هل تتحول الهدنة المؤقتة في غزة إلى دائمة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

دخل اتفاق الهدنة المؤقتة والتبادل الجزئي للأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، حيز التنفيذ بعد 49 يوما من عدوان اعتُبر الأشد في تاريخ الصراع.

وكانت وزارة الخارجية القطرية قد أعلنت التوصل للاتفاق بعد جهود بمشاركة كل من مصر والولايات المتحدة، ويقضي الاتفاق المعني بإفراج الاحتلال عن 150 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال مقابل إفراج حماس عن 50 إسرائيليا من النساء والأطفال محتجزين بغزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويشكل اتفاق الهدنة فرصة لمختلف أطراف الصراع لتقييم موقفها وممارسة الجهود اللازمة من أجل الدفع في اتجاه دوام وقف إطلاق النار. فما فرص تحول الهدنة الإنسانية من مؤقتة إلى دائمة، في ظل حديث مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية عن “استعداد تل أبيب لتمديدها لإخراج مزيد من مواطنيها؟”، وهل لأطراف المعركة حسابات ستحول دون ذلك؟

ترحيب دولي

عرف اتفاق الهدنة المؤقتة والتبادل الجزئي للأسرى بين إسرائيل وحماس ترحيبا واسعا، ودعت أطراف دولية وإقليمية إلى استثماره لوقف شامل لإطلاق النار.

ففي روسيا، قال الكرملين إن الهدنة الإنسانية في غزة هي السبيل الوحيد للتوصل إلى تسوية مستدامة، في حين رحبت الخارجية الأردنية باتفاق الهدنة، وأشادت بجهود قطر بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة، حسب بيان لها، أكد ضرورة أن تكون هذه الهدنة خطوة نحو وقف الحرب ووقف استهداف الفلسطينيين وتهجيرهم قسريا.

من جهته أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ترحيبه بالاتفاق الذي وصفه بالخطوة الإيجابية، داعيا إلى “وقف دائم لإطلاق النار”.

وجددت الخارجية السعودية الدعوة “لوقف شامل للعمليات العسكرية وحماية المدنيين وإغاثتهم وتحرير المحتجزين والأسرى”.

تهاوي السردية الإسرائيلية

استند العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على دعم أميركي وغربي واسع ومفتوح. وأسهمت إدارة الرئيس جو بايدن من اللحظات الأولى للمعركة في صياغة أهدافها وحشد الدعم العسكري لها وتأمين البيئة الإقليمية لمنع توسّعها وترك المجال مفتوحا أمام إسرائيل للاستفراد بالقطاع.

ولاقى الموقف الذي اعتبر متشددا لإدارة بايدن نقدا كبيرا مع تصاعد استهداف جيش الاحتلال المدنيين والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس في القطاع.

ورغم محاولات إسرائيل وإدارة بايدن التأثير في الرأي العام العالمي باستحضار نماذج “11 سبتمبر/أيلول 2001” وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتشبيه المقاومة الفلسطينية بها، فإن السردية الإسرائيلية والأميركة منيت بفشل ذريع وغير مسبوق. وحظي العدوان على غزة بأكبر موجة معارضة عالمية، مقابل تضامن هو الأوسع مع الفلسطينيين.

وشكلت أصوات من داخل الحزب الديمقراطي الأميركي معارضة لموقف إدارة بايدن، إذ قال السيناتور بيرني ساندرز إنه “يجب ربط أي مساعدة لإسرائيل بحق النازحين في العودة إلى منازلهم في قطاع غزة، ووقف عمليتها بغزة فترة طويلة لإيصال مساعدات إنسانية”.

وتأتي تصريحات ساندرز وسط تعالٍ ملحوظ في الأصوات الديمقراطية المطالبة بوقف الحرب والضغط على إسرائيل. فهل يسهم تفكك هذا الدعم وتآكله التدريجي مع الوقت بزيادة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة؟

ويفسّر عدد من المحللين قبول إسرائيل بالهدنة المؤقتة كنتيجة أولية لهذا الضغط الذي من المحتمل أن يتصاعد مع الوقت، ويؤثر على المواقف الرسمية في الدول الغربية.

فشل استعادة المحتجزين

ولأن قضية المحتجزين الإسرائيليين في القطاع من أحد أهداف الحرب ومنطلقاتها، فقد شكلت ورقة تأثير لدى المقاومة الفلسطينية، واستطاعت كتائب القسام، توظيف هذه الورقة للتأثير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وكان مجلس الحرب الإسرائيلي “الكابينت” قد حدد سقفا هو الأعلى من الأهداف في بداية العدوان على القطاع. وتمثلت أهداف الحرب الرئيسية في القضاء على حركة حماس، واستعادة المحتجزين الإسرائيليين، وتغيير الوضع القائم في القطاع وإنشاء نظام أمني جديد.

وبعد شهر ونصف من الحرب على القطاع، لم تستطع الحكومة الإسرائيلية إحراز أي تقدم في الإفراج عن أي من المحتجزين باستخدام القوة والعمليات الأمنية.

ويفسر دخول إسرائيل في مفاوضات هدنة مؤقتة تشمل الإفراج المتبادل عن الأسرى وإدخال المساعدات للقطاع، برضوخ الحكومة الإسرائيلية للضغوط الدولية والداخلية، بسبب وجود محتجزين من جنسيات أجنبية، ومن بينها الجنسية الأميركية، إلى جانب صمود المقاومة في ميدان المعركة العسكرية والاستخبارية. 

كما تؤكد الهدنة فشل المسار العسكري والاستخباري لإسرائيل في استعادة المحتجزين في غزة، مقابل نجاح مسار التفاوض لإبرام صفقات تبادل وتهدئات مؤقتة، مما عزز من قناعة مجمل الأطراف الدولية والرأي العام الإسرائيلي بأن الطريق الأقصر للإفراج عن كافة الأسرى هو وقف العدوان على القطاع والدخول في مفاوضات صفقة تبادل شاملة وإنهاء الحرب.

اتفاق الهدنة المؤقتة يقضي بإفراج إسرائيل عن 150 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال (الفرنسية)

انقسام إسرائيلي

في سياق آخر من المتوقع أن تتصاعد المظاهرات التي تقودها عائلات المحتجزين الإسرائيليين للمطالبة بعقد صفقة شاملة، وترتفع أصوات المطالبة بوقف تام لإطلاق النار، مع بدء تنفيذ صفقة التبادل الجزئية.

وقد يسعى مجلس الحرب في الأيام التي تلي الهدنة المؤقتة الحالية لمواجهة هذا التصعيد، لكن وإذا استمرت العوامل التي دفعت نحو هذا الاتفاق بالتصاعد، فربما تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة للدخول بوقف متكرر، وربما دائم لحربها على القطاع.

ومن زاوية أخرى، لا يمكن تجاوز البيئة السياسية الإسرائيلية المنقسمة التي دخلت فيها تل أبيب الحرب. بما فيها دوافع رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بحرصه على البقاء في السلطة وبقاء الحكومة الحالية عبر تجنب لجان التحقيق حول أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة لقضايا الفساد التي تنتظره في المحكمة.

وعليه، فإن رغبة نتنياهو واستجابته لحلفائه اليمينيين المتطرفين في الحكومة تدفعه لمواصلة العدوان ومقاومة الضغوط الخارجية والداخلية لوقفه. وهو الموقف الذي يسانده فيه قادة الجيش والأجهزة الأمنية الراغبين بتحقيق أي إنجاز عسكري أو أمني في قطاع غزة للتغطية على الفشل الكبير الذي مُني به في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بيد أن هذا الموقف المتشدد في الطبقة السياسية والعسكرية يقابله تصاعد للضغوط من قبل الجمهور الإسرائيلي الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه فقد الثقة بشكل واسع بقيادة نتنياهو وقدرته على تحقيق أهداف الحرب.

خيارات المقاومة

في الجانب الآخر تبقى المقاومة الفلسطينية خياراتها بالسعي لوقف العدوان ومواصلة التصدي والمواجهة على مستوى متساوٍ، وهو ما يظهر من خطابات الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، ومن تصريحات القيادة السياسية لحركة حماس. فهي عادة ما تقرن استعدادها لعقد اتفاق تهدئة مؤقتة أو هدنة دائمة لوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل جزئية أو شاملة، باستعدادها لمواصلة القتال والتصدي لقوات لاحتلال.

وقد أظهرت إسرائيل همجية ووحشية في القتل والدمار الواسعين في قطاع غزة، مما يعزز القناعة لدى الفلسطينيين عموما، وفي غزة على وجه الخصوص، بأن زوال الاحتلال ومنع عودته يشكّل غاية رئيسية تحظى بتأييد واسع وإجماع شعبي، رغم ما خلفته إسرائيل من دمار واسع في القطاع.

وتظهر المؤشرات والمواقف الدولية والإقليمية والشعبية، أن تصاعد الضغط على إسرائيل لوقف حربها على القطاع قد يوفر فرصة لتحويل الهدنة المؤقتة إلى هدنة دائمة.

في حين أن استمرار إدارة بايدن بتقديم الغطاء المفتوح لإسرائيل، وحرص نتنياهو على البقاء في الحكم وتجنب قادة الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية فشلا جديدا يضاف لفشل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد تشكل عقبات حقيقية أمام فرص الانتقال لهُدنة دائمة.

وفي كلتا الحالتين، فإن مسار تراجع حدة العدوان وتراجع قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها بدأ مع دخول الهدنة المؤقتة الحالية حيز التنفيذ.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *