هل سيحقق القانون الدولي العدالة لغزة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

باريس- لطالما كان مبدأ حماية حقوق الإنسان في جوهر الاهتمامات الدولية أثناء الحروب ويضع القانون الدولي أمام اختبار صريح وصعب، كما هو الحال اليوم بالنسبة للفلسطينيين الذين ناضلوا طوال العقود السبعة الماضية من أجل البقاء في أرضهم.

وتحت ستار حق الدفاع عن النفس، لا تزال حكومات كثيرة تقدم الدعم الوفير للاحتلال الإسرائيلي ليكمل أركان جريمته الموثقة بالصوت والصورة في قطاع غزة رغم تجاوز عدد الشهداء 33 ألفا والجرحى 75 ألفا بعد مرور 6 أشهر على الحرب.

وبين إلقاء اللوم على الدول المتواطئة مع إسرائيل وانتقاد مكتب المدعي العام في لاهاي، تتزايد علامات الاستفهام بشأن الدور الغائب والضعيف للمحاكم ويبقى السؤال الوحيد والأهم حاليا: هل سيحقق القانون الدولي العدالة لغزة؟

مراري يقول إن المُشرِّع الدولي تغافل عمدا عن وضع آليات تنفيذية لتطبيق قواعد القانون الدولي (الجزيرة)

غياب الآلية التنفيذية

أشاد الخبير في القانون الدولي العام بيير إيمانويل دوبان بدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وتأسّف لعدم وجود أي نتائج ملموسة بعد أمر المحكمة وحتى التدابير الإضافية التي مُنحت بناء على طلب قدمته جنوب أفريقيا قبل أيام قليلة.

ويقول دوبان للجزيرة نت إن القانون الدولي لا يتوفر على آلية يمكن أن تجبر إسرائيل بشكل فعال على وقف أعمالها العسكرية، موضحا أنه في إطار نظام ميثاق الأمم المتحدة، يمكن إحالة مسألة عدم الامتثال للتدابير المؤقتة إلى مجلس الأمن لكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستستخدم حق النقض (الفيتو).

ويرى مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “أفدي” الدولية عبد المجيد مراري أن المُشرِّع الدولي “تغافل عمدا” عن وضع آليات تنفيذية لتطبيق قواعد القانون الدولي في حالات النزاعات المسلحة والاعتداءات والحروب.

وأضاف للجزيرة نت أن “ما نشاهده من انتهاكات في حرب غزة مذكور في قواعد القانون الدولي لكن لا يوجد من يسهر على تنفيذها، وهذا عيب المؤسسات الدولية بأكملها”.

بدوره، يقول خبير القانون الدولي جيل دوفير إن “الأمر الإيجابي هو حصولنا على قرارين نموذجيين من المحكمة في أقل من 3 أشهر، ينصان على ارتكاب جريمة إبادة جماعية وضرورة اتخاذ الوسائل لمنعها”.

وقد قدمت جنوب أفريقيا استئنافها في 29 ديسمبر/كانون الأول وعُقدت جلسة الاستماع في 11 يناير/كانون الثاني الماضيين، ثم أصدرت المحكمة قرارها في 26 يناير/كانون الثاني. وبما أن إسرائيل لم تحترمه، فيُتوقع أن يتم تقديم طلب جديد إلى العدل الدولية خلال الأسبوعين المقبلين.

خبراء يتهمون مدعي عام الجنائية الدولية كريم خان باتباع سياسة المعايير المزدوجة في الحرب على غزة (الفرنسية)

معايير مزدوجة

وفيما يتلقى مدعي عام الجنائية الدولية كريم أحمد خان الانتقادات والاتهامات بسبب سياسته القائمة على “المعايير المزدوجة” وطريقة تناوله لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، يرى الخبير الدولي دوفير أن “ولاية خان تستمر 9 سنوات يقوم خلالها بتنفيذ النظام الأساسي ثم يغادر منصبه، على عكس الشعب الفلسطيني الذي كان موجودا وسيظل”.

وأضاف “من السهل إلقاء اللوم على المدعي العام إلا إنه لا يجب التغاضي عن حقيقة أنه من بين 125 دولة أعضاء في الجنائية الدولية، لم يدعم إجراءاتنا سوى 7 دول، وهي الجزائر وبوليفيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي والمكسيك وتشيلي”.

