واشنطن- يؤكد معلقون في العاصمة الأميركية واشنطن أن فجوات واسعة لا تزال حول القضايا الرئيسة المتعلقة بصفقة جديدة تضمن الإفراج عن باقي الأسرى المقدر عددهم بـ132 شخصا لدى حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، مقابل سماح إسرائيل بدخول كميات ضخمة من المساعدات والأغذية، مع عودة مرافق الحياة الأساسية لقطاع غزة.
وتضغط واشنطن باتجاه التوصل لصفقة جديدة، وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار جوزيف فيتساناكيس، أستاذ الدراسات الاستخباراتية والأمنية بجامعة كارولينا الساحلية، إلى أهمية تمثيل وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA)، للولايات المتحدة في مفاوضات الإفراج عن الأسرى كدليل على جديتها واهتمامها البالغ بهذه القضية.
وقال فيتساناكيس “لم تمر مشاركة وكالة المخابرات المركزية في مفاوضات الرهائن، بدون أن يلاحظها أحد في الأوساط السياسية في العاصمة. هناك أسباب عدة محتملة لهذا الاختيار، ليس أقلها حقيقة أن الموساد يقود عملية التفاوض من الجانب الإسرائيلي. وتجمع شراكة قوية الموساد مع نظيره الأميركي، وبالتالي تسهيل التواصل بين الجانبين، تبدو خطوة منطقية من وجهة نظر واشنطن”.
ووفقا لمسؤولين مطلعين على المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين الأطراف الخمسة، مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل وحركة حماس، فإن المحادثات إيجابية بصفة عامة، إلا أن الصفقة ليست وشيكة.
إطار واسع
ويدعو الإطار، الذي تتسرب ملامحه تدريجيا والمكون من مراحل عدة، إلى تنفيذ المرحلة الأولى من إطلاق سراح الأسرى المدنيين، بداية ممن تبقى من الأطفال والنساء وكبار السن على مدى 6 أسابيع مع إطلاق سراح 3 أسرى فلسطينيين تحتجزهم إسرائيل مقابل كل رهينة مدني يعاد من غزة. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام بالنسبة لجنود الجيش الإسرائيلي الذين يتم الإفراج عنهم في مرحلة تالية، يعقب ذلك تسليم إسرائيل رفات من قتل من جنود وأسرى ورهائن.
وأشارت التقرير إلى أن ملامح الصفقة محل التفاوض تعكس مزيجا من مقترحات مختلفة من إسرائيل وحماس وقطر ومصر، إلى جانب أفكار إضافية من الولايات المتحدة. واختلفت المقترحات حول طول فترة الهدنة التي تتراوح بين شهرين إلى 3 أشهر، إضافة إلى اختلاف نسب تبادل الأسرى مع المعتقلين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية.
ولا تزال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ترفض فكرة “وقف إطلاق النار”، لكنها تؤيد فكرة “التوقف المؤقت” الذي من شأنه أن يسمح بإطلاق سراح المحتجزين ووصول مساعدات إنسانية إضافية إلى سكان القطاع الذين هم في أمس الحاجة إليها.
وقد أعرب عديد المعلقين عن تفاؤلهم بإمكانية دفع عملية التفاوض إلى وقف مستدام للقتال في غزة. ومع ذلك، فقد حذروا من أنه لا يزال هناك تفاصيل عديدة تحتاج إلى بلورة، ولم يعلق طرفا الصراع (إسرائيل وحركة حماس) على المقترحات بعد.
المحتجزون الأميركيون
تؤمن الإدارة الأميركية أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حتى لو كان لفترة محددة، قد يسهم في منع اتساع أزمة الشرق الأوسط التي يمكن أن تدفع لمواجهات كبيرة بين الولايات المتحدة وإيران والجماعات المسلحة المدعومة منها في جميع أنحاء المنطقة.
وألقت إدارة بايدن باللوم على الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران في قتل 3 جنود أميركيين في هجوم بطائرة مسيّرة في الأردن الأحد الماضي. من ناحية أخرى، أدت الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن على الملاحة في البحر الأحمر إلى تعطيل الشحن عبر قناة السويس، وهو ما خلق تأثيرا مضاعفا على الاقتصاد العالمي.
ويتطلع الرئيس بايدن لتحقيق نجاح دبلوماسي يتمثل في الإفراج عن 6 أسرى أميركيين ما زالت حركة حماس تحتجزهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وكان الرئيس بايدن التقى عائلات المحتجزين قبل أيام بمناسبة مرور 100 على احتجازهم، وأصدر بايدن بيانا قال فيه إن “الرهائن وعائلاتهم في طليعة ذهني حيث أعمل أنا وفريق الأمن القومي الخاص بي بدون توقف لمحاولة تأمين حريتهم”، وأضاف بايدن: “أؤكد مرة أخرى تعهدي لجميع الرهائن وعائلاتهم، نحن معكم. لن نتوقف أبدا عن العمل لإعادة الأميركيين إلى الوطن”.
وقبل أيام تحدث الرئيس جو بايدن هاتفيا مع أمير دولة قطر والرئيس المصري، ووصف البيت الأبيض محادثة بايدن مع أمير قطر بأنها تؤكد أن “صفقة الرهائن أمر أساسي لتهدئة إنسانية مطولة في القتال وضمان وصول المساعدات الإنسانية الإضافية المنقذة للحياة إلى المدنيين المحتاجين في جميع أنحاء غزة”.
نشاط قطري بارز
قبل وصوله إلى العاصمة الأميركية، التقى رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع بيرنز، ورؤساء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمصرية في باريس، في اجتماع يهدف إلى دفع المفاوضات نحو وقف العدوان على قطاع غزة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين لدى حركة حماس.
وفي الجلسة النقاشية التي نظمها المجلس الأطلسي بواشنطن، وشاركت فيها الجزيرة نت، قال رئيس الوزراء القطري إن “مناقشات باريس حققت تقدما جيدا لإعادة الأمور إلى شكلها، وعلى الأقل لوضع أساس للمضي قدما”، وأضاف: “نحن في مكان أفضل بكثير مما كنا عليه قبل بضعة أسابيع”.
ووصف رئيس الوزراء القطري الإطار الناشئ عن المناقشات في فرنسا بأنه مزيج “مما اقترحه الإسرائيليون وما اقترحته حركة حماس”، وقال: “حاولنا مزج الأشياء معا للتوصل إلى نوع من الأرضية المعقولة التي تجمع الجميع معا”.
واجتمع الوزير القطري مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن قبل نقاش المجلس الأطلسي، واجتمع في اليوم التالي مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، كما التقى عددا من عائلات المحتجزين لدى حركة حماس، والذين حضر بعضهم الجلسة النقاشية بالمجلس الأطلسي.
وعقب لقاء الوزيرين بمقر الخارجية الأميركية، قال بلينكن إنه يعتقد أن “الاقتراح قوي ومقنع ويقدم -مرة أخرى- بعض الأمل في أننا نستطيع العودة إلى هذه العملية. لكن على حماس أن تتخذ قراراتها بنفسها”.
من جانبه قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أمس الثلاثاء، إن الحركة تدرس اقتراحا لوقف القتال في غزة وتبادل الأسرى في إشارة واعدة محتملة للتوصل إلى اتفاق يتبعه على الفور تذكير بالعقبات المقبلة.
وأشار هنية في بيان له إلى انفتاحه على التوصل إلى اتفاق، لكنه تمسك بمطلب الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، والتي رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الفور.
وقال نتنياهو أمام أكاديمية بني ديفيد العسكرية في الضفة الغربية المحتلة: “أسمع الحديث عن جميع أنواع الصفقات. أود أن أوضح شيئا، لن نوقف هذه الحرب بدون تحقيق جميع أهدافها. هذا يعني القضاء على حماس، وإعادة جميع رهائننا، وضمان ألا تشكل غزة مرة أخرى تهديدا لإسرائيل”.