هل يؤدي تمدد “الدعم السريع” في دارفور إلى انقسام وحرب أهلية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

الخرطوم – تقترب قوات الدعم السريع من السيطرة على إقليم دارفور في غرب السودان بعد استيلائها على مقر قيادة الجيش في الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، ولم يتبق أمام بسط نفوذها على الولايات الخمس، سوى الفاشر العاصمة السياسية والإدارية لإقليم دارفور التي أعلنت الحركات المسلحة الرئيسية أنها ستدافع عنها إلى جانب الجيش، مما يهدد بصراع إثني وانقسام الإقليم على أساس عرقي.

ويعتقد محللون أن قوات الدعم السريع لا تخطط لفصل دارفور في المرحلة الحالية ولا يستبعد أن تشكل سلطة موازية في غرب السودان للمساومة بها وضمان دور سياسي بعد الحرب، وفي حال لم يتحقق لها ذلك ستعمل على تقوية نفسها والزحف نحو الخرطوم لأن طموحها أكبر من دارفور.

الضعين بلا مواجهات

وسيطرت قوات الدعم السريع أمس الثلاثاء، على مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، لتصبح رابع ولايات الإقليم الخمس التي تقع تحت نفوذها.

وقالت القوات في بيان إن “انتصارات الدعم السريع، تفتح بابا واسعا للسلام الحقيقي الذي يتطلع إليه السودانيون وبناء وطن يليق بهم”، مؤكدة أن ولاية شرق دارفور ومعها الضعين “ستظلان آمنتين” تحت حمايتها.

وحسب معلومات من مصادر قبلية، انسحبت قوات الجيش من مقر قيادة الفرقة 20 وفقا لترتيبات جرت عبر وساطة قادها زعيم قبيلة الرزيقات محمود موسى مادبو، لتجنيب الضعين خطر المواجهات العسكرية بين الطرفين وتضرر المدنيين والنازحين الذين استجاروا بها.

وتعتبر الضعين معقل قبيلة الرزيقات التي ينحدر منها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” وغالبية قادة قواته ومقاتليه.

ومنذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، ومدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، ومدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وتبقى لها فقط مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، لبسط سيطرتها بشكل كامل على إقليم دارفور.

أركو مناوي وجبريل إبراهيم أعلنا رسميا الانحياز للقتال ضد قوات الدعم السريع في دارفور (مواقع التواصل)

بين الخرطوم ودارفور

ويرى المحلل السياسي عمر الطيب أن قيادة الدعم السريع أعلنت الأهداف السياسية والعسكرية للحرب منذ اليوم الثاني لاندلاعها في منتصف أبريل/نيسان الماضي في الخرطوم بالقبض على القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ومحاكمته والسيطرة على المقار الرئيسية للجيش، أي الاستيلاء على السلطة.

وحسب حديث المحلل السياسي للجزيرة نت، فإن فشل الأهداف السياسية والعسكرية في الخرطوم، دفع قيادة الدعم السريع إلى نقل الحرب إلى دارفور من أجل استخدامها ورقة ضغط لضمان مستقبل سياسي في المرحلة المقبلة، لأنها تدرك أن دمج قواتها صار واقعا، وتريد أن تحجز مقعدا سياسيا بالأصالة، وليس الوكالة عبر حلفاء.

وتوقع المحلل نفسه أن تفلح قيادة الدعم السريع باستخدام ورقة دارفور في العودة إلى الخرطوم عبر طاولة المفاوضات بعدما فشل مشروعها العسكري في الاستيلاء على السلطة بالقوة. ويرى الطيب أن قوى إقليمية استثمرت سياسيا وعسكريا في الدعم السريع ستعمل على منحه دورا سياسيا في المرحلة المقبلة.

الوضع في الفاشر بعد إعلان الدعم السريع سيطرته على 80% من دارفور
الوضع في الفاشر بعد إعلان الدعم السريع سيطرته على 80% من دارفور (الجزيرة)

مخاوف الانقسام

وتخشى دوائر سياسية وناشطون من صدام بين قوات الدعم السريع وحركات مسلحة في دارفور في الفاشر على أساس إثني، حيث تعتبر الحركات التي تستند على مكونات غير عربية ولاية شمال دارفور معقلها ومركز ثقلها الاجتماعي، وقررت خوض أي معركة للدفاع عنها.