وانتقد الخبير القانوني مكاتب الاتصالات التي تقوم بالدعاية بهدف إضعاف صوت الجنائية الدولية لأنها “تريد عالما لا يحكم فيه سوى المال والسلاح والسلطة”.

وأكد أن المحكمة تُعدّ السلطة القضائية الوحيدة في العالم التي اعترفت بفلسطين كدولة وأن لها ولاية قضائية سيادية على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، لذا يجب التمييز بين دور المدعي العام والمحكمة.

من جانبه، يرى المحامي الفرنسي دوبان أن القانون الدولي فقد مصداقيته ويتّكل على المعايير المزدوجة، خاصة بالمقارنة مع ما حدث ضد روسيا في سياق الحرب الأوكرانية حيث أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسرعة كبيرة.

ويتفق مراري مع الرأي القائل إنه يجب إلقاء اللوم على المدعي العام “لأنه لو تحلى بالجرأة والشجاعة الأخلاقية والإرادة لتحقيق العدالة، لاستطاع فعل ذلك، حتى لو تعرض للانتقادات ودفع الثمن كما حدث مع سابقته فاتو بنسودا حيث مُنعت من دخول الولايات المتحدة ووُضعت على قائمة العقوبات التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية”.

وحول الدول الأعضاء في المحكمة التي لم تدعم الملف الفلسطيني، قال عبد المجيد مراري إنها داعمة في الأساس لإسرائيل وتساعدها بالأسلحة، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أما الدول الأفريقية فإن معظمها لا يملك رفاهية اتخاذ القرارات.

تسييس

وفي الوقت الذي يتوفر فيه مكتب المدعي العام على كل الوثائق التي تؤكد ارتكاب الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة، بدأت بعض الدول في تغيير مواقفها وتحاول أخرى وقف دعمها لإسرائيل، وهو ما قد يؤدي بطريقة “لا مركزية” إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الاحتلال، وفق دوبان.

أما خبير القانون الدولي دوفير، فيرى أن الأمور تسير إلى الأمام على المستوى القانوني لكنها سياسيا أمام باب مسدود إذ لم يفعل مجلس الأمن شيئا خلال 6 أشهر، وحتى عندما امتنعت واشنطن عن التصويت قالت إن قرارها كان إرشاديا وليس إلزاميا.

وتابع “لا يستطيع أحد إنهاء الفظائع التي تحدث في غزة لأن السياسة لا تزال عالقة في لعبة الولايات المتحدة والقوى العظمى، واليوم نتوفر على محكمتي العدل والجنائية فقط، علما أنه عندما وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا -التي كانت جريمة حرب- لم يكن لدينا أي وسيلة قانونية للحكم عليها آنذاك”.

وأضاف “يجب أن نفهم أنه في الوقت الحالي لدينا حكومة من المتطرفين الذين يديرون إسرائيل وأن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يراهن على الحرب لبقائه في منصبه وإلا سيتعين عليه الاستقالة ثم التوجه إلى السجن”.

في السياق، يؤكد المحامي مراري أن دور الجنائية الدولية ومهام المدعين العامين فيها تم تسييسه بالتزامن مع استخدام الدول ورقة الفيتو، خاصة الولايات المتحدة التي كانت تتصدى لكل التحقيقات التي لا تخدم مصالحها في بعض المناطق، مثل العراق وأفغانستان.

وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بررت الجنائية الدولية تخاذلها بشأن الملف الفلسطيني بالقول إن العائق المادي يحول دون تنفيذ التحقيقات في الأراضي الفلسطينية، وزعمت أن إسرائيل لا تتعاون معها لأنها ليست دولة عضوا في المحكمة.

وبالنسبة لمسألة نقص التمويل، أكد مراري أن المحكمة تلقت الدعم المالي من بلجيكا، بقيمة 5 ملايين يورو، مباشرة بعد الدعوى التي قدمها الفريق القانوني في لاهاي يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لكنها امتنعت عن إعلان ذلك، مضيفا أن إسبانيا قدمت وعدا بتمويل التحقيق كذلك نظرا لمواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية.

ويتساءل الخبير في القانون الدولي دوفير “هل توفرت لدى المحكمة الأموال الكافية للتحقيق في ملف دارفور والمذكرة التي أصدرتها ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير وفي ليبيا أيضا؟ من موّل هذه التحقيقات آنذاك؟”، معتبرا أن الجواب هو انعدام الإرادة الدولية عندما يتعلق الأمر بفلسطين.

 

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *