وصفت مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية، يُمنى السيد، المشاهد المرعبة التي عاشتها في غزة أثناء وقوفها أمام عدسات الكاميرا في بث مباشر من هناك الأسبوع المنصرم، عندما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق في سماء المنطقة، قبل أن تضرب الأحياء السكنية أسفل منها.
ولم تكن ساحة الحرب بعيدة عن منزلها، بل كانت رحاها تدور حوله، وقالت في بثها مباشر لها “بنايتنا تهتز” بينما كانت القناة تعرض مشهدا من سطح أحد المنازل تنبعث منه أعمدة من الدخان الأسود.
بتلك الرواية من مراسلة الجزيرة الإنجليزية، استهلت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرها الذي تسرد فيه قصصا وأحداثا لمعاناة الصحفيين في غزة المستغرقين في تغطية المعارك.
مقتل صحفي يوميا
تقول “واشنطن بوست” إن مئات الصحفيين المحليين في قطاع غزة ظلوا على مدار أسابيع ينقلون للعالم روايات شخصية عن الدمار الذي طال حياة المواطنين ومنازلهم في قطاع غزة.
في نفس الوقت، كانوا يحاولون العثور على طرق تنجيهم وتحافظ على سلامة عائلاتهم، ويهدئون من روع الأطفال ويواسونهم، ويبحثون عن طعام ومياه، ويتسابقون متنقلين بين المستشفيات والمباني المهدَّمة يحدوهم الأمل في ألا يكون هناك أصدقاء أو أقارب لهم.
وتضيف الصحيفة الأميركية بأن صحفيا فلسطينيا واحدا على الأقل يُقتل يوميا في حرب غزة، وهو معدل “مذهل”. وطبقا لتقديرات مختلفة، قُتل ما بين 34 و50 صحفيا حيث بلغت الحصيلة ما يقرب من 4% من العاملين بمجال الإعلام في غزة، وفق ما تؤكده مجموعات الدفاع عن الصحفيين.
وكان أكتوبر/تشرين الأول الماضي الأكثر دموية للصحفيين منذ ما يزيد على 3 عقود، بحسب لجنة حماية الصحفيين ومقرها مدينة نيويورك.
وشملت حصيلة القتلى 4 صحفيين إسرائيليين سقطوا في هجوم حماس يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة لصحفي لبناني كان يعمل لدى وكالة رويترز ويُدعى عصام عبد الله حيث استشهد في هجوم صاروخي جنوب لبنان.
حصار الإعلاميين
وتشير “واشنطن بوست” في تقريرها إلى أن عددا من الصحفيين الدوليين لم يتمكنوا من دخول غزة بعد أن منعتهم مصر وإسرائيل اللتان تسيطران على الحدود.
وترى الصحيفة أن شهية الإعلام المفتوحة للأخبار، والكارثة الإنسانية المتفاقمة، وارتفاع عدد القتلى المدنيين، كلها عوامل زادت من الضغوط على المراسلين المحليين الذين يحاولون تغطية وقائع هذه الحرب.
وكان بعض الصحفيين الفلسطينيين بعيدين عن منازلهم حيث كانوا ينقلون أخبار الحرب عندما تسببت الغارات في مقتل عائلاتهم، وقد بُثت رحلاتهم الحزينة إلى المستشفيات على شاشات التلفزة مباشرة لرؤية جثث أحبائهم.
تجدر الإشارة هنا إلى أن عددا من أفراد عائلة مراسل الجزيرة في غزة الزميل وائل الدحدوح -بمن فيهم زوجته وابنه وابنته- استشهدوا يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول بقصف إسرائيلي استهدف منزلا نزحوا إليه في مخيم النصيرات وسط القطاع.
وخص تقرير الصحيفة بالذكر حادثة استشهاد الصحفي محمد أبو حطب وزوجته واثنين من أبنائه و4 من بناته في غارة إسرائيلية. فقد سمع باستشهاده زميله المراسل بتلفزيون فلسطين سلمان بشير، وهو في بث حي.
خائفون من رسالة نعي
وقال الصحفي بشير في إحدى المقابلات “شعرت أن الدرع الذي كنت أرتديه، والذي يحمل بوضوح الشارة الصحفية، لا يحميني”.
ويجأر بعض الصحفيين في غزة بالشكوى من المعدات العتيقة، مثل السترات الواقية التي تفتقر إلى صفائح مدرعة.
ومن الصحفيين الذين استشهدوا في غزة، رشدي السراج الصحفي والمخرج السينمائي وأحد مؤسسي شركة “عين ميديا” وزميله بالشركة نفسها ياسر مرتجى.
وتعود “واشنطن بوست” لتنقل عن مراسلة الجزيرة الإنجليزية بغزة قولها -وهي تحكي عن صدمتها من التقارير الواردة من المستشفيات- إن صور الجثث التي رأتها “تطاردني في الليل، وعندما أتناول طعامي، وكلما أردت الجلوس والخلود إلى الراحة”.
وتقول مراسلة قناة العالم الإيرانية، إسراء البحيصي، إنها كانت تتفحص وجوه الأطفال الذين كانت تقلهم سيارات الإسعاف، للتحقق مما إذا كان من بينهم أحد من أطفالها.
“نحن خائفون من نغمة رنين (الهاتف) أو رسالة صوتية. نحن خائفون من كل شيء. إننا نموت أحياء ونحسد الأموات” بهذه الكلمات المعبرة على لسان البحيصي ختمت الصحيفة الأميركية تقريرها.