أحد نواب الحركة الصهيونية قبل قرن، قال فيه “هناك حيوانات برية في شرق أفريقيا، لكن هناك مخلوقات أكثر وحشية في القدس، حيث يوجد متعصبون دينيون (مسلمون أعداء)”، وربطه بتصريح وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يائير غالانت الذي قال “نحن نحارب حيوانات بشرية وسنتصرف وفقا لذلك”، ليقول إن التصريحين يؤكدان أن نظرة الصهاينة لم تتغير من الماضي إلى الحاضر، وإنهم، لو قبلوا بـ”خطة أوغندا” لنفذوا “إبادة جماعية” على شعب الماساي الكيني مماثلة للتي نشهدها حاليا في غزة.
التكرار المعاصر للاستعمار
واستمر توبراك يتحدث عما نشهده في فلسطين اليوم ليقول إنه تكرار معاصر للاستعمار ومظاهره، ذلك أن إسرائيل في فلسطين اليوم مثل البريطانيين في كينيا والهند وزيمبابوي (المعروفة سابقا باسم روديسيا) وفي أجزاء أخرى من مستعمراتها السابقة، ومثل الولايات المتحدة في فيتنام، والألمان في ناميبيا، والبوير والبريطانيين في جنوب أفريقيا، والفرنسيين في الجزائر وهاييتي، والبلجيكيين في جمهورية الكونغو الديمقراطية (المعروفة سابقا باسم زائير)، والبرتغاليين والإسبان في أميركا اللاتينية.
وقال الكاتب إن الصهيونية تعود إلى عصر اعتاد فيه المستعمرون الأوروبيون تبرير إبادة البشر الذين رأوهم شعوبا أدنى و”متوحشين”، لذلك ليس من المستغرب أن يشهد العالم حاليا نفس وقائع العنف الاستعماري أمامهم في فلسطين.
خطاب واحد للصهيونية والاستعمار الاستيطاني
وأوضح الكاتب أن الاستعمار الاستيطاني الأوروبي والصهيونية يتشاركان في إنتاج خطاب واحد يبرر استيطانهما ويخفي أسوأ أعمالهما الوحشية بادعاء نوع من الاستثناء.
فعلى سبيل المثال، أشار والتر إل هيكسون، مؤلف كتاب “الاستعمار الاستيطاني الأميركي: تاريخ”، إلى أن المستوطنين الأنجلو-أميركيين الأوائل منذ وصولهم إلى أميركا الشمالية كانوا يتخيلون أنفسهم مكتشفين مختارين إلهيا للأراضي “البكر” التي سيستولون عليها، وأنشؤوا فكرة “القدر المحتوم”، التي استمرت في التأكيد على الإيمان بالرسالة الإلهية للاستعمار. وبالمثل، أشارت الحركة الصهيونية إلى وضع اليهود كـ “الشعب المختار”، بينما سعت فرنسا إلى تبرير مبادراتها الاستعمارية بوعود رسالة “التنوير”.
وأورد الكاتب أن الدولة الاستيطانية الصهيونية، من خلال سياساتها العنصرية في فلسطين، طبّقت جميع الدروس التي يمكن تعلمها من مختلف الأنظمة العنصرية التي أقامها المستوطنون البيض في آسيا وأفريقيا ومناطق أخرى.
وبشكل خاص، هناك العديد من أوجه التشابه بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي الحالي.