مع تصاعد المواجهة في قطاع غزة منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، برز تطور ملحوظ في الموقف الإيراني، حيث دعا عدة مسؤولين إيرانيين إلى ضرورة وقف الحرب وحذروا من أن احتمالات توسع نطاقها تبقى واردة.
ويثير الموقف الإيراني من هذه المعركة عدة تساؤلات حول ملامح تطوره ميدانيا، وأبرز محدداته في التعامل مع التصعيد في غزة، وبشأن خيارات طهران في حال استمر التصعيد.
منذ اللحظات الأولى لبدء معركة “طوفان الأقصى”، تصاعد الجدل حول احتمالات توسّع نطاقها لمواجهة إقليمية متعددة الجبهات تنخرط فيها مكونات مختلفة. وتجلى ذلك في ارتفاع وتيرة التصعيد في جنوب لبنان، حيث تمكن حزب الله من إدخال ما تسميه إسرائيل الجبهة الشمالية في نطاق الاشتباكات.
حرب مفتوحة
توصف هذه الحالة اليوم بأنها “ما دون الحرب المفتوحة”. ورغم محددات حزب الله ولبنان كون إسرائيل ما تزال تحتل أراضي لبنانية، ولاعتبارات جغرافية وسياسية وعسكرية، لا يمكن الفصل بين تصاعد انخراط حزب الله في المواجهة عن مجمل الموقف الإيراني شديد التأثير بموقف الحزب. ويشكل أي انفجار لحرب مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل احتمالية أعلى لانخراط طهران في المواجهة.
من جهة ثانية، شهدت الأيام الأخيرة تصاعدا ملحوظا في عمليات استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، تزامنا مع تصعيد في الموقف الإيراني الذي أعقب مجزرة مستشفى المعمداني.
وكانت “المقاومة الإسلامية” في العراق، وهي تحالف لعدد واسع من الجماعات المسلحة الموالية لإيران، قد أعلنت أنها استهدفت بطائرتين مسيرتين قاعدة “عين الأسد” الجوية الأميركية في محافظة الأنبار وقاعدة “حرير” الجوية بإقليم كردستان يومي 18 و19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن المدمرة “يو إس إس كارني” أسقطت الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، 3 صواريخ وعددا من المسيّرات أطلقها الحوثيون من اليمن.
محددات
وقال المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر -في مؤتمر صحفي- إنه لا يمكن على وجه اليقين تحديد هدف الصواريخ، وإنه يُحتمل أن تكون موجهة نحو أهداف في إسرائيل.
وتشير المعطيات إلى ارتباط استهداف القواعد الأميركية بالموقف الإيراني الذي شهد منذ اليوم الأول لمعركة “طوفان الأقصى” تطورا دقيقا في موقفها دبلوماسيا وعسكريا.
ويؤثر في الموقف الإيراني عدة محددات رئيسية:
- السعي لوقف الحرب في غزة. حيث أكدت طهران أن استمرار القصف الإسرائيلي للقطاع واستهداف المدنيين سيشكل سببا كافيا لتوسّع نطاق الحرب واضطرار أطراف إقليمية أخرى للانخراط في المعركة. وأكدت أنه ليس خيارها الأول وأنها تستهدف وقف الحرب وليس توسعها.
- تحرص إيران على أن تحافظ نتائج معركة “طوفان الأقصى” على وضعية المقاومة الفلسطينية الحالية وتقدّمها، لما لذلك من تداعيات على البيئة الأمنية والسياسية للمنطقة. وترى طهران في أي تقدم لإسرائيل، تقدما على حسابها يضر بمصالحها الكلية في المنطقة.
وحسب التصريحات الإيرانية، فإن هذا المحدد يعد الأكثر حساسية في التأثير على موقف طهران في ظل استمرار الحرب وإصرار إسرائيل على مواصلة استهداف غزة والنيل من المدنيين ومقومات الحياة الرئيسية.
وتشير المعطيات الميدانية والمواقف الدولية ومواقف أطراف الصراع إلى أن الأمور تتجه نحو تصعيد ميداني وإطالة أمد المعركة التي قد تدخل مرحلة الحرب البرية في أي وقت.
وإذا ما حافظت إيران على هذا المحدد بمنع تغيير واقع المقاومة، أو إحداث تغيير جوهري في الوضع السكاني بغزة، فإن فرص توجهها نحو مزيد من التصعيد تتضاعف مع الوقت.
وهذا الأمر الذي قد يفسر المحاولات الإيرانية الدبلوماسية والعسكرية للتعبير عن جديتها في احتمالية انخراط أطراف موالية لها في المعركة، واتساع رقعتها لتشمل المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، مما يؤثر على الموقف الأميركي نفسه صاحب التأثير الحاسم في الموقف الإسرائيلي.
- تراقب إيران بدقة الموقف الأميركي وجدية انخراط إدارة الرئيس جو بايدن في المواجهة العسكرية إلى جانب إسرائيل في حال شملت المواجهة أطرافا أخرى. ويعد هذا المحدد ذا تأثير حاسم كبير حيال موقف طهران وطبيعة الأدوات التي ستستخدمها للانخراط في المواجهة وقواعد الاشتباك التي ستتبعها.
خيارات
وتملك إيران خيارات وفيرة في المنطقة دون انخراط قواتها العسكرية النظامية بشكل مباشر في المعركة. وبدا ذلك عبر سلسلة الاستهداف التي طالت القواعد العسكرية في العراق وسوريا. إلا أنه استهداف ما يزال في مراحله المبكرة وعلى نطاق محدود.
وبذلك تملك إيران خيارات عديدة، في إدارتها لموقفها أثناء معركة “طوفان الأقصى”، سياسيا وعسكريا وأبرزها:
- تفعيل مسار استهداف المصالح العسكرية الأميركية في العراق وسوريا بشكل واسع مما يؤثر على الموقف الأميركي من الحرب. حيث تسعى إدارة بايدن منذ قدومها لخفض التصعيد في المنطقة ونزع فتيل التوترات الإقليمية والتي لطهران تأثير مباشر في معظمها.
- كما أن الإدارات الأميركية في العقد الأخير عبرت عن حرصها على عدم انخراطها في صراعات عسكرية جديدة في المنطقة والإبقاء على مستوى معين من القوات لدعم الحلفاء وتنفيذ مهام وعمليات عسكرية محدودة.
وعليه، فإن إدخال إيران لهذه الورقة بشكل فعال سيدفع إدارة بايدن لإعادة حساباتها إما على مستوى الغطاء الواسع الممنوح لدولة الاحتلال في حربها ضد قطاع غزة، أو لصالح إعادة واشنطن النظر في مجمل إستراتيجيتها شديدة التعقيد والحساسية في المنطقة. - وتملك إيران فرصة العودة لحرب الظلال مع الاحتلال عبر تفعيل استهداف السفن والمصالح الإسرائيلية، على غرار النمط الذي ساد في السنتين الأخيرتين بينهما.
هشاشة أمنية
وفي ظل حالة الاستنفار والتوتر التي تعيشها المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، فإن تفعيل هذا الخيار سيمارس ضغطا مباشرا على دولة الاحتلال التي تخشى أن تُفتح عليها جبهات غير تقليدية جديدة خارج الحسابات النمطية.
ولدى إيران الخبرة والإمكانية والتنوع في الأدوات لاعتماد هذا الخيار. كما أن ذلك قد يجنبها الاشتباك المفتوح مع واشنطن التي قد ترى في ذلك مستوى “منضبطا” من الانخراط الإيراني في المعركة.
أثبت “طوفان الأقصى” الهشاشة الأمنية التي تعيشها المنطقة في ظل استمرار الإستراتيجية الأميركية الساعية لحماية دولة الاحتلال ومنحها الغطاء اللازم لتواصل اعتداءاتها وعدوانها على شعوب المنطقة ودولها.
وتعيد القضية الفلسطينية تذكير جميع الأطراف المعنية أن أية محاولة لتجاوزها أو فرض حلول على حساب الشعب الفلسطيني، لن تجلب الاستقرار والأمن للمنطقة التي تقف على أعتاب تصعيد خطير لا يُعرف مداه.