تناولت عدة صحف غربية موضوع المساعدات الغربية لأوكرانيا، عن اتفاق تجنب إغلاق الحكومة الأميركية الذي أسقط الدعم لأوكرانيا، إذ رأت مجلة “تايم” أن ثمنه سيكون باهظا بالنسبة لكييف.
كذلك تكليف الزعيم الشعبوي روبرت فيكو، بتشكيل الحكومة في سلوفاكيا والذي وعد بعدم تسليم “‘طلقة واحدة” إلى أوكرانيا، وهو ما رأته صحيفة “لاكروا” الفرنسية بداية تصدعات في الدعم الغربي لهذا البلد.
في حين بدا لصحيفة “لوموند” الفرنسية هي الأخرى، أن كلا الأمرين يشكلان تحذيرا من استغلال الحرب التي تفرضها روسيا على أوكرانيا لأغراض سياسية داخلية.
ورأى جيفري سونينفيلد، وهو أستاذ الإدارة وعميد مشارك أول في كلية ييل للإدارة، في مقال له بمجلة “تايم” الأميركية أن الاتفاق المفاجئ الذي اقترحه رئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي في اللحظة الأخيرة لتجنب إغلاق الحكومة كان له ثمن باهظ بالنسبة لأوكرانيا.
ويشير سونينفيلد إلى أن التراجع عن دعم كييف في حربها ستكون له آثار كارثية، ويصب مباشرة في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرابح الوحيد من إضعاف دعم الحلفاء، حسب رأيه.
الخيار الأبسط
وأوضح الكاتب أنه يتعين على الناخبين أن يفهموا بعض الأمور المتعلقة بالدعم الأميركي لأوكرانيا، ومنها أولا أن أوكرانيا ليست ثقبا يضيع فيه المال كما يصور المناهضون لدعمها، بل إن هذا الدعم أرخص كثيرا مما يبدو.
فالمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا البالغة 43 مليار دولار منذ غزو روسيا تعادل نحو 5% من ميزانية الدفاع الأميركية وأقل من 1% من إجمالي الإنفاق الحكومي، وفق سونينفيلد، ومع أن المبلغ ليس ضئيلا، فهو لا يتجاوز ما تنفقه الولايات المتحدة على البرامج الخاصة بالوكالات الحكومية.
كما أن الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة، مثل 186 دبابة برادلي التي تحتاجها أوكرانيا بشدة، من مخزوناتنا لا تكلف أموالا طائلة –حسب الأستاذ- والولايات المتحدة لا تتحمل العبء بمفردها.
ويقول الكاتب إن أوروبا أسهمت بمبلغ معادل للمساعدات العسكرية الأميركية وضعف ذلك في الدعم الإنساني، حتى إن بعض الدول الأوروبية مثل إستونيا تخصص نصف ميزانيتها الدفاعية لأوكرانيا.
ويعتبر سونينفيلد أن الأهم للولايات المتحدة أنها لم ترسل أي قوات إلى أوكرانيا، ولم تفقد أي أرواح هناك.
وذكر الكاتب بأن ما وصفها بالاستثمارات المالية الأميركية الضئيلة تعود منها على البلد عوائد هائلة، إذ دمرت أوكرانيا 50% من القوة العسكرية الروسية، مما اضطر بوتين إلى إنفاق ما يزيد على 150 مليار دولار على تجديد الموارد العسكرية للبلاد.
كما أدت العقوبات ومعها نزوح أكثر من ألف شركة من القطاع الخاص، إلى خنق الاقتصاد الروسي، مع انخفاض بعض القطاعات من 60 إلى 90%، إلى جانب تكاليف الحرب المتصاعدة، وفق سونينفيلد.
وأردف الكاتب أن “الاسترضاء” ليس خيارا جديا، وإذا اختارت واشنطن عدم تمويل المساعدة العسكرية لأوكرانيا كما يريد الجمهوريون مثل النائبين مات غايتس وراند بول، أو إذا أجبرت أوكرانيا على تسليم أراضيها كما اقترح كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان، فإننا سنواجه حتما ارتفاع التكاليف أكثر.
ويعيد سونينفيلد ذلك إلى أن أجندة بوتين التوسعية لا تتوقف عند أوكرانيا، بل ستشمل بولندا ومولدوفا وفنلندا والسويد وغيرها.
وبالتالي فإن الخيار الأبسط –كما يراه جيفري سونينفيلد- هو إنفاق أقل من 1% من ميزانية الحكومة لدعم الدفاع في أوكرانيا اليوم، أو إنفاق مزيد في المستقبل.
ويرى الكاتب أن بوتين يترنح الآن، والسهم الوحيد المتبقي في جعبته هو استخدام الدعاية والاستنزاف لإضعاف دعم الحلفاء.
إشارات سيئة
أما صحيفة “لاكروا” الفرنسية، فرأت في افتتاحية لها أن المخاوف بدأت تتزايد من تراجع الدعم الغربي.
ورأت الصحيفة في تكليف روبرت فيكو الذي وعد بعدم تسليم “ذخيرة” إلى كييف بتشكيل الحكومة في سلوفاكيا، وفي الاتفاق الذي جنب الإدارة الفدرالية الأميركية الشلل على حساب التضحية بجزء من المساعدات لأوكرانيا، إشارات سيئة.
ويُضاف إلى تلك الإشارات القرار الذي اتخذته بولندا بقطع شحنات الأسلحة، وعدد من استطلاعات الرأي الأميركية التي تدعو إلى التركيز على مكافحة الهجرة غير الشرعية عوضا عن الحرب طويلة الأمد.
وأشارت الصحيفة إلى أننا مع ذلك، ينبغي ألا نبالغ في وصف حالة “الضجر” التي أصابت الغربيين، لأن من شأن ذلك أن يصب في مصلحة موسكو التي لا تنتظر سوى ذلك.
ورأت “لاكروا” أن ثمة معطيات جيدة، إذ إن روبرت فيكو لم يحصل إلا على 23% من الأصوات، كما أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب -أكثر المرشحين تأييدا لروسيا- أقرب إلى الإدانة من قبل المحاكم منه إلى ولاية ثانية، ناهيك عن أن الدعم البولندي للاجئين الأوكرانيين لا يزال قويا.
ومن جانبها، أبدت صحيفة لوموند مخاوفها من أن سقوط سلوفاكيا في المعسكر الموالي لروسيا قد يؤثر في الالتزام الأوروبي تجاه أوكرانيا، لكنها قللت من أهمية ما حصل في الكونغرس، وفي سلوفاكيا على حد سواء، معتبرة أنه لا يعكس حتى الآن موجة عارمة.
وخلصت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه الأحداث تذكر “الديمقراطيات” بواجباتها، وبأن الموافقة على الدعم المطول لأوكرانيا تتطلب جهدا دؤوبا.