هل تعزز الاتهامات الأميركية لمجموعة “أداني” قوة المعارضة الهندية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 9 دقيقة للقراءة

نيودلهي– تثير لائحة الاتهام الأميركية ضد مجموعة “أداني” الهندية تداعيات سياسية قد تؤثر على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه الحاكم، بهاراتيا جاناتا، في ظل الاتهامات للمجموعة بدفع رشاوى بقيمة 265 مليون دولار لمسؤولين هنود، مما يطرح تساؤلات عن دور الحكومة في تسهيل الفساد، خاصة بالنظر إلى علاقة “أداني” الوثيقة بمودي.

وأمرت الولايات المتحدة باعتقال 8 أفراد من مجموعة أداني، بينهم غوتام أداني وابن أخيه ساجار أداني، بموجب قانون ممارسات الفساد الأجنبية الأميركي، وتشمل الاتهامات دفع رشاوى للحصول على موافقات على مشاريع وإخفاء تلك الأنشطة عن المستثمرين الأميركيين.

ويعطي هذا القانون الولايات المتحدة الحق في فتح تحقيق ضد الشركات الأجنبية التي تجمع الأموال من الأسواق الأميركية.

ورغم أن القضية تبدو تجارية في جوهرها، فإنها تحمل أبعادا سياسية قد تؤثر على مودي وحزبه، كما أوضح محللون وخبراء للجزيرة نت.

الملياردير الهندي غوتام أداني رئيس ومؤسس مجموعة أداني أحد المطلوبين للاعتقال وفق مذكرة أميركية (رويترز)
  • كيف كانت ردود الفعل السياسية داخل الهند على القرار الأميركي بحق مجموعة أداني؟

في أعقاب صدور لائحة اتهام أميركية لمجموعة أداني وأمر الاعتقال بحق غوتام أداني، صرّح زعيم المعارضة الهندية راهول غاندي بأن أداني لا يزال يتنقل بحرية في البلاد، على الرغم من اعتقال العديد من الشخصيات البارزة، بمن فيهم رؤساء وزراء ولايات مثل رئيس وزراء ولاية جهارخاند.

وخلال مؤتمر صحفي، أوضح غاندي أن “أداني متهم بعملية احتيال تقدر قيمتها بـ265 مليون دولار، إلى جانب احتمالية تورطه في عمليات احتيال أخرى. ومع ذلك، هو حر ويتنقل بلا قيود، ولا توجد أي تحقيقات جادة في الأمر”.

وأضاف غاندي أن هذا الوضع يعكس ما تمت الإشارة إليه سابقا بشأن العلاقة بين رئيس الوزراء ناريندرا مودي وغوتام أداني، وقال “أثرنا هذه القضية مرارا، وهي دليل واضح على أن رئيس الوزراء يقدم الحماية لأداني، وأن رئيس الوزراء متورط في قضايا فساد مرتبطة بأداني”.

وخلال الدورة الشتوية للبرلمان الهندي التي انعقدت يوم الاثنين الماضي، طالب حزب المؤتمر الوطني الهندي وعدة أحزاب يسارية بتشكيل لجنة برلمانية مشتركة للتحقيق في قضية غوتام أداني.

  • ما تفاصيل العلاقة بين مجموعة أداني ورئيس الوزراء ناريندرا مودي؟

يقول المحلل السياسي آدوان ديتشنيا، للجزيرة نت، إن علاقة وثيقة برزت بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورجل الأعمال غوتام أداني منذ تولي مودي منصب رئيس وزراء ولاية جوجارات عام 2001، وقد اكتسبت هذه العلاقة زخما كبيرا مع وصول مودي إلى سدة الحكم على المستوى الوطني عام 2014.

وأضاف أن حملة مودي الانتخابية عام 2014 “شهدت تقديما واضحا له كمدافع قوي عن الهندوتفا، وهي أيديولوجية تستخدم الهندوسية كأداة سياسية لخلق القومية الهندوسية، وتهميش الأقليات، وكمؤيد قوي للأعمال التجارية، وقد استغل رجال الأعمال هذه الصورة الإيجابية واستثمروا بكثافة في حملة مودي الانتخابية”.

ويشير المحلل السياسي ديتشنيا إلى أن انتقادات واسعة أثيرت حول استخدام مودي لطائرات أداني الخاصة لأغراض حملته الانتخابية، وبعد فوزه بالانتخابات، زادت حدة هذه الانتقادات مع ظهور أدلة على حصول شركة أداني على مشاريع ضخمة في الدول التي قام مودي بزيارات رسمية لها.

وأوضح أن خبراء اقتصاديين يرون أن العديد من التعديلات التشريعية التي شهدتها الهند خلال فترة حكم مودي، خاصة تلك المتعلقة بقوانين العمل والاستثمار والضرائب، صيغت بطريقة تخدم مصالح شركة أداني بشكل خاص.

  • كيف يعزز هذا الاتهام موقف المعارضة الهندية؟

ترى سوشيتا دلال، رئيسة تحرير مجلة “موني لايف” في الهند، والمعروفة بكشف عملية الاحتيال التي ارتكبها هارشاد ميهتا في سوق الأوراق المالية في عام 1992 بقيمة مليار دولار أميركي، أن الاتهامات الموجهة إلى مجموعة أداني ومؤسسها غوتام أداني “عززت من قوة أحزاب المعارضة، بقيادة حزب المؤتمر الوطني الهندي، حيث لطالما شككت هذه الأحزاب في العلاقة بين أداني والحكومة، وادعت أن المجموعة تحظى بمعاملة خاصة”.

وأضافت دلال، للجزيرة نت، أنه “الآن، مع صدور لائحة الاتهام ومذكرات الاعتقال بحق غوتام أداني وابن شقيقه ساجار أداني، تصاعدت حدة المعارضة بشكل ملحوظ، ودفعت هذه التطورات الأحزاب المعارضة إلى المطالبة بتشكيل لجنة برلمانية مشتركة للتحقيق في القضية، كما دعت المعارضة إلى فتح تحقيق ضد رئيس مجلس الأوراق المالية والبورصة الهندي، إلا أن السلطات لم تتخذ أي إجراء حتى الآن”.

واعتبرت أن انخراط جهات دولية “مرموقة”، مثل وزارة العدل الأميركية ولجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية، في القضية أضفى مزيدا من الثقل على مطالب المعارضة.

وتعتقد دلال أن هذه التطورات عززت بشكل خاص حزب المؤتمر الوطني الهندي، وإلى حد ما، حزب المؤتمر “ترينامول” الذي يتخذ من ولاية البنغال الغربية قاعدة له، ويعد شريكا في التحالف مع حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض.

  • بماذا يرد الحزب الحاكم في الهند على ما حدث لمجموعة أداني؟

اتهم حزب بهاراتيا جاناتا حزب المؤتمر الوطني الهندي وزعيم المعارضة، راهول غاندي، بمحاولة تشويه صورة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وفي تصريحاته خلال مؤتمر صحفي، قال المتحدث باسم الحزب الحاكم، النائب سامبيت باترا، إن القانون سيأخذ مجراه، مشيرا إلى أن الولايات الأربع التي وردت في لائحة الاتهام الأميركية، فيها مسؤولون حصلوا على الرشاوى، لا تُدار من قبل حكومات تابعة لحزب بهاراتيا جاناتا.

وتجاهل المتحدث، بحسب مراقبين، ولاية جامو وكشمير التي وردت في لائحة الاتهام، والتي كانت تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا في وقت وقوع الرشاوى المزعومة، حيث كانت تُدار مباشرة من قبل حكومة الحزب المركزية في دلهي.

كما تجنب التعليق على جزء من لائحة الاتهام يسلط الضوء على دور شركة الطاقة الشمسية الهندية التابعة لحكومة مودي، والتي يُزعم أنها ساعدت مجموعة أداني في إعادة تخصيص اتفاقيات شراء طاقة بحجم 2.3 غيغاوات لصالح إحدى الشركات التابعة لشركة الطاقة الهندية.