وأعلن رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي وزعيم حركة العدل والمساواة ووزير المالية جبريل إبراهيم وحركة التحالف السوداني -التي كان يقودها حاكم ولاية غرب دارفور خميس أبكر الذي اتهمت قوات الدعم السريع باغتياله- خروجها عن الحياد ومشاركتها في العمليات العسكرية في كل الجبهات.

وقال مناوي إنهم لن يسمحوا بتفكيك السودان، وبأن تكون دارفور بوابة لتمزيق البلاد، وحذر بشدة “القوى التي تسعى لتمزيق السودان بالاستعانة بالدوائر الأجنبية والمرتزقة وعابري الحدود”.

ومن جانبه، يقول جبريل إبراهيم “قررنا الدخول في الحرب للدفاع عن المدنيين الذين يتم الاعتداء عليهم في السودان بصفة عامة ودارفور بصفة خاصة، حيث التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، حيث يدفن الناس أحياء في الجنينة أو مكبلين كما في نيالا”. ويضيف “الخطر الآن ليس انتقال الحرب لدارفور، بل انقسام البلاد على غرار النموذج الليبي وهو ما لا يمكن أن نسمح به”.

ويعتقد إبراهيم أن قوات الدعم السريع تتجه إلى خطتها البديلة وهي تقسيم البلاد بعد فشل السيطرة على العاصمة، ولفت إلى أنه بعد تمددهم في مدن الإقليم مثل نيالا والجنينة وزالنجي يتوعدون الفاشر التي تؤوي النازحين من مناطق دارفور التي تأثرت بالحرب، متوعدا بالقتال “لحماية المدنيين”.

وفي المقابل، عدّ المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع، يوسف عزت، السيطرة على الفرقة 20 مشاة للجيش في الضعين “انتصارا كبيرا” لا يكتمل إلا بتحرير كامل السودان سلما أو حربا من قبضتهم.

ودعا يوسف عزت لحماية مجتمع دارفور من الانقسام والعنف القبلي بعدما دفع شعب الإقليم ثمنا غاليا من الأرواح خلال العقود السابقة وهزيمة مخططات الفلول (أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير).

وحذر في تغريدة عبر منصة “إكس” أمس الثلاثاء من وصفهم بـ”بعض أبناء دارفور الذين يريدون تنفيذ السياسات القديمة لصالح الفلول”، ودعا إلى عدم جر دارفور إلى صراعات جديدة، ورأى أن باب الحوار لا يزال مفتوحا لتجنيب الإقليم أي شكل من أشكال العنف.

اوضاع صعبة تعيشها غالب مخيمات النزوح في دارفور (الاناضول)
أوضاع صعبة تعيشها أغلب مخيمات النزوح في دارفور (الأناضول)

صراع دارفوري

وفي السياق ذاته، يعتقد الباحث السياسي في قضايا دارفور أحمد عبد الكريم أن قوات الدعم السريع اتجهت نحو دارفور بعد فشل خطتها في السيطرة على الخرطوم، لكنه أشار إلى أنه في حال لم تتمكن من استثمار ذلك في العودة إلى المفاوضات مع الخرطوم ستشكل حكما في دارفور، وتحوله إلى قاعدة للزحف منها نحو العاصمة.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى عبد الكريم أن محاولة الدعم السريع السيطرة على الفاشر سيضعها أمام الحركات المسلحة وكل المقاتلين من ذوي الجذور غير العربية، مما يحدث فرزا قبليا خطيرا يهدد باندلاع حرب أهلية.

ويضيف الباحث أن معركة الفاشر ستحدد مصير دارفور، لكنه استبعد أن تتمكن الدعم السريع من حكم دارفور منفردة، بسبب التعقيدات الاجتماعية وتداعيات حرب دارفور السابقة حيث استخدم النظام السابق قوات حميدتي لضرب الحركات المسلحة، مما أدى إلى انقسام بين مجموعات عربية وأفريقية ووقوع جرائم حرب لا تزال باقية في ذاكرة قطاع واسع من أهل الإقليم.

وأكد عبد الكريم أن مستقبل الإقليم لا يمكن أن يحدده طرف واحد، وأنه لا خيار سوى عقد حوار دارفوري تشارك فيه كل مكونات دارفور.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *