طهران – هواجس إيرانية عدة بشأن قدرة العراق على تفكيك الجماعات المعارضة لطهران داخل كردستان العراق، وهو ما يطرح سيناريوهات عودة القصف الإيراني لشمال العراق، ما يعني انهيار الاتفاق الأمني بين البلدين.
وفي مارس/آذار الماضي توصل البلدان لاتفاق أمني يقضي بنزع سلاح الجماعات الكردية ونقلها إلى أماكن أخرى وإغلاق مقارها العسكرية، مقابل إيقاف طهران عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، وذلك بعد سلسلة من القصف الصاروخي والمدفعي الإيراني على مقرات المعارضة الكردية الإيرانية التي تتخذ من منطقة كردستان العراق مقرا لها.
وحدد الجانبان 19 سبتمبر/أيلول الجاري موعدا لتنفيذ بنود الاتفاق، الذي تعهد بموجبه العراق “بعدم السماح للجماعات المسلحة باستخدام أراضيه في إقليم كردستان لشن أي هجمات عبر الحدود على جارته إيران”.
وتوعدت الخارجية الإيرانية حينها أنه “إذا لم ينفذ الاتفاق في موعده، فسنقوم بمسؤولياتنا تجاه الجماعات الإرهابية في كردستان العراق”، على حد قولها.
ويتفق خبيران إيرانيان على أن صعوبة تفكيك الجماعات الكردية المعارضة لبلادهما في إقليم كردستان العراق، تعقد مهمة بغداد في تنفيذ اتفاق الأمني المبرم مع طهران، وأكدا احتمال تكرار القصف الإيراني لمقار تلك الجماعات مستقبلا.
فهل تنجح إيران في تكرار تجربة إخراج عناصر منظمة “مجاهدي خلق” (تعتبرها جماعة إرهابية) من العراق عام 2013، أم أن المستقبل يحمل سيناريوهات مختلفة؟
تعليق الجانبين
تصنّف إيران أحزابا كردية معارضة لها تتمركز في شمال العراق -مثل حزب الحياة الحرة لكردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وحزب كوملة- بأنها “إرهابية مسلحة”، متهمة إياها بالعمل على تجزئة البلاد وانفصال المناطق الكردية عن الجمهورية الإسلامية.
وبحلول المهلة الزمنية المُحدّدة لتنفيذ الاتفاق الأمني، أعلنت اللجنة العراقية العليا المسؤولة عن تنفيذ الاتفاق الأمني مع طهران “إخلاء مكاتب تلك المجموعات المناهضة لإيران قرب حدود البلدين ونزع سلاحها ونقلها إلى أماكن بعيدة عن الحدود”، مشيرة إلى أن “أفراد هذه المجموعات سيُعتبرون لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين”.
في المقابل، قال رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري، إن “العراق لم ينفذ الاتفاق المبرم بين الجانبين”، مضيفا أن “نص الاتفاق الأمني يشير بصراحة إلى ضرورة نزع سلاح وطرد هذه التنظيمات الإرهابية الانفصالية من إقليم كردستان ومن كافة أرجاء العراق، لكن ما حصل هو إبعاد هذه التنظيمات قليلا عن حدودنا”.
وفي تصريحات صحفية، أضاف المسؤول العسكري الإيراني أن “الرئيس إبراهيم رئيسي قد أوعز إلينا بالتريث بضعة أيام إضافية، قبل أن نوفد بعض اللجان للتأكد من نزع سلاح هذه الجماعات المسلحة بالكامل، وحينها سنتخذ القرار اللازم”.
إنجاز نسبي
في هذا السياق، كشف القيادي السابق بالحرس الثوري الإيراني العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم، أن بلاده قد أوفدت فريقا من الخبراء إلى منطقة كردستان العراق لمعاينة ما تم إنجازه ميدانيا، مشيرا إلى نجاح نسبي للإرادة الإيرانية، تمثل في إبعاد المعارضة الكردية عن الحدود المشتركة، ونقلها إلى عمق الأراضي العراقية في إقليم كردستان العراق، ونزع أسلحتها الثقيلة وسيطرة الجيش العراقي على الشريط الحدودي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح كنعاني مقدم أن التقارير التي أضحت بحوزة طهران تؤكد أحجام جزء من المعارضة الكردية عن الامتثال لبنود الاتفاق الأمني، وبالتالي فإن ما تم تنفيذه لا يلبي الطموح الإيراني المنصوص عليها في الاتفاق؛ وهي منع تسلل المليشيات الكردية الإيرانية المعارضة وإبعاد عناصرها عن الحدود المشتركة، وإزالة معسكراتهم ونزع السلاح، وتسليم المطلوبين الذين تؤكد طهران تورطهم في “أعمال إرهابية داخل أراضيها”، وفق وصفه.
وتحدث القيادي السابق بالحرس الثوري، عن تفاهم بين طهران وبغداد لتنفيذ الاتفاق على 3 مراحل، لا تشكل سيطرة القوات العراقية على الشريط الحدود وإبعاد المسلحين عن الحدود سوى المرحلة الأولى منه، مؤكدا أن إيران عازمة على نزع سلاح المليشيات بالكامل خلال المرحلة الثانية، وإخراج المسلحين نهائيا وتسليم المطلوبين في المرحلة الأخيرة.
مهمة معقدة
وكشف المدير العام لوكالة “نكاه نو” الإيرانية مهدي عزيزي، أن عددا من كبار القيادات العسكرية للمعارضة الكردية قد غادرت العراق إلى الدول الأوروبية، وأن عددا آخر من قياداتها الوسطى رفضت الانتقال إلى المعسكرات التابعة للأمم المتحدة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح عزيزي أنه قد لمس جدية عراقية لتنفيذ الاتفاق الأمني خلال مرافقته لوفد إيراني التقى مؤخرا عددا من المسؤولين العراقيين في بغداد، مستدركا أن بعض عناصر المعارضة الكردية الإيرانية تحظى بدعم سياسي من قبل بعض القوى السياسية في إقليم كردستان العراق.
وأضاف أن بعض الجماعات الكردية المعارضة قد اندمجت في النسيج الكردي شمالي العراق على النقيض من إرادة بغداد، مؤكدا صعوبة تفكيك الجماعات المعارضة لبلاده في إقليم كردستان العراق؛ ما يعقد مهمة بغداد في تنفيذ الاتفاق الأمني بحذافيره.
وشاطر عزيزي العميد المتقاعد “حسين كنعاني مقدم” رأيه بشأن إمكانية تكرار القصف الإيراني لمقار بعض الجماعات الكردية في إقليم كردستان العراق مستقبلا، مؤكدا أن بلاده ستبقي الخيار العسكري لتحييد مخاطر المعارضة الكردية، “لأن الاتفاق الأمني يسمح لطهران بتدمير هؤلاء الإرهابيين إذا لم يفِ العراق بوعده”، وفق تعبيره.