حقق الجيش السوداني تقدما على حساب الدعم السريع، خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصا في أم درمان، وصد هجمات متكررة في ولايتي غرب كردفان وجنوبها، وتصاعدت حملة الاستنفار الشعبي، بأكثر من 200 ألف مقاتل في ولايات كردفان ووسط البلاد وشرقها وشمالها، ويعتقد مراقبون أن “المقاومة الشعبية” رجحت كفة الجيش بعدما وجد مساندة عسكرية مؤثرة ودفعة معنوية كبيرة.
بعد أسابيع من اندلاع القتال في الخرطوم في منتصف أبريل/نيسان الماضي انخرطت كتائب البراء بن مالك وعمادها من الإسلاميين في الحرب إلى جانب الجيش وخصوصا في سلاح المدرعات في جنوب الخرطوم، قبل أن تتطور إلى لواء يقوده المصباح أبوزيد طلحة.
ويشرح المتحدث الرسمي باسم المقاومة الشعبية، عمار حسن أن طيفا واسعا من الشعب السوداني على اختلاف انتمائه السياسي والعرقي والجغرافي يدعم القوات المسلحة معنويا وماديا وعسكريا.
ويوضح في تصريح للجزيرة نت أن تشكيلات عدة من المجاهدين غالبيتهم إسلاميون تقاتل إلى جانب الجيش منذ اليوم الأول للمعركة أبرزهم كتائب “البراء بن مالك”، و”الطيارين”، و”البرق الخاطف”، و”السائحون” وغيرها من كتائب لها تجرية سابقة في القتال مع القوات المسلحة في حرب جنوب السودان.
إضافة للجيش
ويقول “عبد الله” الناشط في كتيبة البراء أنهم امتداد لتجربة قوات الدفاع الشعبي التي أنشأها نظام الرئيس المعزول عمر البشير بعد فترة قصيرة من وصوله إلى الحكم عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989، قبل حلّها و تحويل اسمها إلى قوات الاحتياط في العام 2020.
ويرى “عبد الله” في حديث للجزيرة نت أنهم شكلوا إضافة للجيش، واستطاعوا، تحت إمرته، تحقيق مكاسب عسكرية لافتة، وصدوا أكثر من 40 هجوما لقوات الدعم السريع على مقر سلاح المدرعات، وكبدوه نحو 15 ألف قتيل.
ويوضح أن مقاتليهم، وكانت لبعضهم تجارب عسكرية في جنوب السودان، خاضوا معارك في أم درمان منذ حزيران/يونيو الماضي ولا يزالون حتى طرد “المليشيا المتمردة” من مقر الإذاعة والتلفزيون قبل 3 أيام، وكان قائدهم المصباح من أوائل الذين دخلوا المقر مع قيادات الجيش.
ويضيف المتحدث ذاته أن وجودهم ليس في الخرطوم وإنما في ولايات عدة، ويشاركون أيضا ضمن القوات الخاصة بعدما تلقوا تدريبا متقدما خلال فترات سابقة، بجانب نشاطهم في جوانب فنية وهندسية مرتبطة بالمعارك الجارية.
ويعتقد الخبير العسكري اللواء المتقاعد مازن إسماعيل أن المستنفرين والمقاومة الشعبية هم الضلع الرابع لصندوق المقاومة الذي تمثل أضلاعه القوات النظامية الـ3 “الجيش والشرطة والمخابرات العامة”.
وحسب حديث الخبير العسكري للجزيرة فإن الوحدات العسكرية في العاصمة وحدات فنية متخصصة أو وحدات إدارية (المدرعات، المهندسين، الذخيرة، معهد الكدرو، …إلخ) و ليس بها قوة ضاربة من المشاة، وقد اعتمد صمودها خلال الحرب بدرجة كبيرة على المتطوعين الذين انضموا لهذه الوحدات من المستنفرين والمقاومة الشعبية.
