طرابلس- كشفت مصادر دبلوماسية في العاصمة الليبية طرابلس، للجزيرة نت، أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة رفض استقبال المبعوث الفرنسي الخاص إلى ليبيا بول سولير، الذي كان من المقرر أن يلتقيه السبت (العاشر من فبراير/شباط الجاري) خلال زيارة للعاصمة لعقد مباحثات مع أطراف في الأزمة الليبية.
وقالت المصادر إن الدبيبة غادر إلى دبي للمشاركة في القمة العالمية للحكومات المنعقدة من 12 حتى 14 فبراير/شباط الحالي بمشاركة رؤساء دول وحكومات ومنظمات دولية.
وذكرت المصادر نفسها أن موقف الدبيبة كان على خلفية تنظيم باريس -المدة الماضية- لقاءات مع شخصيات سياسية ليبية مناوئة له وموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر لمناقشة إمكانية الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة في البلاد بالتشاور مع الأمم المتحدة والدول المعنية بليبيا.
وأضافت مصادر الجزيرة نت أن آلية تشكيل هذه الحكومة تتمثل في دعوة رؤساء المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لإيجاد صيغة توافقية لتغيير الحكومة وطرح ذلك على المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي.
التفاف
ووصفت المصادر خطوة باريس هذه بأنها التفاف على مبادرة باتيلي الذي أعلن منذ أشهر عما عُرف بطاولة الحوار الخماسية التي يشارك فيها الدبيبة، وأوضحت أنها تتوافق مع رغبة حفتر الذي طالب باستبعاد الدبيبة من طاولة الحوار.
وأشارت إلى وجود معلومات مخابراتية -حسب تعبيرها- لدى حكومة الدبيبة بأن فرنسا تقف خلف محاولة الحكومة الموازية وغير المعترف بها دوليا بقيادة فتحي باشاغا حينها في شرق البلاد للسيطرة على العاصمة بقوة السلاح عبر اشتباكات مسلحة في أواخر أغسطس/آب عام 2022، راح ضحيتها أكثر من 40 مدنيا.
والتقى المبعوث الفرنسي -في طرابلس- رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبه موسى الكوني وأكد في تصريحات أن بلاده مستمرة في التشاور مع “الدول المهتمة بالشأن الليبي” لتحقيق الاستقرار وإجراء انتخابات في بيئة ملائمة يُشارك فيها كل الليبيين ويرضى بنتائجها المشاركون فيها.
ووصف المنفي الدور الفرنسي في بلاده “بالمحوري واللامحدود تمهيدا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في أقرب الآجال”.
وتبدي باريس اهتماما ملحوظا بالجنوب الليبي المتاخم لدول جنوب الصحراء الأفريقية، وهذا ما دعا سولير إلى لقاء ممثل الجنوب في المجلس الرئاسي موسى الكوني الذي اعتبر أن “جهود تأمين الحدود، وخاصة الجنوبية، لمواجهة تهديدات تدفق الهجرة والإرهاب، والجرائم المنظمة العابرة للحدود، تشكل نقطة مهمة للتعاون بين الجانبين”.
وأعلنت السفارة الفرنسية في ليبيا أن مباحثات مبعوثها مع المنفي ونائبه ركزت على ضرورة التوجه نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أقرب الآجال وبحثت كيفية إنهاء الانسداد وخلق بيئة مناسبة للانتخابات.
والتقى سولير، في مقر البعثة الأممية في طرابلس، باتيلي، لكن إعلانهما عن نتائج اللقاء كان مختلفا، حيث قالت السفارة إن اللقاء ناقش دعم الجهود المبذولة للوصول إلى اتفاق سياسي لحكومة موحدة لتنظيم الانتخابات.
أما باتيلي فأعلن أنه اتفق مع سولير على ضرورة اضطلاع شركاء ليبيا الإقليميين والدوليين بمسؤوليتهم في تيسير التوصل إلى حل مستدام ينهي الوضع القائم، ويحصن البلاد من الانزلاق مجددا نحو صراع طويل الأمد قد يعرض سلامة أراضيها لخطر جسيم.
مبادرة أممية
من جانبها، أرسلت ألمانيا عضو برلمانها، توبياس باخرله، إلى طرابلس للقاء أطراف ليبية والمبعوث الأممي باتيلي، حيث أكد توبياس لاحقا أن بلاده مستعدة لدعم إنجاح العملية السياسية الليبية عبر إجراء الاستحقاقات الانتخابية.
وفي الثامن من فبراير/شباط الحالي، أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا أن الولايات المتحدة ستواصل تشجيع دعم خارطة طريق انتخابية ذات مصداقية لضمان إجراء انتخابات وطنية عبر مبادرة باتيلي للحوار بين الأطراف الرئيسية والفاعلة في الأزمة الليبية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن باتيلي عن مبادرته لإجراء حوار خماسي يناقش النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية والمانعة لإجراء الانتخابات، لكنها تواجه رفض أطراف في الأزمة الليبية حتى الآن.
وهذه الأطراف الخمسة هي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة واللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ويصف باتيلي الأزمة الليبية بـ”المستعصية” ويحاول عبر جولات في شرق ليبيا وغربها وفي دول إقليمية، حشد الدعم لإنقاذ مبادرته التي تواجه الانهيار بسبب التباين الشاسع بين أطراف الأزمة المدعوم بعضها من أطراف إقليمية دعمت حروب السيطرة على ليبيا في سنوات سابقة.
ويرفض حفتر وحليفه السياسي عقيلة صالح مبادرة باتيلي التي تنص على مشاركة الدبيبة الذي يعتبرانه “رئيس حكومة غاصبة للسلطة فقدت شرعيتها وانتهت مدتها القانونية”. ويشترطان مشاركة رئيس الحكومة الموازية في شرق البلاد غير المعترف بها دوليا أسامة حماد في الحوار.
كما يشترط عقيلة صالح أن يُنتج الحوار اتفاقا على تشكيل حكومة انتقالية جديدة تُجهّز لإجراء الانتخابات وهو ما يرفضه الدبيبة وتكالة.
وشدد باتيلي لصالح -في لقاء سابق بينهما- على ضرورة مشاركة جميع القادة بشكل إيجابي في الحوار للتوصل لتسوية سياسية لإنهاء الجمود الذي يسبب معاناة كبيرة لليبيين.
وعندما عرض صالح -وفق مكتبه الإعلامي- على باتيلي ضرورة تشكيل حكومة موحدة للإشراف على الانتخابات، أجاب باتيلي بأن هناك ضرورة للتوصل إلى حل شامل وتوافقي ينهي الفترة الانتقالية ويوفر الاستقرار على المدى الطويل.
أمر خلافي
وما يزال باتيلي يعتبر -بحسب تصريحات سابقة- مسألة تشكيل حكومة جديدة في ليبيا أمرا خلافيا بين أطراف الأزمة، وقد دعا إلى مناقشتها في الحوار الخماسي، إلى جانب موضوعات خلافية مثل القوانين الانتخابية التي ترفضها أطراف على رأسها حكومة الدبيبة والمجلس الأعلى للدولة.
وحتى الآن لم يلتق عقيلة صالح مع تكالة الذي اتهم مجلس النواب ورئيسه سابقا بإصدار تشريعات انتخابية بشكل أحادي مخالف يتجاوز الاتفاقات السياسية الليبية التي حددت مهاما عدة للمجلس الأعلى للدولة، وفي مقدمتها شراكته مع مجلس النواب في إصدار قوانين الانتخابات.
في المقابل، يصر الدبيبة على أن تكون حكومته آخر حكومة انتقالية في ليبيا، وأبلغ ذلك للسفارة الأميركية في بلاده عبر وزير الدولة في حكومته للشؤون السياسية والاتصال وليد اللافي، الذي أكد للقائم بالأعمال الأميركي، جيرمي برنت، أن رؤية الحكومة للحوار تتمثل في إنهاء كل المراحل الانتقالية بالذهاب المباشر نحو انتخابات تُجرى وفق قوانين عادلة وقابلة للتنفيذ.
وكانت فصائل مسلحة وقادة أجهزة أمنية وعسكرية في غرب ليبيا أكدوا لباتيلي رفضهم تشكيل حكومة انتقالية جديدة مع دعمهم مبادرته للحوار، وأكد باتيلي أن “ليبيا ملك جميع الليبيين، ولا يجوز أن تكون رهينة لأي فئة أو مجموعة من الأفراد”.
وأعلن المبعوث الأممي أنه اتفق مع حفتر -خلال لقائه في مدينة بنغازي– على ضرورة تسريع الجهود الجماعية لوضع البلاد على المسار الانتخابي في أقرب الآجال، وتوحيد المؤسسات الليبية، وأنه شدد لحفتر على ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة المتعلقة بانسحاب القوات والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا.