ينبشون بأياديهم.. متطوعون بغزة يبحثون عن أحياء تحت الركام

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

غزة- دم ودمار على كل متر من جغرافية قطاع غزة، هذا ما تتركه غارات جوية إسرائيلية لا تتوقف، تشنها المقاتلات العسكرية على هذا الشريط الساحلي الضيق والصغير، الممتد بمحاذاة ساحل البحر من بلدة بيت حانون شمالا، وحتى مدينة رفح جنوبا على الحدود مع مصر. واقع يضغط على فرق وطواقم الدفاع المدني، التي تحاول جاهدة مواكبة رقعة الدمار الواسعة، بقدرات محدودة ومتهالكة، بينما يستمر استهداف منازل سكنية بغارات متزامنة، تشتت جهودهم، وتستنزف طاقاتهم.

ومع كل غارة، يندفع متطوعون إلى المنازل المستهدفة، التي حولتها غارات إسرائيلية إلى “قبور مؤقتة”، ينبشون بأياديهم الخالية بين الأنقاض، بحثا عن ضحايا، ويشكل تدخلهم في الوقت المناسب “حياة” لأناس بقيت أرواحهم معلقة بين الخوف والرجاء دفنوا أحياء تحت ركام منازل مدمرة.

بمعاول ومعدات بدائية يعمل متطوعون على نجدة الضحايا تحت ركام المنازل المدمرة في غزة (الجزيرة)

مشاهد بطولة وفداء

اختلطت مشاعر حشود متجمهرة حول أنقاض منزل عائلة الخواجا في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بين الدهشة والإعجاب، ترقب عائد جبر (شاب ثلاثيني) وهو يسابق الزمن برفع الحجارة وفتح “ثغرات” وسط الركام، ويدفع برأسه داخلها، ويصرخ بكل ما أوتي من عزيمة “في حدا عايش”؟ بعد أن حوّلت غارة إسرائيلية المنزل المستهدف لكومة من الركام، وحجارة تناثرت فوق منازل متواضعة في مخيم الشابورة للاجئين بالمدينة.

كأنه يبحث عن “كنز ثمين” فقده تحت الأنقاض، يخيل لمن يشاهد حماسة عائد برفع الأنقاض دون أن يلتقط أنفاسه، أنه أحد أبناء الأسرة التي استشهد 13 من أفرادها، وأصيب بقيتها بجروح متفاوتة، في حين لا يرتبط بها بأي علاقة. 

ويقول محمد عبد ربه، صديق عائد، الذي كان معه كتفا بكتف في هذه المهمة الإنسانية التطوعية، إن فرحتهما كانت كبيرة بنجاحهما بإنقاذ قطة كانت عالقة تحت جدار إسمنتي، وتبيد إسرائيل عائلات بأكملها تحت أنقاض المنازل.

وإلى جوار عائد ومحمد، كان ثالثهما وصديقهما وجيه أبو جزر، يبحث عن صديقه محمد البلبيسي، ولسانه يلهج بالدعاء أن يتمكن من الوصول إليه حيا، ويقول، “لن أنسى تلك اللحظة التي أخرجته من تحت الأنقاض جثة هامدة”.

وفي مشهد آخر سيترك أثره طويلا في ذاكرة وجيه، يقول للجزيرة نت، إن كلمات أبو علي الخواجا، “ساعدوني.. ساعدوني”، ونصف جسمه السفلي مدفون تحت الأنقاض، لن تفارقه لبقية حياته، وكانوا قد استغرقوا أكثر من ساعتين حتى تمكنوا من انتشاله.

ذلك اليوم كان مأساويا في حياة وجيه، فقد تلقى صدمة عنيفة في ساعات الفجر باستشهاد خاله وجيه أبو زايد وجميع أفراد أسرته (17 فردا) في غارة جوية إسرائيلية دمرت منزلهم فوق رؤوسهم وهم نيام.

جيران المبنى المستهدف يهبون لنجدة أصحابه وانتشال الضحايا من تحت الركام-رائد موسى-الجزيرة نت
جيران المبنى المستهدف يهبّون لنجدة أصحابه وانتشال الضحايا من تحت الركام (الجزيرة)

أرض محروقة وقدرات محدودة

يقول المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني الرائد محمود بصل، للجزيرة نت، إن الحرب الإسرائيلية هذه المرة غير مسبوقة، وأكثر شراسة ودموية عن سابقاتها من الحروب المتكررة على غزة، وتنتهج فيها دولة الاحتلال سياسة الأرض المحروقة، هادفة إلى مساحات واسعة من الدمار مع أعداد أكبر من الضحايا.

ووفقا لمحمود فإن الغارات والاستهداف المتزامن للمنازل يحدّ من قدرة الطواقم الميدانية للدفاع المدني على أداء مهامها الإنسانية، إضافة إلى ما تتعرض له من استهداف مباشر أدى إلى ارتقاء 12 شهيدا من أفرادها وجرح 42 آخرين، وتدمير سيارات ومعدات، أهمها خزان مياه سعته 15 ألف لتر، بتمويل قطري، هو الوحيد لتزويد السيارات بالمياه لمساعدتها في أداء مهامها بالتدخلات الطارئة للإنقاذ والإطفاء.

ويرى محمود ما تتعرض له غزة من تدمير بأنه يفوق قدرات دول، متسائلا بكلمات ممزوجة بكثير من الألم والحسرة، “كيف يمكننا بطواقم محدودة وإمكانات متواضعة التعامل مع 50 غارة استهدفت منازل ومنشآت في آن واحد، كما حدث قبل بضعة أيام في تل الهوا بمدينة غزة”؟

وتشير تقديرات أولية صادرة عن “المكتب الإعلامي الحكومي” إلى أن زهاء 128 ألف وحدة سكنية، بينها 9500 وحدة لم تعُد صالحة للسكن، إثر تعرضها للاستهداف والتدمير منذ اندلاع “معركة طوفان الأقصى” في السابع من الشهر الجاري.

تواجه فرق الدفاع المدني معوقات كثيرة جراء الدمار الهائل مع قلة الكوادر البشرية وضعف الامكانات المادية-رائد موسى-الجزيرة نت
فرق الدفاع المدني تعاني قلة الكوادر البشرية وضعف الإمكانات المادية (الجزيرة)

مفقودون تحت الأنقاض

ويعتقد المتحدث باسم الدفاع المدني، أن الاحتلال يتعمد القصف المدمر والمتزامن، وعلى نحو جنوني، يجعل من المستحيل على طواقم الدفاع المدني تلبية نداءات الاستغاثة في أماكن متفرقة في الوقت ذاته، الأمر الذي يضطرهم إلى العمل حسب الأولويات.

وحسب وزارة الصحة، فإنها تلقت 1400 بلاغ لمفقودين لا يزالون تحت الأنقاض، من بينهم 720 طفلا. يقول محمود بصل، إن العمل على انتشالهم في الوقت الحالي أمر بالغ التعقيد مع كثافة الغارات الجوية، والاستهداف اللحظي، وعلى مدار الساعة للمنازل المأهولة.

وأضاف المتحدث ذاته، أن التعامل مع واقع الدمار غير المسبوق في غزة بحاجة إلى معدات ثقيلة، وأجهزة الكشف عن أحياء تحت الأنقاض، بينما جهاز الدفاع المدني يعاني من نقص حاد في كل شيء، حتى في “أكياس الموتى” التي بات رصيدها صفرا في المخازن، جراء الأعداد الهائلة من جثث الشهداء.

وبينما يحتاج كل 1000 مواطن لرجل دفاع مدني، فإن عدد أفراد الطواقم الميدانية في الدفاع المدني في غزة يقدر بـ 700 عنصر، في الوقت الذي يحتاج قطاع غزة البالغ تعداده 2.3 مليون نسمة لنحو 2300 عنصر دفاع مدني في الوقت الطبيعي، وأضعاف هذا العدد في مثل الواقع الحالي من القتل والدمار جراء الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة، وفقا للمتحدث باسم الدفاع المدني.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *