باريس- قبل 3 سنوات، كانت زعيمة المعارضة الإيطالية جورجيا ميلوني، سعيدة بقرار إغلاق المهمة البحرية للاتحاد الأوروبي “صوفيا” بعد إنقاذ 45 ألف مهاجر في البحر الأبيض المتوسط.
واليوم بعد فوزها بمنصب رئيسة الوزراء، يبدو أن ميلوني غيرت نهجها، وتدعو سفينة الاتحاد الأوروبي إلى التركيز على منع مغادرة المهاجرين من شمال أفريقيا بدلا من إنقاذ الأرواح في البحر.
ويتزامن هذا التغيير مع تراجع وعودها الانتخابية التي قدمتها حكومتها اليمينية بمنع وصول الوافدين من شمال أفريقيا عقب وصول نحو 18 ألف مهاجر إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 6 آلاف نسمة.
ما حقيقة الحصار البحري؟
وفي ضوء الوضع الذي يتكشف في الجزيرة الإيطالية، أوضح بيتر ستانو المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية أن أي تقرير يزعم أن المفوضية تدرس إمكانية فرض “حصار بحري” في البحر الأبيض المتوسط “هو تقرير كاذب تماما”.
وأضاف ستانو، في حديثه للجزيرة نت، “لسنا على علم بأي تقارير عن مثل هذا الحصار البحري، وما تذكره وسائل الإعلام في الاتحاد الأوروبي في تقاريرها هو إمكانية إرسال مهمة بحرية لمنع تهريب والاتجار بالبشر”.
وتشمل خطة عمل رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، 10 نقاط، منها: إدارة عدد المهاجرين الكبير لضمان تسجيل الوافدين وأخذ بصمات الأصابع واستخلاص المعلومات والإحالة إلى السلطات المختصة، وفق أندرو ماكينلي مسؤول الاتصالات بوكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي (EUAA).
وتابع ماكينلي للجزيرة نت أن وكالة اللجوء تعمل على تعزيز الدعم المقدم لإيطاليا بالتعاون مع خفر الحدود والسواحل الأوروبية (فرونتكس) من خلال نقل الأشخاص خارج لامبيدوزا وتكثيف عمليات العودة من خلال التنسيق مع البلدان الأصلية للوافدين الجدد.
كما تركز النقاط العشر المقترحة من فون دير لاين، على تعزيز مراقبة الحدود البحرية والجوية، فضلا عن تسريع عملية توفير المعدات وزيادة التدريب لخفر السواحل التونسيين وسلطات إنفاذ القانون الأخرى.
وأشار جون كلود سامويه رئيس منظمة العفو الدولية (أمنستي)، إلى أن مركز الاستقبال الوحيد في لامبيدوزا يستوعب فقط 400 شخص، واصفًا الإعلان عن الحصار البحري بأنه “فاضح”. وقال إن “حق اللجوء يعتبر آخر حق يلجأ إليه الأشخاص الذين يتعرضون للاضطهاد. واليوم، يجب علينا الوفاء بالتزاماتنا وتوفير الحماية لتطبيق اتفاقية جنيف لعام 1951”.
إفلاس أوروبا الأخلاقي
بعد أن أعلنت المفوضية الأوروبية أمس الجمعة عن دفع 135 مليون دولار لتونس في إطار اتفاق لمكافحة الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا، انتقدت هذه الخطوة بشدة لأنها تهدف إلى تجنب المسؤولية المشتركة، كما قيل.
ويبدو أن الدول الأعضاء اتفقت على نقطة واحدة تتمثل في خفض معايير الحماية للأشخاص الذين يصلون إلى الأراضي الأوروبية، وذلك من خلال استمرار احتجاز المهاجرين في مراكز مغلقة بالقرب من الحدود لفترات طويلة مع إمكانية إعادة طالبي اللجوء إلى البلدان “الآمنة”، وفق معاييرهم.
وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية بيتر ستانو، للجزيرة نت، إن رئيسة المفوضية أعربت عن دعمها لاستكشاف خيارات لتوسيع المهمة البحرية الحالية أو إنشاء مهام جديدة، لافتا إلى أن إنشاء أي مهام جديدة سيحتاج إلى موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء الـ27.