مساهمة وطنية
ويوضح المتحدث الرسمي باسم المقاومة الشعبية، عمار حسن، أن الفرق الشعبية تقاتل مع القوات المسلحة بسلاحها وتحت إمرتها وقيادتها ووفقا للتقديرات الميدانية التي تراها، وليس لديهم سلاح خاص ولا قيادة عسكرية منفصلة.
ويمضي إلى أن مقاتليهم تلقوا تدريبا على مختلف الأسلحة، الخفيف منها والثقيل وكذلك تم تطوير القدرات القتالية والمهارات الفنية لمقاتليهم مما مكنّهم من التعامل مع الأسلحة الحديثة والمسيرات، ودافعهم المساهمة الوطنية الفاعلة في مواجهة تمرد الدعم السريع والحد من جرائمه بحق الشعب السوداني، وليس لدهم نيّة للتكسب السياسي أو تحقيق أي مكاسب أخرى.
ويؤكد مشاركة قطاع من الشباب السوداني غير المنتمي سياسيا وتم تسليح المقاومة الشعبية بسلاح القوات المسلحة في ولايات سنار والجزيرة والقضارف وكسلا ونهر النيل والشمالية والنيل الأبيض وفق قواعد ضبط دقيقة وقد أسهمت المقاومة في الحد من تمدد “المليشيا المتمردة” بولايتي سنار والنيل الأبيض وجزء من ولاية الجزيرة.
تجربة كردفان
وفي ولاية غرب كردفان المتاخمة لإقليم دارفور وجنوب السودان، شكل 6 آلاف من شباب 6 محليات بالولاية “قوات احتياط” توزعوا في “سرايا” و”كتائب” و”فصائل”.
ويقول “أبو قجة” للجزيرة نت إنهم يعملون تحت إمرة القوات المسلحة للدفاع عن المال والأرض والعرض، وحماية مناطقهم من الدعم السريع واستطاعوا تأمين ديارهم من الفوضى التي تنشرها “المليشيا المتمردة”.
ويكشف أن قوات الإحتياط بغرب كردفان ضبطت خلال الفترة السابقة عشرات من عناصر “المليشيا” بينهم أجانب كانوا يعبرون مناطقهم في الطريق إلى شمال دارفور.
كما أجلوا بالتعاون مع الجيش عمل 193مهندسا وموظفا بشركات حقول النفط العاملة بولاية غرب كردفان، عقب هجوم “المليشيا”على حقول بليلة وأبو سفيان والزرقة أم حديد للنفط، وآخر معركة في أم صميمة انتهت بمقتل أكثر من 20 من عناصر “المليشيا” وأسر آخرين.
من جانبه يرى الخبير الأمني صلاح السماني أن انخراط المقاتلين من الشباب وعناصر قوات الدفاع الشعبي السابقة، في أول أسابيع الحرب كان من منطلق سياسي وراءه تيارات إسلامية ووطنية تعتقد أن مساندة المؤسسة العسكرية سيعصم البلاد من الانهيار والتمزق وتنفيذ مشروع أجنبي يستهدفهم عبر قوات الدعم السريع.
وفي حديث للجزيرة نت يعتقد الخبيرأن سيطرة قوات الدعم السريع على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، والانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها حرضت المواطنين في الولايات الآمنة ودفعتهم للانضمام إلى “المقاومة الشعبية” لحماية أنفسهم وممتلكاتهم، وأسهمت في توسع التسلح والتدريب حتى تجاوز 200 ألف مقاتل.
ويحذر المتحدث ذاته من أن المقاومة المسلحة عمل مشروع لكنه “يشرعن حمل السلاح” وانتشاره بصورة كبيرة -مهما كانت ضوابط توزيعه- مما يهدد الأمن بعد نهاية الحرب، ويمكن أن يتحول إلى “سلاح سياسي” في وجه الخصوم أوحسم النزاعات القبلية.