موسكو– انحسار تدريجي واضح بدأت تظهر ملامحه في الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، هي خلاصة ما يؤكده مراقبون روس عند الحديث عن المرحلة القادمة من الحرب مع كييف، التي يؤكدون أنها ستكون لصالح القوات الروسية.
وما يعزز هذه الخلاصات، هو الرأي الواسع الانتشار في أوروبا، عن “عبث وعدم جدوى” المساعدة العسكرية لأوكرانيا، على خلفية الهجوم المضاد غير الفعال على الإطلاق من القوات المسلحة الأوكرانية، وفق ما أكدت مجلة “نيوزويك” الأميركية في عددها الصادر نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ونقلت قناة “إيه بي سي” التلفزيونية الأميركية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري عن مسؤول أوكراني لم تذكر اسمه، أن كييف أعربت عن قلقها بشأن تراجع إمدادات الأسلحة من الولايات المتحدة، في ضوء الخلافات في الكونغرس الأميركي بشأن استمرار المساعدة لكييف، التي لا تتلقى -وفق ما نقلته المجلة- الذخائر الأساسية اللازمة، وتخاطر بدفع تكلفة باهظة في مواصلة العمليات ضد القوات الروسية.
حقائق جديدة
ويشير مراقبون روس إلى أن مزاج الخبراء العسكريين والسياسيين الغربيين فيما يتعلق بالآفاق الأوكرانية بدأ يتغير بسرعة، وأن المزيد والمزيد من الأصوات باتت تعترف بأن انتصار أوكرانيا على روسيا غير متوقع، مما يطرح تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء التغير في وجهات النظر، ولماذا بدأ الغرب يعترف بأن الوقت أصبح في صالح روسيا؟
ووفقًا للخبير العسكري العقيد المتقاعد فيكتور ليوتفكين، فإن النقص في الأسلحة والذخيرة في القوات المسلحة الأوكرانية سيزداد، وأكد في حديثه للجزيرة نت أن “أوكرانيا باتت تفتقر إلى كل شيء تقريبًا، القذائف والأفراد والدعم الجوي، إلى جانب انخفاض إمدادات الذخيرة، الذي أدى إلى انخفاض كبير في الدعم الناري للقوات”.
كما يتابع ليوتفكين بأن “الهجوم المضاد فشل”، مستشهدا على ذلك بأن أوكرانيا أنفقت في عام 2022 حوالي 2.5 مليون قذيفة على الجبهة، بينما لا تزال هناك 20 ألف قذيفة من عيار 155 مليمترا في المستودعات الألمانية، التي تعد واحدة من الجهات المانحة الرئيسية للقوات الأوكرانية، بينما تنتج فرنسا أقل من 40 ألف قذيفة شهريًا، وتخطط الولايات المتحدة للوصول إلى رقم 90 ألف قذيفة شهريًا بحلول عام 2025.
يدل ذلك حسب رأي ليوتفكين، على أن الدعم الغربي لم يستطيع عمليا تلبية احتياجات القوات الأوكرانية، كما أشار إلى مشكلة تعطل المعدات الغربية التي تسببت بمشكلة للجيش الأوكراني، الذي ليس لديه ما يكفي من إمكانات لإصلاحها، ويواجه النقص في الكادر المتخصص القادر على ذلك.
ويخلص الخبير العسكري إلى أن الهجوم المضاد لم يؤد بعد إلى اختراق جدي، لأن القوات الروسية أمنت نظام دفاع متطور، وخطوطا متعددة الطبقات من التحصينات، وخلقت ميزة عددية من خلال التعبئة.
ثورة ملونة؟
أكد مكسيم نيفينتشانني النائب في مجلس مقاطعة نيكوليايف، أن الغرب بات مقتنعا بأن الرئيس فولوديمير زيلينسكي بات يشكل عبئا عليه، بعد خسارة الرهان عليه في إضعاف وتدمير روسيا.
وتابع في حديثه للجزيرة نت بأنه “يتوقع بدء اضطرابات داخل أوكرانيا، بنسخة جديدة من الـ “ميدان” بإدارة غربية، للإطاحة بزيلينسكي، وإيصال نخبة جديدة من المسؤولين إلى سدة الحكم، لا سيما من العسكريين، تكون مهيأة لوقف الحرب مع روسيا وتوقيع اتفاق سلام دائم معها”.
وردا على سؤال عما إذا كان الرأي العام في أوكرانيا يمكن أن يقبل بالواقع الجيوسياسي الجديد، المتمثل في خسارة القرم والمناطق الأربع التي انضمت إلى روسيا، أوضح نيفينتشانني أن “الناس باتت أكثر من أي وقت مضى تريد العودة إلى الحياة الطبيعية، وأن الحرب والخدمة الإجبارية وملفات الفساد في سدة الحكم هي الاعتبارات الأساسية التي باتت تحدد مواقف الشارع الأوكراني”.
حسابات خاطئة
بدوره رأى المحلل السياسي فلاديمير أولتشينكو، أن دعم القوات الأوكرانية في ساحات المعارك لم يسفر عن أي نتائج إيجابية لكييف والغرب، بل تحول إلى تقارير تظهر الخسائر من المعدات الغربية، التي أنفقت عليها مبالغ ضخمة، وهذا هو على وجه التحديد ما يراه الأوروبيون الآن مبررا لمعارضة الاستمرار في دعم أوكرانيا.
ويقول أولتشينكو إنه “سادت حالة من الجنون عندما شجعت الولايات المتحدة دول الناتو على تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، بشكل جماعي وفردي، وهنا نجحت أيضا الأطروحة التي روج لها الأميركيون بضرورة تقديم المساعدة بسرعة إلى كييف، لأن ذلك سيؤدي إلى إنهاك روسيا وحل الصراع لمصلحة الغرب، لكن هذه الفرضية قد استنفدت الآن” حسب تعبيره.
ويعتبر المحلل السياسي أن هناك فهما متزايدا في أوروبا لعبثية وعدم جدوى صرف الأموال على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بل أن الكثيرين يقولون إنه بالفعل ليس لديهم ما يقدمونه، وهي مناورة مريحة لتجنب أية دعوات أميركية جديدة لمساعدة أوكرانيا.
ويخلص المحلل السياسي ذاته لكون هذه النتيجة منطقية، لأن كل الأموال التي كان من الممكن استخدامها للدعم الاجتماعي أو الاستثمار أو التنمية في هذه البلدان، يتم إنفاقها في النهاية على الأسلحة التي يتم تدميرها في أوكرانيا، لكن ذلك لا يعني بأن المساعدات العسكرية لكييف ستتوقف، لكنها ستكون بكميات أقل من ذي قبل.