ويعتقد المحلل السياسي آدوان ديتشنيا أن “نهج حزب بهاراتيا جاناتا كان دائما يتمثل في الدفاع عن أداني ومحاولة تحويل أي اتهام موجه إليه إلى مؤامرة ضد الهند. ويسعى الحزب إلى تصوير أداني كرمز وطني وشريك أساسي في تنمية البلاد، مع تصوير القوى الاقتصادية العالمية كجهات تحاول زعزعة استقرار الاقتصاد الهندي من خلال استهدافه”.

وأضاف ديتشنيا “مع ذلك، الواقع يعكس صورة مختلفة تماما، فقد استغل أداني موارد البلاد لصالحه، حيث يتم توجيه مبالغ ضخمة من أموال المؤسسات الحكومية للاستثمار في أعماله، وعندما تتراجع قيمة أسهمه، تكون الحكومة هي الخاسر الأكبر، مما يضع أموال الشعب في خطر كبير”.

  • كيف يؤثر الاتهام الأميركي لمجموعة أداني على العلاقات الخارجية لحكومة مودي؟

ترى سوشيتا دلال أن هذه الاتهامات لن تؤثر على العلاقات الخارجية للهند بأي شكل من الأشكال، مشيرة إلى أنها “مسألة تجارية بحتة”. وأوضحت أن إلغاء مشروع مجموعة أداني في كينيا، إلى جانب المشكلات التي تواجه مشاريعها في سريلانكا وأستراليا وبنغلاديش، تندرج جميعها في إطار النزاعات التجارية، مضيفة أن “أداني لا تمثل الحكومة الهندية أو شعبها”.

وبعد الاتهامات الأميركية ضد مجموعة أداني، ألغت كينيا مشروعا كان من المتوقع أن يُمنح لمجموعة أداني، الذي كان يهدف إلى منح المجموعة السيطرة على مطار جومو كينياتا الدولي لإنشاء محطة جديدة، في صفقة تقدر قيمتها بحوالي ملياري دولار.

كما ألغت كينيا مشروعا آخر تم توقيعه مؤخرا مع المجموعة، وهو شراكة بين القطاع العام والخاص بقيمة 736 مليون دولار لبناء خطوط نقل الطاقة.

  • هل يمكن أن تضر قضية مجموعة أداني بسمعة الشركات الهندية الكبرى في الداخل والخارج؟ وكيف ذلك؟

في اعتقاد سوشيتا دلال أن “هذه الاتهامات لا تؤثر على سمعة الشركات الهندية على الإطلاق، إذ ليست شركة أداني هي الأولى التي تخضع لمثل هذا التدقيق”، مستدركا بالقول “غالبا ما تسلط الشركات الهندية الضوء على ممارساتها الجيدة ضمن تقاريرها السنوية، لكنها غالبا ما تعمل تحت افتراض أن هذه الادعاءات لن تُواجه بتحديات، خاصة في الهند”.

وتابعت دلال “أن الأمور تتغير عندما تتعرض الشركات لمعايير دولية مثل قانون ممارسات الفساد الأجنبية الأميركي، فقد تعرضت العديد من الشركات الهندية للعقوبات بموجب هذا القانون، مثل شركة “كوغنيزانت” التي دفعت غرامة قدرها 25 مليون دولار، وشركة “موندليز” التي وافقت على دفع 13 مليون دولار، وشركة “أوراكل” التي فُرضت عليها غرامة قدرها مليوني دولار”.

وخلصت رئيس تحرير مجلة “موني لايف” إلى “أن هذه الحالات ليست جديدة، والشركات أصبحت تدرك بشكل متزايد المخاطر المترتبة على ممارساتها، أما بالنسبة لشركة أداني، فلا يزال من غير الواضح كيف ستتمكن من التغلب على هذه الأزمة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *