برلين – عكف جلّ السياسيين الألمان على تأكيد دعمهم المطلق لإسرائيل في كل الصراعات والحروب التي تخوضها، إذ يؤكدون على “حقها في الدفاع عن النفس”، كما يخرجون في وقفات ومظاهرات دعما لسياساتها، لكن رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي (يمين وسط) فريدريش ميرتس أراد أن يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ اقترح أن يكون التجنيس في ألمانيا مرهونا بـ”الالتزام بحق إسرائيل في الوجود”.
يوجد الحزب المسيحي الديمقراطي حاليا في المعارضة، وقد حلّ ثانيا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو الحزب الذي تنتمي له المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وتمّ انتخاب ميرتس رئيسا للحزب بأغلبية ساحقة في بداية عام 2022، بعد أسابيع قليلة على نكسة الانتخابات.
صرّح ميرتس لقناة “زد دي إف” (القناة الثانية الألمانية) بداية هذا الأسبوع، بأن التحالف الحكومي يؤمن بأن “التجنيس يأتي قبل الاندماج”، لكنهم في الحزب يعتقدون أن العكس هو الذي يجب أن يحدث، ومن معالم اندماج المهاجرين -حسب كلامه- هو “الالتزام بالاعتراف بإسرائيل، ومن لا يوقع هذا الالتزام ليس له مكان في ألمانيا”، مما جعل تصريحاته لا تمسّ فقط الراغبين في التجنيس، بل حتى المقيمين في البلاد.
هل تعدّل الحكومة القانون؟
استغلت جلّ الأحزاب الألمانية أجواء الحرب الدائرة في قطاع غزة لتأكيد دعمها لإسرائيل بحجة أن “أمن إسرائيل مصلحة عليا لألمانيا”، وهو ما كرّره المستشار الألماني أولاف شولتز أكثر من مرة، لكن ميرتس تشدّد أكثر، وتساءل حول ما إذا كان ممكنا إضافة فقرة في مشروع قانون التجنيس الجديد، الذي وافقت عليه الحكومة، من أجل ربط الجنسية بالاعتراف بإسرائيل.
ومن المرتقب عرض القانون للنقاش في البرلمان الألماني خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وهو القانون الذي يريد من خلاله التحالف الحكومي تسريع التجنيس، بحيث يتم تقصير عدد سنوات الإقامة المطلوبة إلى خمس بدل ثمان، فضلا عن ضمان الحق في الجنسية المزدوجة.
وقد سبق للحزب المسيحي الديمقراطي أن دفع في اتجاه عدم تجنيس من “يرتكبون جرائم معادية للسامية” عندما كان يقود الحكومة الماضية، وهذا الشرط يوجد حاليا في مشروع القانون الجديد، لكن ذلك مرتبط بحكم قضائي وليس بالتزام يوقعه المرشح للجنسية، وقد أكدت وزيرة الداخلية نانسي فايزر هذا الأسبوع من جانبها أن من يرتكبون “أفعالا معادية للسامية لن يتمكنوا أبدا من الحصول على الجنسية الألمانية”.
ويرى خبير الشؤون الداخلية في حزب الخضر (عضو في الحكومة) كونستانتين فون نوتز، في تصريح لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ”، أن المشروع الحالي “يتيح اتخاذ إجراء قانوني ضد من ينكرون حق إسرائيل في الوجود”، لكنه أكد كذلك أنه لا توجد أي إشارة في المشروع للتفكير في مواقف محتملة مستقبلا معادية للسامية، وأن الشيء الوحيد الذي يمكن للسلطات القيام به هو التأكد من التزام المرشح للتجنيس بالدستور الألماني.
تصرف شعبوي
يرتبط كلام فريدريش ميرتس بمناخ عام ضد المهاجرين واللاجئين، وفي هذا الإطار، يقول يوليس الخطيب الناطق السابق باسم حزب اليسار في ولاية شمال الراين ويستفليا، إن النقاش حول اللاجئين والمهاجرين انتقل أكثر نحو التوجّه اليميني، بحكم أن الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب البديل من أجل ألمانيا (أقصى اليمين) يحاولان التكيّف مع هذا الخطاب.
ويشير إلى وجود “رغبة من كبار السياسيين في ألمانيا في تقييد شامل لسياسة اللجوء”، مما يعود بشكل كبير إلى “النجاح الانتخابي الذي حققه حزب البديل من أجل ألمانيا”، ويظهر هذا التحوّل كذلك في لهجة الحكومة التي باتت تتخذ مواقف متشددة تجاه اللاجئين، حسب الخطيب.
ويقول الخطيب للجزيرة نت إن “السلوكيات العنصرية والمعادية للسامية تمنع مسبقا الناس من الحصول على الجنسية الألمانية، لذلك تظهر مطالب ميرتس مناورة شعبوية”. ويستطرد الخطيب “كيف يمكن تحقيق مطلب مشابه؟ علما أن هناك يساريين إسرائيليين ينتقدون بشكل حاد سياسات الاستيطان الإسرائيلية، فكيف سيمكن منعهم من التجنيس مثلا؟”.
الوجه المعاكس لميركل
يقول طارق باي، صحفي في برلين وخبير في خطاب العنصرية والتطرف، إن أشخاصا مثل ميرتس يستغلون بذكاء الجو الحالي المناهض للفلسطينيين والمسلمين باعتبارهم رمزا للمهاجرين والأجانب، ولذلك يحاول أن يظهر كرجل صارم وقوي. ويضيف، للجزيرة نت، أن التضامن غير المشروط مع إسرائيل يخدم خطط ميرتس كي يصوّر نفسه أحد الأخيار.
ويوضح باي، صاحب كتاب “الألمان الجدد القدامى”، أنه من غير المرجح تطبيق التعديل الذي ينادي به ميرتس بحكم أن التجنيس لا يشترط قناعات سياسية محددة، لكن باي ينبه إلى أن هناك “حالات حدث فيها بالفعل دفع عرب إلى التوقيع على وثيقة لإعلان ولائهم لإسرائيل مقابل التجنيس”، مبرزا أن ميرتس لا يركّز في مطالبه على بقية الجنسيات الأخرى، بل فقط على العرب والمسلمين، ولذلك “يمكن اعتباره مطلبه عنصريا”.
هناك أسباب أخرى تدفع ميرتس إلى هذا التفكير المناهض للمهاجرين المسلمين، منها رغبته بأن يظهر كنقيض تام لأنجيلا ميركل، ويوضح طارق باي أنه بعد استقبال اللاجئين المسلمين أضحت ميركل “موضوع كراهية للحركة اليمينية في أوروبا”، مضيفا أن “ميرتس مناهض تماما لميركل، وهو جزء من معسكر محافظ في ألمانيا، يعارض الهجرة ويجعل الحد منها مطلبا رئيسيا”.
ولا يخفي ميرتس رفضه للاجئين العرب والمسلمين، واتهمهم مؤخرا بمعاداة السامية، إذ كتب بعد اندلاع الحرب في غزة “إذا كان هناك لاجئون من غزة، فهذا أمر يهم الدول المجاورة”، متابعا على تويتر “لا يمكن لألمانيا أن تقبل المزيد من اللاجئين، لدينا ما يكفي من المعادين للسامية في بلادنا”.
وطلبت الجزيرة نت تعليقا عبر البريد الإلكتروني من الحزب المسيحي الديمقراطي حول تصريحات ميرتس، لكن لم يصل أيّ رد بهذا الخصوص.