من جانبه، يرى رئيس منظمة العفو الدولية، ومقرها باريس، أن الدول الأوروبية تتحدث دائما عن تدفقات الهجرة، لكنها لا تعير انتباها لعشرات الآلاف الذين لقوا حتفهم وسط البحر أو لمعاناة المهاجرين في بلدهم الأصلي.
ويتساءل سامويه كيف يمكننا أن نتخيل أوروبا المعروفة بدعمها لحقوق الإنسان والديمقراطية، في إبرام اتفاقيات مع دول مثل ليبيا أو تونس لترحيل الأشخاص إلى المراكز التي يعيشون فيها، حيث يتعرضون للاعتداء الجنسي والضرب والتعذيب، ويتعرضون أيضا للعمل القسري وحتى الدعارة القسرية؟
رفض فرنسي حازم
وفي اليوم التالي لاجتماعه في روما مع نظيره الإيطالي، أكد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أن “فرنسا لن ترحب بالمهاجرين” القادمين من الجزيرة الإيطالية التي تعرضت لعدة أيام لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين، مستعرضا “الموقف الثابت” لحكومته بهذا الخصوص.
لكن دارمانان يصر على القول -خلافا لواقع القانون والأرقام- إن غالبية المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا الأسبوع الماضي لا يمكنهم طلب اللجوء وإن “60% من الأشخاص الذين يصلون إلى لامبيدوزا يتحدثون الفرنسية، وهناك مواطنون من ساحل العاج والسنغال لا يتعين عليهم طلب اللجوء في أوروبا”.
وهو ما استنكره رئيس منظمة العفو الدولية، مؤكدا أنه “لا يمكن لفرنسا الحكم ما إذا كان الشخص يستحق تقديم طلب اللجوء أم لا؛ لأن منح الحماية يتم بعد مقابلات فردية متعمقة لدراسة حالة كل شخص من قبل المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (OFPRA) ومحكمة اللجوء الوطنية (CNDA)”.
ولا يزال العديد من المهاجرين غير محددي الهوية، حيث أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية أنه تم تحديد جنسية 30% فقط من الذين وصلوا بين 11 و20 سبتمبر/أيلول، على الرغم من تصريحات الوزير الفرنسي المتعارضة.
مراقبة مشددة على الحدود
وفي اتصال هاتفي مع شرطة الحدود الفرنسية، قال عنصر أمني -لم يرد الإفصاح عن اسمه- للجزيرة نت، إن الأوضاع تحت السيطرة حتى الآن ولا وجود لأي مهاجرين قادمين من إيطاليا، مؤكدا وجود تعزيزات أمنية إضافية على الحدود.
وقد أعلن دارمانان أنه قرر تعزيز المراقبة على الحدود الفرنسية الإيطالية من خلال زيادة عدد أفراد الشرطة والدرك المخصصين لهذه المهمة من 500 إلى 700 فرد.
بدورها، قالت إيمانويل جوبير، مديرة شرطة الحدود في إقليم “ألب ماريتيم”، إنه يتم اعتقال ما بين 200 إلى 300 مهاجر يوميا، ما يعادل 32 ألف اعتقال منذ يناير/كانون الثاني، أي بزيادة 20% عن العام الماضي خلال الفترة نفسها.
وأضافت جوبير، في مؤتمر صحفي الجمعة، أن الشرطة تستخدم كاميرات حرارية وطائرات دون طيار لإضفاء أكبر قدر من السرية على عمليات مراقبة الحدود وضمان سير المهمة بشكل مثالي.
وتأتي هذه الأحداث في ظل انقسام مستمر بين آراء أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي من اليسار واليمين حول سياسة الهجرة التي يتعين عليهم معالجتها من خلال دراسة مشروع قانون الهجرة الجديد هذا الخريف، مجمعين في الوقت نفسه على ضرورة الاعتماد على إستراتيجية أوروبية شاملة.